تواجه منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا مخاوف متزايدة بشأن المراقبة الرقمية، وقد طالت مؤخراً شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية وبرامجها. في هذا السياق، برز تطبيق “آبكلاود” (AppCloud)، وهو برنامج مثبت مسبقاً على بعض هواتف “سامسونغ” الذكية من طراز A وM.
تكمن المشكلة الأساسيّة في أنّه يصعب إزالة التطبيق لأنه يعمل على نظام تشغيل الجهاز، فيتطلّب إلغاء تثبيته وصولًا إلى الجذر (Root Access)، وهو أعلى مستوى من التحكم في النظام. بالإضافة إلى ذلك، لا تتوفّر سياسة الخصوصية للتطبيق على الإنترنت، ولا يكون خيار إيقاف التطبيق متاحاً دائماً للمستخدمين/ات.
وعند البحث بشكل أعمق عن الجهة التي تملك “آبكلاود”، تبيّن لنا أنّ سياسة خصوصية التطبيق ترتبط بشركة “آيرون سورس” (ironSource)، وهي شركة إسرائيلية تأسست في يافا ضمن تل أبيب، ولها سوابق في ممارسات مشبوهة تتعلق بموافقة المستخدم وخصوصية البيانات.
من سياسة خصوصية AppCloud لعام 2025.
يؤدّي هذا التطبيق إلى تداعيات خطيرة جداً على مستخدمي أجهزة “سامسونغ” في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. فلا تقتصر المخاوف على دور التطبيق في جمع بيانات المستخدمين بشكل خفي، بل يثير ارتباطه بشركة إسرائيلية مخاوف قانونية وأخلاقية أيضاً، بخاصة لأنّ عمل الشركات الإسرائيليّة محظور في الكثير من دول المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال شركة “سامسونغ” تثبّت “آبكلاود” (AppCloud) على أجهزتها تلقائياً، من دون تقديم أي توضيح للمستخدمين عن طريقة إزالته أو حتى طبيعة البيانات التي يجمعها.
تاريخ طويل من الممارسات المشبوهة
أثارت شركة “آيرون سورس” غضب المستخدمين وخبراء الأمن السيبراني والمجتمعات التقنية بسبب ممارساتها المخترِقة للخصوصية والمشبوهة. ونذكر، على سبيل المثال برنامج “انستول كور” (Install Core)، الذي رُوّج له على أنّه أداة للتثبيت عبر أنظمة تشغيل متعددة ومنصة لتكنولوجيا الإعلانات (adtech) تابع لطرف ثالث. إلا أنّه اتّضح أنّ البرنامج يعمل بشكل خفي على تثبيت برامج على أجهزة المستخدمين بدون الحصول على أي إذن منهم. وعلى هذا النحو، يتجاوز التطبيق عملية تحقق المستخدم وإجراءات الأمان، بما في ذلك برامج مكافحة الفيروسات، وفقاً لتحقيقات أجرتها كل من شركةMalwareBytes و) Sophos شركة بريطانية متخصصة في الأمن السيبراني).
تسببت هذه الحادثة في موجة من الغضب والقلق لدى مطوري الألعاب لمنصة “يونيتي إنجن” (Unity Engine)، فقدموا إنذاراً جماعياً لشركة “يونيتي” (Unity)، وهي الشركة الأم لشركة “آيرون سورس“، عبّروا فيها عن قلقهم بشأن استخدام برنامج “انستول كور” (Install Core) كأداة تثبيت سابقة وبرنامج إعلاني خبيث، لا سيما في التطبيقات والألعاب على الأجهزة الجوالة.
لم تتوقف المشاكل عند هذا الحد، فقد كانت “آيرون سورس” طرفاً في تسوية دعوى قضائية جماعية شملت شركاتٍ أخرى في مجال تكنولوجيا المعلومات من “داونلود فالي” (Download Valley) في إسرائيل. وكان الاتهام هو تتبع الأطفال واستهدافهم بعمليات شراء استغلالية داخل الألعاب. والأسوأ من ذلك أنّ شركات التكنولوجيا الإسرائيلية التي تركز على الإعلان الذكي ترتبط غالباً ببرامج التجسس والمراقبة، ما يزيد من المخاوف بشأن دورها في جمع البيانات وانتهاك الخصوصية.
تطبيق “آبكلاود” في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا
ليس تطبيق “آبكلاود” مدرجاً على موقع “آيرون سورس” (ironSource) الإلكتروني، ولكنّه مُثبّت تلقائياً على بعض أجهزة “سامسونغ غلاكسي” من طراز M وA في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في إطار شراكة موسَّعة بين “سامسونغ” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشركة “آيرون سورس” في العام 2022.
