كان القرار الذي اتّخذته الناشطة اليمنيّة في مجال الحقوق الرقميّة يسرا العصري بمشاركة نصائح لتعزيز الأمن الرقمي مع صديقاتها، كافياً لجعلها ضحيّة محاولات اختراقٍ عديدة، بقيَ المسؤولون/ات عنها مجهولون/ات.
في حديثٍ مع “سمكس”، تقول العصري إنّ مهاجماً استطاع الولوج إلى هاتف زميلتها وعمد إلى إنشاء مجموعاتٍ ضمّ إليها كلّ أرقام صديقاتها، وابتزّ عدداً منهنّ على مدى فترة لا يستهان بها قبل أنّ ينجو بفعلته من غير حسابٍ أو ملاحقة قانونيّة.
تفشّي الأميّة الرقميّة
تتنوّع ِأشكال العنف الرقمي التي تستهدف اليمنيّات بين الابتزاز الإلكتروني، وسرقة البيانات الشخصية، والتحرّش الإلكتروني، وفقاً لكلام الناشطة الحقوقية بشرى السعدي، في سياق حديثها مع “سمكس” حول الخطط التي يعتمدها غالباً المهاجمون/ات المنتمون إلى جهات مختلفة. وتتوسّع هذه الهجمات إلى التهديد بنشر صور خاصّة أو بيانات شخصيّة، وذلك بغية تخويفهنّ وثنيهنّ عن متابعة نشاطهم/ن الإلكتروني، وفق قول الناشطة اليمنيّة.
وبحسب العصري، تكثر الهجمات السيبرانيّة وتزداد خطورتها ضدّ الفتيات اللاتي يعبّرن عن آرائهنّ السياسية أو ينشطن في مجال حقوق الإنسان.
في استبيان نشرته “منصتي 30” شارك فيه 1717 شخصاً، تبيّن أنّ 41% من المشاركين/ات لم يسمعوا بمصطلح الأمن الرقمي من قبل، وأن الذكور “أكثر جهلاً من النساء بالأمن الرقمي”. علاوة على ذلك، اتّضح أنّ الأسباب الرئيسيّة للأمية الرقمية لدى النساء تعود بشكل أساسي إلى حرمانهنّ من التعليم التقليدي بنسبة 55%، والقيود المجتمعية بنسبة %54.
وفقاً للاستنتاجات التي خلُص إليها الاستبيان، تزيد الأمية الرقمية من فرص تعرّض الفتيات للابتزاز، لا سيما في ظل الضغط الذي يمارسه الذكور على النساء في أسرهم في أحيان كثيرة، ممّا يدفعهنّ إلى التستر على ما يتعرّضن إليه.
يُجمع الناشطون/ات والخبراء في مجال الأمن السيبراني، كما ذكرنا آنفاً، على أنّ عدم إلمام المستخدمين/ات بأساسيات السلامة الرقمية وكيفيّة حماية أنفسهم/ن ووجودهم/ن في العالم الإلكتروني هو السبب الرئيسي لوقوع هذه الحوادث.
في هذا السياق، تقول مسؤولة وحدة التكنولوجيا في “سمكس”، سمر حلال، إنّ اتباع بعض النصائح من شأنه تأمين الحماية لهم/ن وتجنيبهم/ن الوقوع ضحيّة هجمات مماثلة، ويشمل ذلك الحذر عند التعرّف إلى أشخاص جدد عبر الإنترنت، وعدم مشاركة أيّ معلومات شخصية أو تفاصيل ماليّة أو محتوى حميم مع الغرباء عبر الإنترنت.
تشدّد حلال على ضرورة العزوف عن تبادل صورٍ ومقاطع فيديو شخصيّة حساسة عبر الإنترنت، حتى بين المعارف، باعتبار أنّ ما يُنشر على الإنترنت لا ينحصر وجوده على الإنترنت، بخاصّة وأنّنا نجهل تحديد هويّة الطرف الآخر.
وأخيراً، لا بدّ من مراجعة سياسات الخصوصية التي تتبنّاها التطبيقات المستخدمة، وتجنّب النقر على الروابط التي تشاركها جهاتٌ غير معروفة، والإبلاغ عن المضايقات والسلوكيات العنيفة إما إلى المنصات أو الجهات المعنيّة، وفقاً لحلال.
