مع استمرار الحرب في اليمن التي صنّفت فيها أسوأ حالة إنسانية يشهدها العالم حسب توصيف الأمم المتحدة، لم يعد للمواطنين/ات من متنفّس حتى على وسائل التواصل. فقد عمدت أطراف النزاع إلى استغلال خدمة الإنترنت من أجل الترويج لرواياتها وحجب المواقع المعارضة وفرض رقابة غير مسبوقة على المحتوى المنشور، وهذا ما يراه كثيرون تهديداً يسلب كثيرون حقهم في التعبير عن آرائهم بالإضافة إلى سلب المواطنين/ات حقّهم/ن في الحصول على المعلومات والأخبار.
لم تكتفِ السلطات بحجب المواقع الإخبارية أو المعارضة فقط لكنه طال الكثير من المواقع والتي تبدأ من المواقع الإباحية والفنية والخاصة بنشر الأغاني والأعمال الفنية المتنوعة وصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتبر متنفس يلجأ إليها ملايين اليمنيين من أجل الهروب من واقع الحرب أو لأجل إدارة أعمالهم الإلكترونية، وذلك بدءاً من نيسان/أبريل من العام الجاري وفق بعض المستخدمين/ات الذين تحدّثت إليهم/ن “سمكس”.
وفي نهاية العام 2019، وصل الحال إلى حجب تطبيق “إنستغرام” من دون أيّ أسباب تذكر من قبل مزود الخدمة “يمن نت” (Ymen Net)، وهي الشركة الحكومية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، وحجب متقطع لتطبيقات “إيمو” و”تلغرام” و”واتساب” و”فيسبوك مسنجر”، وغيرها، بدءاً من العام 2017، حيث تُحجَب تارة ثمّ يُرفع الحجب عنها من وقت إلى آخر.
في حديث مع “سمكس”، يقول مصدر في شركة “يمن نت”، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ “المسؤول عن عمليات حجب مواقع الإنترنت في الشركة المتكررة هو جهاز الأمن والمخابرات التابعة لسلطة الحوثيين”. ويشير كذلك إلى أنّ “الحجب يُفرَض أساساً على المواقع الإخبارية المناوئة للسلطة في صنعاء والتطبيقات التي ترى أنّها غير أخلاقية وتسعى إلى إفساد المجتمع”.
لا يختلف الحال في المناطق الآخرى والتي تسيطر عليها حكومة عبد ربه منصور هادي. لا تزال المناطق هناك تستخدم خدمات الإنترنت التي تقدّمها شركة “يمن نت” التابعة لحكومة صنعاء، باستثناء بعض الأحياء والمناطق في مدينة عدن يسيطر عليها التحالف بقيادة السعودية. أصبحت عدن وبعض مناطقها تعتمد على شركة “عدن نت” (AdenNet) التي بدأت العمل في نهاية العام 2018.
حجب غير قانوني
يحتلّ اليمن مراتب متقدّمة في قائمة الحجب على الإنترنت في المنطقة، بحسب تقرير منظمة “أكسس ناو” (AccessNow) العالمية لعام 2019. ويقول فهمي الباحث، الناشط في مجال الحقوق الرقمية في اليمن والرئيس السابق لـ”جمعية مجتمع الإنترنت” في اليمن، إنّه “لا يمكن إيجاد أيّ حل جذري لمسألة الحجب سوى عن طريق تخلّي السلطات عن تكميم الأفواه والالتزام بحقّ كل فرد في الوصول واستخدام الإنترنت”.
“هذا الحجب للمواقع الإلكترونية في اليمن غير قانوني وغير دستوري”، يقول المحامي زياد الدبعي لـ”سمكس”، مستشهداً بالدستور اليمني الذي اشترط وجود أمر قضائي في حال اعتراض أيّ وسيلة اتصال من قبل أيّ سلطة كانت، “وهذا ما لا يحصل الآن”. فالمادة 42 من الدستور تنصّ على أنّ “لكلّ مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حـدود القانـون”. والمادة 53 من الدستور تكفل “حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها القانون وبأمر قضائي”.