يُثبَّت هذا التطبيق غير المرغوب فيه (bloatware) على الأجهزة بدون طلب موافقة صريحة من المستخدم عند شراء الهاتف أو إعداده لأول مرة. وعلى الرغم من توفّره في أجهزة أخرى في مناطق مختلفة، إلا أنّ أجهزة “سامسونغ” من طراز M وA هي الأكثر استهدافاً في المنطقة. وتزداد خطورة المشكلة بسبب عدم إمكانية إلغاء تثبيت التطبيق بدون الوصول إلى الجذر (Root Access) والقيام ببعض الإجراءات التقنية المعقدة. وبما أنّ شركة “سامسونغ” تدمج تطبيق “آبكلاود” في النظام الأساسي لأجهزتها، لا يمكن للمستخدمين شراء أي طراز جديد لا يحتوي عليه.

أوضحت وحدة التكنولوجيا في منظمة “سمكس” أنّ معظم الشركات المصنعة لأجهزة “أندرويد” تستخدم نسخة مخصصة من نظام التشغيل “أندرويد أو إس” (Android OS)، مصمّمة لتناسب بالشكل الأفضل الشرائح التي تعتمدها. ويزوّد هذا النظام المخصص عادةً ببرامج إضافية غير ضرورية لتشغيل الهاتف، وتُعرف عموماً باسم برامج غير مرغوب فيها (Bloatware). يصعب إزالة هذه التطبيقات وغالباً ما تتطلب تثبيت نسخة نظيفة من نظام التشغيل، من خلال عملية تُعرف بتفليش الجهاز (Flashing) وتؤدي إلى إلغاء الضمانات. ويزداد هذا الواقع خطورة نظراً إلى أنّ هواتف “سامسونغ” الذكية هي الأكثر استخداماً منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، إذ تبلغ حصّتها من السوق حوالى 28% وفقاً لتقرير صادر عن شركة Canalys.
علاوةً على ذلك، لا توفّر شركة “آيرون سورس” أو شركة “سامسونغ” للمستخدمين في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا أيّ سياسة خصوصية واضحة أو شاملة لتطبيق “آبكلاود”. وبما أنّ التطبيق غير مُدرج على الإنترنت، لا تتوفر للجمهور العام أي نسخ من بنود خدمته أو سياسة خصوصيته. ولا يتّبع التطبيق النمط التقليدي، لأنّه لا يمكن الوصول إليه أو فتحه من القائمة العادية لنظام تشغيل “أندرويد”، إذ يتوفّر في خلفية الهاتف، ما يحول دون الوصول إلى بنود استخدامه بدون طلب مخصّص.
مع أنّ بنود استخدام “سامسونغ” تنصّ على ضرورة الحصول على موافقة المستخدم لتطبيقات الجهات الخارجية، إلا أنّها لا تذكر بشكل واضح “آبكلاود” أو “آيرون سورس” على الرغم من أنّهما يجمعان كمية كبيرة من البيانات تشمل البيانات البيومترية وعناوين بروتوكول الإنترنت IP وغيرها من المعلومات الحساسة. بالإضافة إلى ذلك كلّه، لا يتوفّر للمستخدمين خيار واضح لإلغاء تثبيت التطبيق أو إيقافه. وبالتالي، يجد المستخدمون أنفسهم مضطرين لاستخدامه إذا أرادوا تشغيل هواتفهم، ما يعطي “آبكلاود” مستوى غير مسبوق من التحكم والسلطة على الأجهزة.
دعوة لاتخاذ الإجراءات الضرورية
نظرًا إلى أنّ تطبيق “آبكلاود” يخترق الخصوصية ويجمع البيانات بطريقة يُحتمل أن تكون غير قانونية، ندعو “سامسونغ” إلى التوقف فوراً عن تثبيت التطبيق مسبقاً وتلقائياً على هواتفها الذكية من طراز M وA. فقد ينتهك التطبيق عدداً من قوانين حماية البيانات في المنطقة. على سبيل المثال، تنص قوانين حماية البيانات في كل من مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية على ضرورة الحصول على موافقة صريحة من المستخدم وضمان الشفافية. وتُحظر أيضاً الشركات الإسرائيلية قانوناً من التعامل مع مواطني العديد من دول المنطقة. في لبنان، على سبيل المثال، تقاطع الدولة المنتجات والخدمات الإسرائيلية بموجب “قانون مقاطعة إسرائيل” الصادر عام 1955.
إلى جانب ذلك، يجب على “سامسونغ” تسهيل الوصول إلى سياسة خصوصية “آبكلاود” وبنود خدمته وتوضيح أحكامهما، لا سيما من خلال إدراج التطبيق بشكل أكثر وضوحاً ضمن قائمة التطبيقات، وتوفير خيار سهل لإيقاف خدماته بالكامل.
أمّا المستخدمون، بإمكانهم أيضاً الحد من كمية البيانات التي يجمعها التطبيق. يمكنهم الدخول إلى قائمة التطبيقات في إعدادات الهاتف وإيقاف التطبيق، لكن هذا لا يعني إزالته بالكامل من الجهاز. يُفترض أن يمنع هذا الإجراء التطبيق من العمل، إلا أنّ بعض المستخدمين أشاروا إلى أنّ التطبيق يعود للظهور بعد تحديثات النظام. تبقى الطريقة الوحيدة لإزالة “آبكلاود” نهائياً، هي الوصول إلى الجذر في الهاتف ثم إلغاء الضمان.