تحديث: في 11 تموز يوليو 2024، أوقف ديوان المحاسبة التعاون بين شركة “ستريم ميديا” (Stream Media) ووزارة الاتصالات لتشغيل منصة Over The Top المعروفة بـOTT، وتلزيمها خدمة نقل المحتوى التلفزيوني عبر الإنترنت.
في تشرين الثاني المنصرم، وُضع بند على جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني طلب الموافقة على تقديم هيئة “أوجيرو”، وهي العمود الفقري لخدمات الإنترنت الثابت والمحمول في لبنان، خدمة نقل المحتوى الذي يقع ضمن الخدمات المتاحة بحريّة على الإنترنت (Over the top) واختصاراً (OTT)، لا سيما نقل المحتوى التلفزيوني وذلك بالشراكة مع مرخّصي ومقدمي هذا المحتوى.
أتى هذا الطرح بعد طلب وزارة الاتصالات من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، موافقتها للحصول على شراكة مع القطاع الخاص لتقديم خدمة التلفزيون عبر بروتوكول الإنترنت (IPTV)، وهي خدمة يؤمنها مشغّلو الاتصالات في مختلف دول العالم. ولكن في لبنان، تبعاً لقانون الاتصالات رقم 431 الصادر في عام 2002 الذي يؤسّس لتحرير القطاع وتأمين المنافسة، والذي يحصر الولوج إلى شبكات الاتصالات ومراكز أوجيرو بوزارة الاتصالات، جاء الجواب بالرفض من قبل الهيئة في تموز/يوليو الماضي.
ولهذا عادت وزارة الاتصالات وقدّمت مشروعاً حول الـOTT بدلاً من الـIPTV في تشرين الثاني. وحتى الآن، بالرغم من تشديد هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على علانية الدعوة العامة للراغبين بالترشح للفوز بالمشروع المشترك، انطلقت حملات إعلامية للتسويق لمشروع OTT من دون أي تفاصيل سوى أنّ “أوجيرو” ستطوّر المشروع.
ما هي خدمة OTT وما الفرق بينها مبين IPTV؟
الخدمات المتاحة بحريّة على الإنترنت (Over the top) – المعروفة اختصاراً باسم “أو تي تي “(OTT) – هي خدمات ذات قيمة مضافة تُبث عبر شبكة الإنترنت، ويمكن أن تكون من خلال بثّ الرسائل والصوت والفيديو، أو بثّ برامج التلفزيون والأفلام عند الطلب. ثمّة أمثلة كثيرة عن مقدّمي الخدمات وتطبيقاتهم التي يستخدمها الكثير من المشتركين في لبنان، ومنها “نتفليكس” (Netflix)، و”أمازون برايم” (Amazon Prime)، و”آبل تيفي” (Apple TV)، و”شاهد” (Shahid)، وغيرها من المنصات التي تبثّ عبر الإنترنت على كثرتها.
وفي كلّ مرّة يتّصل المستخدم بأحد هذه التطبيقات، فإنّه يستهلك من داتا الإنترنت التي تستجرّها وزارة الاتصالات من خارج الحدود والذي يدفع ثمنها المشترك شهرياً.
أما التلفزيون عبر بروتوكول الإنترنت (IPTV)، فهي التقنية الأكثر ملاءمة لأيّ مشغّل للشبكة الثابتة، بما فيها شبكة الإنترنت، كي يقدّم خدمة التليفزيون عبر الإنترنت بنوعية أفضل و أسرع لمشتركيه. وفي حين كانت تتطلّب هذه الخدمة وجود جهاز تشغيل (IPTV set top box) لدى مشتركي الخطوط الأرضية، أصبح من الممكن الآن تشغيلها عبر تطبيقات للتلفزيونات الذكية أو الهواتف.