تساعد “منصّة دعم السلامة الرقمية” في “سمكس”، والتي تديرها حلال، مُستخدِمي ومُستخدِمات الإنترنت والناشطين/ات والصحافيين/ات والمدوّنين/ات والمنظّمات المعنيّة بحقوق الإنسان الذين تعرّضوا لانتهاكات رقمية في البلدان الناطقة باللغة العربية. يتولّى فريق هذه المنصّة التعامل مع مجموعة واسعة من الحالات وتتبُّعها، بدءاً بالأجهزة المفقودة أو المواقع الإلكترونية المُعطَّلة وصولاً إلى الرقابة على الإنترنت والمضايقة أو التحرُّش ونشر المعلومات الشخصية الخاصّة على الإنترنت.
قصور قانوني
على مدى أشهر، كانت سلمى (اسم مستعار)، القاطنة في محافظة مأرب شرق اليمن، ترسل صورها الشخصية إلى إحدى صديقاتها المقرّبات، قبل أن يتعرّض جهاز هذه الأخيرة بعد فترة وجيزة إلى الاختراق.
عمد المهاجمون إلى سحب البيانات والصور الموجودة على الهاتف، وكانت سلمى من بين الضحايا، إلا أنّها لم تستطع مقاضاة المبتز على الرغم من تقدّمها بشكوى ضدّه، وذلك لأنّه يسكن منطقةً لا تتبع حكم حكومة صنعاء، وهذا نموذجٌ جليّ عن نتائج الحرب والانقسام الحاصل حالياً في البلاد.
ومع ذلك، “لا توجد قوانين في التشريع اليمني تحمي الضحية من الابتزاز الإلكتروني”، حسبنا تقول لـ”سمكس” المحامية أروى الشميري، مسؤولة الدعم القانوني في “اتحاد نساء اليمن”، وهو منظمة جماهيرية طوعية غير حكومية ولا ربحيّة، مشيرة إلى أن غياب الرادع القانوني أدّى إلى ارتفاع في معدّلات الجريمة الإلكترونيّة في البلاد.
يعاقب القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات، الذي لا يُطبّق أصلاً في البلاد بسبب سيطرة العادات القبليّة، بالحبس “مدّة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصداً في نفس شخص الخوف من الإضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني”.
ولكنّ هذه المادة “تفقد فعاليتها عند توظيفها في إطار الجرائم الإلكترونية”، وفقاً للشميري، لأنّ استخدام كلمة “بسوء قصد” في التشريع أفسحت المجال أمام المبتزين لإثبات حسن نواياهم وإنكار علاقتهم بأي عمليّات ابتزاز.
مبادرات محليّة لدعم الضحايا وتمكين النساء
يجبر غياب الهيئات الرسميّة والقوانين المتخصصة المواطنين/ات إلى إطلاق مبادرات فرديّة وجماعيّة لمواجهة هذا النمط الخطير والآخذ بالتفشّي في البلاد.
وتتعدّد الأمثلة على هذه المبادرات، منها تلك التي عملت خلالها السعدي على تدريب الناشطات والصحافيات حول مفاهيم الأمن الرقمي وطرق الحماية والسلامة الرقميّة والنفسية والجسدية في محافظة أبين من تنظيم “مركز الإعلام الثقافي”، وهو منظمة يمنية غير ربحية تعتمد على مبادرة عدد من الشباب العاملين/ات في المجالين الثقافي والإعلامي.
تشرح السعيدي لـ”سمكس” أنّها تستهدف توعية النساء العاملات في المنشآت الحكومية والخاصة وذوي/ات الاحتياجات الخاصة، مشيرة إلى أنّ عدد المستفيدات من التدريبات يصل إلى 500، وأنّ الهدف من العمل هو تحضير مجموعة نسويّة متخصصة بالأمن الرقمي والسلامة النفسية والجسدية للنساء.
ولا توجد إحصائيات واضحة لعدد مستخدمات الإنترنت في اليمن، ولكن يمكن قياساً الاعتماد على إحصاءات الفيسبوك التي تشير إلى أن 13% من أصحاب الحسابات في اليمن يُعرِّفون عن أنفسهم كإناث.
*يمكنكم/ن دائماً التواصل مع “منصّة دعم السلامة الرقمية” في “سمكس” في حال تعرّضكم/ن لأي حوادث إلكترونيّة مشابهة، عبر العناوين والأرقام التالية:
-تطبيق “سيغنال” (Signal): 0096181633133
-البريد الإلكتروني: helpdesk@smex.org
-تطبيق “واتساب” (Whatsapp): 0096181633133
الصورة لكريم صاحب، AFP