في نهاية شهر أغسطس/آب 2020، خرج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووجّه لشباب المصر نداءً يقول فيه: “شباب مصر… تصدّوا معنا”. وفيما بعد، طوّرت السلطات المصرية هذا الشعار بتشريعاتها بعد ليصبح شعاراً لمحاربة الشائعات وحماية الأمن القومي، فما هي قصة “تصدوّا معنا”؟
أعلنت مؤخراً وزارة الشباب والرياضة في مصر عن فتح باب الانضمام والتطوع للفرق الشبابية المركزية بوحدة “تصدوا معنا” لمواجهة الشائعات، حيث حدّدت الوزارة تاريخ 22 كانون الثاني/يناير الماضي آخر موعد للتسجيل الالكتروني على أن تُجرى المقابلات الشخصية للمقبولين من خلال استمارة التقديم.
عن حملة “تصدوّا معنا” وأهدافها
أدركت بعض الأنظمة التي تنتهج نظرية الأجندة، والتي تعتبر مصر جزءاً منها، مخاطر المنصّات الاجتماعية على توجيه الرأي العام، فذهبت في سلسلة من الإجراءات والسياسات لخدمة أهدافها في عملية تقويض الحريات. وقد وثّقت “سمكس” في عدة تقارير انتهاج السلطات نهجاً يهدف إلى قمع الناس بدل حمايتهم على الإنترنت، ونقل السلطات نقل أدواتها الإعلامية التقليدية إلى الفضاء الرقمي ومنصّات التواصل الاجتماعي.
تهدف حملة “تصدوّا معنا” وبرنامجها بحسب ما أعلنت وزارة الشباب والرياضة في مصر، في أيلول/سبتمبر الماضي، إلى “تدريب مجموعة مختارة من الشباب وحشد جهودهم للحفاظ على الدولة المصرية، فى مواجهة الشائعات والعمل على بناء فكر الإنسان المصري، لفهم الحقائق وإدراك سبل مواجهة للشائعات بالعلم والتدريب التى يوفرها البرنامج من خلال برنامج إعداد المدربين ودعوتهم إلى دعم الدولة المصرية الماضية قدماً في تحقيق أهداف التنمية على أرض مصر والحفاظ على أمنها القومي”.
حدّدت الوزارة شروطاً للالتحاق بهذه الحملة، مثل أن يتراوح عمر المتقدّم/ة بين 20 و40 عاماً، وأن يكون حاصلاً على مؤهّل عالٍ، وأن يجتاز اختبار المقابلة الشخصية بواسطة لجنة من خبراء الأمن القومي ووزارة الشباب والرياضة، وفق ما أشارت وكيلة الوزارة ورئيسة الإدارة المركزية للبرلمان والتعليم المدني، إيمان عبد الجابر. وخلال الدورة، ينبغي أن يكون المتقدّم/ة للانتساب قادراً على التفرّغ للبرنامج التدريبي كشرط رئيسي.
تغطّي حملة “تصدّوا معنا” وفرق التطوّع المركزية وسائل التواصل، والتسويق، والرصد والأبحاث، والموارد البشرية، والحملات والبرامج، وجمع التمويل، والتدريب.
واستثمرت السلطات المصرية في المنصّات الرقمية لتنفيذ أهداف الحملة، حيث دشّنت وزارة الشباب والرياضة صفحات وحسابات رسمية على وسائل التواصل “فيسبوك” و“تويتر” تحمل عنوان “تصدوا معنا”.
حملة لتشديد الرقابة الذاتية؟
وسط انتشار الشائعات “كان من الضروري تحديد جهة رسمية لمخاطبة المواطن المصري حول الشائعات والأخبار المغلوطة التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن سرعة انتشار المعلومة فائقة”، كما تقول الصحفية المصرية إيناس كمال، في مقابلة مع “سمكس”.
