بيروت، لبنان، 15 نوفمبر 2022، في إطار النسخة الخامسة من ملتقى “خبز ونت” التي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد غياب أكثر من عامين بسبب جائحة “كورونا”، استضفنا أحمد قاضي، ناشط فلسطيني وصحافي مهتم بالحقوق الرقميّة، ليحدثنا عن دور الفضاء الرقمي في النشاط السياسي ومناصرة الحقوق والدفاع عن الفئات والشعوب المظلومة، إضافة إلى خصائص ممارسة هذا النشاط عبر المنصات الرقمية.
بدأ قاضي حديثه عن الوضع الفلسطيني من ناحية التواصل والتشبيك السياسي والجغرافي قائلًا إنّه “ورغم صغر المساحة الجغرافية لفلسطين، إلا أنه لا توجد طريقة تشبيك وتواصل مادي مباشرة بين الأفراد (والذي يمثّل جوهر أي نشاط سياسي). لذلك، باتت وسائل التواصل هي وسيلة التشبيك الوحيدة بينهم/ن”، مؤكداً أنّ هذه الوسائل باتت الأكثر شهرة عالمياً بسبب قلة الموارد، ولسرعتها، ولكونها أقلّ خطورة”.
في الوضع الفلسطيني الحالي، كان هناك فوائد لوجود وسائل تواصل تُستخدم في الحشد والمناصرة. ولكن تشوب هذه الوسائل عيوبٌ أيضاً، بحسب قاضي، الذي يؤكّد أنّ هذه الحقائق يمكن إسقاطها على دول وتجارب أخرى.
أهمية النشاط السياسي الرقمي
إحدى أهم مميزات النشاط السياسي الرقمي عبر وسائل التواصل هو تعزيز الرواية الفلسطينية في ظل ضعف الإعلام الفلسطيني، خاصة الناطق بالإنكليزية. على مرّ السنوات، كانت المعلومات المتعلّقة بفلسطين تؤخذ من مصادر إسرائيلية فتعزّز روايتها. لكن وجود وسائل التواصل اليوم وشيوع استخدامها ساهما بمحاربة الرواية الاسرائيلية وتعزيز الرواية الفلسطينية إلى حدٍّ كبير.
يستطرد الناشط الفلسطيني قائلاً إنّ أيّ هوية قومية يجب أن تستند إلى مجموعة أمور مشتركة، مثل أرضٍ جغرافية واحدة، وسياق اقتصادي وسياسي واحد، حتى تكون هناك هوية واضحة ومحددة، وهو واقع غائبٌ في فلسطين.
“إنّ [نصف] الشعب الفلسطيني هم لاجئون ولاجئات، فيما [النصف الآخر] مشتّت بسياقات مختلفة ومدن متفرقة داخل البلاد، وبالتالي فإن الاتصال عبر منصات التواصل أصبح مركّباً أساسياً للشعور بالهوية المشتركة وبناء أفق مستقبلي مشترك”.
يضيف قاضي أنّ منصات التواصل تستخدم في الحشد والتجييش، “مثل الدعوة للتظاهر والمناصرة والتأييد وإيصال صوتنا، و أكبر دليل على ذلك كان الحضور القوي على هذه المنصات في منطقة الشيخ جراح وقتما صارت أحداث التهجير، وبعد ذلك استمرت القدرة على ذلك حتى داخلياً، في مدن مختلفة”.
ويذكر أن كل الفئات المهمّشة تستخدم منصات التواصل للحديث عن سرديّتها وقصصها لمقاومة الرواية السائدة، وهذا هو الحال في السياق الفلسطيني.
أبرز نقاط ضعف النشاط الرقمي السياسي
على الرغم من أهمية الفضاء الرقمي في كل ذلك، إلا أنه من الضروري الحديث بموضوعية حول العيوب والموارد المحدودة التي يقدمها؛ إذ أن النشاط الرقمي قوّض قدرة الحراك الفلسطيني على تشكيل حركات سياسية مستدامة: “أي حراك سياسي يجب أن يكون له تنظيم جماعيّ وفكرة معينة ورغبة في تحقيق هدف معيّن أو إحداث تغييرٍ منشود، سواء في ظلّ احتلال أو نظام اجتماعي. يلزم لهذا الحراك أن يقوم على أرض الواقع، ففي نهاية المطاف، منصات التواصل ما هي إلا شركات ربحية تخضع لمصالح سياسية واقتصاديّة”.
“لذلك إذا كنت تعمل على نشر أي محتوى متعلّق بالقضية الفلسطينية، ستمنعك هذه المنصات من فعل ذلك؛ إذ أنّ هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها في النشر والمناصرة، وإن فعلت، يمكن أن تحظر من الفضاء الرقمي. علاوة على ذلك، ازدادت مؤخراً حساسية المحتوى وحدّة السياسات التي تعمل على إخفائه، فلا يمكنك نشر أي صور للعلم الفلسطيني أو للشهداء أو انتقاد الاحتلال. لذلك، لا يمكن الوثوق في منصات هدفها الأساسي الربح”، يضيف قاضي.
بحسب الناشط الفلسطيني، يتمثّل التحدي الأكبر في أنّ وسائل التواصل لا تطرح فرصة للنقاش الحقيقي الأيدولوجي، خاصة أنّ العديد من التجارب السابقة من الاحتجاج والتظاهر ضد النظام، “أظهرت كيف انقسمنا لعدم الاتفاق على نشاط واحد بعد احتشادنا. وهذا نموذجٌ واضح عن أنّ النزول إلى أرض الواقع قد يحدث إنقاساماتٍ كثيرة”.
“يشارك البعض منشورات داعمة للحراك الذي يحدث على الأرض، ويعتقدون أنهم أدوا واجبهم فحسب”، يضيف قاضي. ويقول أنّه وعلى الرغم من عدم إنكار أهمية ذلك، إلا أنه غير كافٍ، مع الإشارة إلى أن وسائل التواصل تملكها الحكومات، ومن الممكن أن يؤدي تفاعل الشخص ونشاطه الرقمي إلى عواقب تهدّد أمنه وحياته، مثل الابتزاز والتجسس والمراقبة. ويؤكد قاضي “نعرف تماماً أنه عندما يقول 5000 شخص إنّهم سيحضرون، يحضر 500 منهم/ن فقط، ويرجع سبب ذلك إلى أن المفترض لأي حراك سياسي البدء من الأرض ومن ثم الاستكمال في الفضاء الرقمي لكي ينجح الأمر”.
وينهي القاضي الجلسة قائلًا “لا يجب أن تكون هناك دعوات فردية غير منظمة للحشد، لأنها لن تكتمل وتصعّب قدرتنا على التحرك. وعلى سبيل الملاحظة، تحوّل عدد من الحركات إلى أصوات رقمية فقط. الفضاء الرقمي ليس مساحة مناسبة للتنظيم الجدي، وبالتالي هو عنصرٌ مكمّل وليس أساساً للعمل السياسي.