Nastaliq Proportions – Licensed under the Creative Commons Attribution- Share Alike 3.0 Unported license
في 18 كانون الأوّل/ديسمبر من العام 1973، قرّرت الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة إدخال اللّغة العربيّة ضمن اللّغات الرسميّة ولغة العمل في الأمم المتحدّة كإحدى اللّغات الرسميّة المعتمدة. وفي تشرين الأوّل 2012، وخلال إنعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظّمة الأمّم المتحدّة للتربيّة والعلم والثقافة –يونسكو- تمّ تكريس يوم 18 كانون الأوّل/ ديسمبر يومًا عالميًا للّغة العربيّة وكان الإحتفال الأوّل.
في العام 2013 قرّرت الهيئة الإستشارية للخطّة الدوليّة لتنمية الثقافة العربية “أرابيا” والتابعة لمنظّمة “اليونسكو”، اعتماد اليوم العالمي للّغة العربيّة كأحد العناصر الأساسيّة في برنامج عملها السنويّ. هذه لم تكن المرّة الأولى التي يعلن فيها عن استخدام اللّغة العربيّة، ففي سابقة تعود إلى العام 1948، انعقد المؤتمر العام لمنظّمة اليونسكو في دورته الثالثة في بيروت، وكانت اللّغة العربيّة لغة العمل الرسميّة للمؤتمر. وتنتمي اللّغة العربيّة إلى أسرة اللّغات الساميّة ويطلق عليها تسميات مختلفة منها “لغة الضاد”، وهي تأتي في المرتبة الخامسة بين اللّغات الأكثر استخدامًا عالميًا. كما يقدر عدّد الناطقين بهذه اللّغة نحو 439 مليون ناطق، وحوالي 60 بالمئة منهم هم دون الـ25 من عمرهم ويتوزعون على أقطار الوطن العربي وبلدان أخرى مثل مالي، تشاد السنغال وإريتريا، إثيوبيا كما اقليم الأهواز، تركيا وإيران.
في اليوم العالمي للغة العربيّة تفاعل المساهمون من خلال استخدام هاشتاغ #اليوم_العالمي_للغة_العربية على منصّات مواقع التواصل الإجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكيّة. وكان محرّك البحث غوغل قد تنبه إلى واقع اللّغة وتأثيرها فخصّص رسم مبتكر لشخصيّات عربيّة أدبيّة على صفحة البحث الرئيسيّة للمحرك. وتأتي البلاد العربيّة في المرتبة الثانيّة عالميًا بعد الولايات المتحدّة الأميركيّة من حيث “إجمالي وقت مشاهدات” الأفلام المصورة على موقع يوتيوب Youtube.
المحتوى هو الملك
بالرغم من هذا كلّه ومن تضاعف مستخدمي اللّغة العربية على الشبكة العنكبوتيّة، يرى العديد من الباحثين أن اللّغة بشكل عام، واللّغة العربيّة بشكل خاص مهملة على الشبكة وقد دخل عليها عالم الأعمال بلغة عمليّة لا تتطلب صياغة كما تكنولوجيا رقميّة غربيّة دون خطط عمل استراتجيّة واضحة للتنميّة تشمل الأبحاث والتطور كما التطوير من الحكومات والمراكز الأكاديميّة في العالم العربي: فالبنى التحتيّة المطلوبة للترويج لهذه الفرص ضئيلة في عالمنا، إن وجدت.
فيما يعيب بعض اللغويّين الأخطاء الفاضحة والمتكرّرة على الشبكة كما تعريب المحتوى بالحروف اللاتينيّة أو ما يعرف بالأرابيزي Arabizi نتيجة لجمع العربيّة بالإنكليزيّة وأحيانًا تسمّى لغة “الفرانكو-آراب”، المستخدمة كثيرًا على منصّات التواصل الإجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكيّة. وذلك لأن التركيب الصرفي للكلمات في اللّغة العربيّة مختلف عن لغة البرمجة النصيّة التي صمّمت لتطوير الشبكة وتطبيقات الويب كما برمجتها.
في عالم التواصل وتحديدًا عبر الشبكة العنكبوتيّة المحتوى هو الملك أو وفق التعبير الأجنبيّ The Content Is King. فهذا المحتوى (ونعني به أيضًا الأفلام المصوّرة، الموسيقى والكتب… وأيّ إنتاج لنصوص يمكن نشرها) مدماك أساسيّ في بناء التطور الحضاري جنبًا إلى جنب مع التطور التكنولوجي. فكيف نوازن بين ثراء اللّغة العربيّة وضعف محتواها رقميّا؟ وكيف يمكن تطوير مهاراتنا والتشجيع على استخدام اللّغة العربيّة في التعليم وتعزيز تنوع لغتنا وصونها؟ وهل يمكننا تبسيط اللّغة في سبيل استخدامها على الشبكة العنكبوتية ضمن حملات مناصرة رقميّة وبثّ قوانين باتت ضروريّة، ولها علاقة بحوكمة الانترنت، الأمن الرقميّ والخوارزميات؟
إنتاج المعرفة والمحتوى المناسب هو من التحديّات الأساسيّة التي تواجه منهجيات تكثيف المحتوى العربي داخل محركات البحث، فمن دون محتوى متخصّص، يدرك فيه من ينشر تقنيات الشبكة، بروتوكلاتها وبرامجها الرقميّة، أمنها الرقمي، لغتها الخاصّة، السياسات الإلكترونيّة وكيفيّة عمل الخوارزميّات والملفات كما الوثائق وأهميّة تضمين المحتوى بنص تشعبي يتمتع بوسائط متعدّدة، لذلك لن تقدم أيّ من المبادرات المرموقة لتفعيل اللّغة العربية إسهامًا كبيرًا إن لم ترتبط بالمعرفة والتكنولوجيا وفهمًا للمجتمعات العربيّة المستهلكة للإنترنت.
وتجدر الإشارة أنه لا يوجد محرّك بحث عربي يتمتع بقاعدة بيانات خالصة له تمكّنه من منافسة محرّك بحث غوغل، ولو جزئيًا. ولذلك من الضروري توفر خطّط إستراتيجية ودعم للعديد من التقنيين والطلّاب الموهوبين كما الخبراء في مجال التكنولوجيا الخلّاقة مثل تقنيّة المعلومات وإلّا كل ما نهلّل له، يجعل من صياغة المحتوى صنعة الذين لا صنعة لهم، وينتهي ما ننشره على الشبكة في أروقة جدارن “نسيان” ناري ضمن محاولة عبثيّة للتفتيش عن محتوى يصعب البحث عنه.
ملاحظة: هذا المقال يعبّر عن رأيّ الكاتبة، وليس بالضرورة عن رأيّ المنظّمة