تشرح كمان أنّه “لا يوجد إحصائية دقيقة حول حسابات المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن يُعتقد أن عددهم يتجاوز الـ20 مليوناً، ممّا يعني أنّ أيّ معلومة مستفزة ستنتشر بطريقة بشعة وسريعة”. على سبيل المثال، انتشرت شائعات تؤثّر على الاقتصاد المصري مثل بيع بعض أصول الدولة، ولكنّ صفحة “تصدّوا معنا” عملت على نفيها بمعدّل التحقّق من 10 شائعات على مدار 10 أيام. وتالياً، “قد يكون نفي الشائعات من أهم إيجابيات الحملة على الرغم من أنّها حديثة المتابعة والتفاعل معها ليس كبيراً “، وفق كمال.
في المقابل، يرى البعض أنّ قرار وزارة الشباب والرياضة يُشكّل خطراً على حرية الرأي والتعبير لا سيّما في ما يتعلّق بالنشر على المنصّات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي. هذا ما يؤكّده محامٍ وناشط مصري لـ”سمكس”، فضّل عدم الكشف عن هويّته لأسباب أمنية. “الغاية من إعلان الوزارة عن متطوّعين حاضرين في هذه الساحات الشبكات الاجتماعية يتمثّل في الوشاية على المُغرّدين أو الناشرين المعارضين للسلطات وقراراتها، الأمر الذي يُنتج رقابة ذاتية بسبب الخوف من التبليغ حتّى ولو كان الخبر صحيحاً”، يضيف المحامي.
وعن “مكافحة الشائعات”، يرى المحامي أنّ “تحت هذا الشعار يمكن توجيه الاتهام لأيّ فرد ولو كان رأياً أو خبراً يرتبط بأمور معيشية ومعاناة اقتصادية، مثل ارتفاع ثمن الخبز أو غيره، كما يمكن اعتبار بعض التصريحات الناقدة للنظام مساساً بالأمن القومي في حين لا تعدو كونها صرخة فقير”.
من جانب آخر، يشير ناشط مصري على منصّة “فايسبوك” لـ “سمكس”، رفض الكشف عن هويته خوفاً من الملاحقة الأمنية، إلى أنّ “المدوّنات الالكترونية ومنصّات التواصل الاجتماعي في مصر تكسر أجندة السلطة التي تروّج لها عبر وسائل إعلامها التقليدي”. وهذا ما يؤدّي برأيه إلى “طرح قضايا إعلامية أخرى بأجندات تختلف عن أجندة صانع القرار، مما يؤثّر على الرأي العام الرقمي الذي أصبح أكثر دراية وتنويراً حتّى وُصفت ثورة مصر بثورة الفيسبوك”.
سياسة الأجندة وتوجيه الرأي العام
تُعدّ نظرية الأجندة أو ترتيب الأولويات من النظريات التي تعود جذورها لأكثر من أربعين عاماً من البحث والدراسة. يقوم المفهوم الأساسي لهذه النظرية على فكرة أساسية مفادها أنّ وسائل الإعلام قد لا تنجح في كلّ الحالات في تعريف الناس “كيف يفكرون” ولكنها تنجح في تعريفهم فيما يفكرون. ويبدو أنّ التوجّه في مصر حالياً يقوم على العمل على ضبط وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بما فيها وسائل التواصل.
فتح التطوّر التكنولوجي وانتشار شبكات التواصل نافذة عريضة على الجمهور لإخباره بما يحدث بعيداً عن حصرية نقل الخبر عبر الإعلام التقليدي. وتميّز منها المنصّات الاجتماعية التي سهّلت التواصل مع الآخرين ومعرفة مستجدات الأحداث، وساهمت في نشر الخبر بسرعة وتدعميه بالصورة الحيّة والمُعبّرة. وهذا ما تجّسد خلال فترة ثورات الربيع العربي حيث انتقل العديد من الشعوب لمواكبة الأحداث والتطورات من خلال الهواتف منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً منصة “فيسبوك”، حتّى سُميت الثورات آنذاك بـ”ثورات الفيسبوك”. وكما يقول، المدير التنفيذي لـ “سمكس”، محمد نجم، في ذكرى 10 سنوات على الربيع العربي، إنّه “منذ بدأنا في استخدام أدوات التواصل الاجتماعي على نحو استراتيجي والتهافت على هذه الأدوات (…) تفطّنت الحكومات إلى أخطار الإنترنت وفرضت قيودا جديدة على المحتويات التي يُمكن قراءتها أو تقاسمها عبر الإنترنت”.