يؤكّد الدبعي على ضرورة حماية الإنترنت وتوفيره لكل مواطن لاسيما الصحافيين والعاملين في مجال منظمات المجتمع المدني، وفق ما ينص عليه الدستور من حيث رعاية الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني من قبل مجلس الشورى. ويشدّد على “ضرورة وجود قانون خاص بتنظيم الإنترنت والمجال الرقمي بشكل عام، مشيراً إلى أنّه يحقّ لأيّ مواطن تأثّر مباشرةً بحجب الإنترنت أن يتقدّم بدعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية”.
ولكن في الدول التي تعاني من الحروب وعدم الاستقرار السياسي كاليمن، يقول الباحث إنّ “السلطات تتجاوز الدستور والقوانين وتلجأ إلى عمليات حجب وقطع الإنترنت كوسيلة للضغط على الأطراف الأخرى”. ويضيف أنّه “قد يكون للسلطات أهداف أخرى تتعلّق بخوفها من الوصول إلى الحقيقية أو من نشر دعوات إلى أنشطة سياسية معارضة، خصوصاً بعد ما أثبت الإنترنت دوره الفعال في نشر الحقيقة مع الآخرين من أجل تنفيذ أنشطة مشتركة”.
أضرار اقتصادية كبيرة على المشاريع الصغيرة
لجأت فاتن فؤاد إلى استخدام “واتساب” بدلاً من حسابها على “إنستغرام” الذي كان يضمّ عدداً كبيراً من المتابعين وتستخدمه لكي تروّج عليه منتَجات الشركة الصغيرة التي أسّستها. ولكن، تشرح لـ”سمكس”، أنّ “كلّ ذلك انتهى بمجرّد حجب الموقع ما سبّب تراجعاً كبيراً لحجم الأعمال، لاسيما وأن الترويج في واتساب يقتصر على جهات الاتصال المضافة فقط”.
مروى العريقي، صحافية يمنية تعمل مساهمة مع وسائل إعلامية أجنبية لتغطية الأحداث والأوضاع في اليمن، تقول لـ”سمكس” إنّ “حجب هذا العدد الكبير من المواقع الإلكترونية يعيق عملنا ويعرقل جمع المعلومات من الإنترنت والتقرير الذي يستغرق ساعات يأخذ منّا أياماً، ما يؤخّر إنجاز الأعمال الصحافية وقد يؤدّي إلى استبعادنا من العمل مع الجهة التي توظّفنا، خصوصاً إذا كانت من خارج البلاد”.
وكحلّ مؤقّت، تطلب مروى المساعدة من زملائها خارج اليمن في العثور على المعلومات التي تبحث عنها،حيث ترسل الروابط المطلوبة لهم ثم ينسخ الأصدقاء محتواها ويرسلونها بصيغة نصّ مقروء. “هذا الأمر محرج للغاية، ولا يمكن الاعتماد عليه إلى الأبد، فالأصدقاء لديهم أعمالهم وليس باستطاعتهم التفرّغ طوال الوقت لتقديم مثل هذه المساعدة”.
ابحثوا عن حلول آمنة
يؤثّر الحجب على المستخدمين بأشكال مختلفة، كلّ بحسب استخدامه واهتماماته، يقول الباحث لـ”سمكس”. على سبيل المثال، “قد يؤدّي الحجب إلى تعطيل أعمال شركات كبيرة خصوصاً الشركات الرقمية التي تستخدم خدمات الحوسبة السحابية. وبالنسبة إلى الأفراد، فالحجب يحرمهم من التواصل أو الوصول إلى المعلومة أو إرسالها”.
لتخطّي الحجب، تعتمد فاتن على برامج الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، مثلما يفعل الكثير من اليمنيين. ومع ذلك، لا ينتشر استخدام هذه البرامج إمّا لجهل المواطنين بها أو لأنّها تزيد من تكلفة استخدام بيانات الإنترنت خاصة لمن يستخدم الإنترنت من بيانات الهاتف الخلوي، كما يقول الباحث.
وفي حال أردتم/ن استخدام برامج الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، “يجب التأكّد منها لا يمكن اعتبار جميع هذه البرامج آمنة، بل إنّ بعضها خطره أكثر من نفعه، خصوصاً لناحية جمع البيانات الخاصّة وبيعها فيما بعد”، حسبما يشرح الباحث. ولذلك، من الضروري استخدام برامج آمنة وموثوقة، مثل “سايفون” (Psiphon) و“بروتون في بي إن” (ProtonVPN).