شركات مبهمة تتحضّر
في وقت ينفي وزير الاتصالات التعاقد مع شركة خاصة لتقديم خدمة OTT، كشفت معلومات صحافية تفيد بأنّ “وزارة الاتّصالات لن تقدّم الخدمة من قبلها مباشرة، وأنّ ثمة عارضاً وحيداً لتقديم خدمة OTT هو شركة “ستريم ميديا” (Stream Media) التي انتشر اسمها في الإعلام مؤخراً، وأنّ نسبة المردود التي ستتقاضاها “أوجيرو” لن تتخطّى 10%، وفق العرض المقدم من الشركة الخاصة، وذلك من دون وجود أي قيمة مضافة لدور وزارة الإتصالات أو هيئة “أوجيرو”.
والعرض الصادر عن “ستريم ميديا” والموقّع من “أوجيرو” يعود لشهر آذار/مارس 2023، مما يطرح تساؤلات حول التحضيرات المبيتة لشركات كي تكون حاضرة عند بدء منصة الـOTT، ويكشف كذلك النسبة الضئيلة التي كانت ستحصل عليها “أوجيرو”.
وزارة الاتصالات: إصرار على أيّ مشروع بثّ؟
يحاول وزير الاتصالات تسويق خدمة OTT على أنّها “إنجاز عصري“، في حين أنّ هذه الخدمة موجودة في العالم منذ أعوام وسط طفرة لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويأتي لبنان متأخراً بتطبيقها عبر ضجة إعلامية لتسويقها.
وعن تسلّم هيئة “أوجيرو” لمشروع OTT، وافقت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على ذلك ولكن وفق شروط، مثل أن “يكون الدخول في شراكات مع القطاع الخاصّ ضمن المهامّ الموكلة لأوجيرو بموجب العقد الموقع بينها وبين وزارة الاتصالات”، و”أن تكون هذه الشراكات مستوفية للشروط المنصوص عليها في تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص”. كما شدّدت هيئة التشريع الاستشارات على ضرورة الإعلان عن المناقصات وأسماء الشركاء من القطاع الخاص، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
وكان عدد من النوّاب قدّموا سؤالاً مفصّلاً إلى الحكومة ووزير الاتصالات في كانون الثاني/يناير حول هذا الأمر، غير أنّ الحكومة والوزير لم يجيبا، حتى بعدما عقد النواب مؤتمراً صحافياً في مجلس النواب يوم 12 آذار/مارس مسائلين كذلك عن تجاوز مهلة الـ15 يوماً للردّ.
النائب ياسين ياسين، العضو في لجنة الاتصالات النيابية الذي قدّم السؤال للحكومة ووزير الاتصالات، يستغرب، في حديث مع “سمكس”، الخلط بين أوجيرو وخدمات المشاهدة عبر الإنترنت، “بخاصة وأنّه يمكن لأيٍّ كان أن يقدم هذه الخدمة، ومن دون الحاجة إلى أن يكون هناك مشغل خدمات إنترنت”. ويتساءل “لماذا تسعى وزارة الاتصالات وأوجيرو إلى تقديم خدمة لا تمرّ عن طريقها ولا تحتاج إلى بنيتها التحتية؟”.
يرجع ياسين أصل المشكلة إلى الطلبات غير المبرّرة، بدءاً بطلب وزارة الاتصالات و”أوجيرو” إتاحة تقديم خدمات IPTV للشركات الخاصة، ثمّ بعدما تبيّن تعارضه مع القوانين التي تتيح الاستخدامات المتعلقة بتطبيقات الإنترنت العامة فقط، “قرّرت وزارة الاتصالات تجربة حظها بتمرير المشروع تحت مظلة خدمة OTT”.
ويتساءل ياسين “لماذا تقحم أوجيرو في تقديم خدمة OTT التي تقدمها عدة شركات من دون الحاجة إلى ترخيص، بدلاً من تقديم الوزارة لخدمة IPTV التي حاولوا تمريرها سابقاً لتكون بيد شركات خاصة؟”.
أوجيرو: المشروع قيمة مضافة
يقول مدير عام هيئة “أوجيرو”، عماد كريدية، في حديث مع “سمكس”، إنّ خدمة IPTV التي تعتمد على تقديم محتوى عبر الخطوط الأرضية، خلصت أيامها والقطاع بحاجة إلى تطوّر”، مشيراً إلى كلفة هذه الخدمة على المشترك لأنها تحتاج إلى تركيب خطوط كايبل، وأجهزة تشغيل (Set Top Box) لكل تلفزيون على حدة، في حين أنّ كلفة تطبيق OTT أقلّ وتتيح للمشترك باقات تناسبه”.
ويضيف كريدية أنّ من فوائد OTT “التحرّر من سطوة وبطش موزّعي الكيبل غير الشرعيين وخدماتها السيئة، وتقديم محتوى عالي الجودة عبر الإنترنت ضمن حقوق ملكية فكرية مدفوعة لأصحابها، والحدّ من التلوث البصري المتمثل بوجود آلاف الكابلات المنتشرة في الشوارع وبين الأبنية، إضافة إلى الحدّ من إنتشار الصحون اللاقطة على أسطح الأبنية. ولكن لم نعرف كيف سيتمكّن هذا التطبيق الذي تطوّره “أوجيرو” من حلّ جميع هذه المشاكل في وقتٍ لا تصل شبكتها للإنترنت إلى أكثر من ثلث المشتركين في السوق، وأغلب المشتركون في الإنترنت هم مع الشركات غير الشرعية، وحتّى أنّ المشتركين مع “أوجيرو” يعانون من انقطاعات مستمرّة.
يصرّ مدير عام هيئة “أوجيرو”، عماد كريدية، في حديث مع “سمكس” على أنّ “المشروع يشكل قيمة مضافة لمشتركي أوجيرو، لا سيما وأنّ أوجيرو تقدم خدمة لم تكن متوفرة في القطاع العام على الرغم من وجودها في القطاع الخاص لدى قلة من الناس”. ويتغنى كريدية، بأن مشتركي أوجيرو سيتمتعون بالإشتراك في هذه الخدمة، بأسعار مقبولة تبدأ من 4 دولارات أميركية لكل باقة وصولًا إلى 13 دولاراً حسب نوع الباقات التي يختارها المشترك.
وكانت “أوجيرو” في ردّها على الحملة التي طالت تطويرها لمنصة OTT، قالت إنّ “الخدمة يتوقع أن تغذّي الخزينة بعائدات مالية بالملايين وتحارب قرصنة المحتوى وتساهم في حماية الملكية الفكرية وتشريع آليات مشاهدة اللبنانيين”.
لكن السؤال، ماذا عن باقي المشتركين الذين لا تصلهم شبكات الإنترنت عبر أوجيرو، في بلد تُقسم الأحياء فيها تبعًا لموزعي الإنترنت و”الدش” أي الكابل التلفزيوني؟ يُرجع كريدية السبب لعدم تطور الهيئة وشبكاتها على مختلف الأراضي اللبناني بسبب عدم اهتمام الدولة بتنمية القطاعات المنتجة والإستثمار بها، ما يجعل شبكة الاتصالات متوقفة عن التطور منذ ثورة 17 تشرين والأزمة الإقتصادية التي عصفت في لبنان.
ولكن، ثمّة مشاريع توسعة سبقت الأزمة بكثير ولم تنجح، مثل شبكة الألياف الضوئية التي وُضعت على خُطى التنفيذ منذ عام 2010 في عهد وزير الاتصالات شربل نحاس. كان الهدف إيصال شبكة الألياف الضوئية إلى المباني التي يشغلها المشتركون في الخطوط الهاتفية الثابتة وضمّ أكثر من 160 ألف مشترك من أصل 780 ألف مشترك بالخطوط الهاتفية الأرضية. ولكن حتى نهاية عام 2019، لم تصل شبكة الألياف الضوئية إلى أكثر من 40 ألفاً مشترك فقط.
والآن، تقلّصت حصّة “أوجيرو” في سوق الإنترنت لصالح المشغّلين غير الشرعيين حيث يضمّ القطاع غير الشرعي نحو 700 ألف مشترك، أي ما يوازي ضعف عدد مشتركي أوجيرو والمشتركين المصرح عنهم من الشركات الخاصة، وفق وزير الاتصالات جوني القرم الذي يقود مشاريع “لمواجهة الإنترنت غير الشرعي” على حدّ قوله.
ينفي كريديه لـ”سمكس”، أيّ عقد موقع بالتراضي مع أيّ جهة في الوقت الحالي، ويقول إنّ المنصة ستطلقها “أوجيرو”، وما تقوم به الهيئة عبر وصاية وزارة الإتصالات ما تجيزه المادة 46 من قانون هيئة الشراء العام، الذي يجيز بأن تقوم المؤسسة بشراء محتوى من فرد يملك الحصرية والدولة مهتمة به يجيز لها إنجاز عقد في التراضي. “أوجيرو لا تشتري المحتوى بل تمرر المحتوى عبر شبكة الإنترنت، و’أوجيرو‘ لا تدفع أي شيء للشركات صانعة المحتوى”.
وفي حين كان من اللافت تلقّف أصحاب التلفزيونات في لبنان خدمة الـOTT والدفاع عنها عبر تقارير عدة، يقول كريدية إنّ هذه الخدمة “ستقونن الاستفادة المالية لصناّع المحتوى، وهي استفادة ستعود بإيرادات على وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو ، لأنّ منصتنا تحترم الحقوق الملكية الفكرية للقنوات، في مقابل أصحاب الكيبل الذين لا يدفعون مستحقات أصحاب المحطات”.
وزارة الاتصالات تقدم امتيازات مجانية
صفقة OTT المطروحة والتي جاءت بعد اقتراح خدمات عدة مثل المحفظة الرقمية وIPTV، تشتمل على الكثير من الخفايا التي بدأت تظهر. وبدلاً من أن تستحوذ الدولة على الإيرادات كافة، يريد الوزير ومن معه تحميل الدولة عبء النفقات في حين تستولي الشركات الخاصة على الأرباح.
في حال أبرم العقد مع الشركة الخاصة، ستقدّم وزارة الاتّصالات للشركة صاحبة المحتوى امتيازات كبيرة حيال وضع جميع مشتركي “أوجيرو” وبناها التحتية وتجهيزاتها بتصرّف الشركة حصراً، يشرح خبير مطّلع على قطاع الاتصالات.
والشركة الخاصة التي تستحوذ على عمولة بنسبة أكبر من 90% ستتمكّن في المقابل من الاستفادة من البنية التحتية الكبرى لوزارة الاتصالات، والوصول إلى أكثر مليون مشترك في الهاتف الأرضي من “أوجيرو”، والاستفادة من نظام الفوترة الخاص بـ”أوجيرو” وضمّ فواتير خدمة البثّ إليها، ودفع “أوجيرو” إلى زيادة سعات الإنترنت وسرعاتها لتلبية الطلب، وفق خبير الاتصالات.
يتساءل الخبير عن عدم العمل بخدمة IPTV من قبل “أوجيرو” بعد رفض تلزيمها للشركات الخاصة، علماً أنّها في الوقت الحالي “تناسب شبكة أوجيرو أكثر من حيث عدم الحاجة إلى وسيط، وعدم تشكيلها أي ضغط على شبكة الإنترنت”.
هل تعمل وزارة الإتصالات الوصية على القطاع على نقل الاحتكار إلى شركة خاصة لتأمين هذه الخدمات، تحت حجة عدم توفر القدرات المالية والتقنية للقيام بهذه المهام؟
يُجمِع النائب ياسين وخبير الاتّصالات على وجود نهج لدى وزير الاتّصالات لتعزيز سيطرة القطاع الخاص على قطاع الاتّصالات، وتحويل “أوجيرو” في الوقت الحالي إلى مجرد ناقل للخدمات لا يستفيد إلا من فتات الإيرادات، بدلاً من العمل على تطوير القطاع أو بناء شراكات بنّاءة ومجدية للمال العام بين القطاعين العام والخاص.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.