عقب العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 8 تشرين الأول/أكتوبر على قطاع غزة، نشطت دعوات لمقاطعة الشركات والبرامج والمواقع الإلكترونية الداعمة للاحتلال أو تبث من داخل الأراضي المحتلة.
عندما نتحدّث عن مقاطعة تقنيّة، تتصدّر شركات التكنولوجيا العملاقة المالكة لمنصات التواصل الخطاب. منذ بدء العدوان، لم تتوانَ “ميتا”، الشركة الأم لمنصتي “انستغرام” و”فيسبوك”، عن حذف الكثير محتوى فلسطيني أو داعم للسردية الفلسطينية، وإغلاق حسابات ناشريها نهائياً أو تعطيلها مؤقتاً. من جهتها، أزالت منصة “تيكتوك” بعض الحسابات الداعمة لفلسطين، كما سمحت كل من “يوتيوب” و”سبوتيفاي” و”ساوند كلاود” بنشر أغنية إسرائيلية تدعو إلى حرق قطاع غزة.
مبادرات “المقاومة التقنيّة”
تعدّدت المبادرات التي انطلقت منذ بدء العدوان على قطاع غزة في مختلف دول المنطقة. من بين المبادرات التي برزت لتشجيع المستخدمين/ات على المقاطعة التقنية، برزت مبادرة منظمة “متون” (Motoon)، التي قالت “وحدة البحث التقني والسلامة الرقمية” فيها لـ”سمكس” إنّ استخدام البرمجيات الداعمة للاحتلال، لا سيما التي تدفع جزءاً من أرباحها له، يسهم في دعم الاحتلال ونظام الفصل العنصري، وأضافت أنّ بعض هذه البرمجيات يتطلب أحياناً دفع اشتراكٍ شهري أو شراء تراخيص، وتكسب الربح عن طريق بيع بيانات المستخدمين/ات.
“لا نتوقّع انخفاض أعداد مستخدمي البرامج الداعمة للاحتلال على نحوٍ كبير دون أن يجري تبنّي هذه الدعوات بشكل واسع، والتوعية بأساليب الشركات الاحتكارية وممارساتها غير الأخلاقية للسيطرة على سوق البرمجيات”، بحسب “وحدة البحث التقني والسلامة الرقمية”في “متون”.
على سبيل المثال، خلال دعوات المقاطعة التقنية للبرامج التي تحتكرها شركات داعمة للاحتلال الإسرائيلي، طُرح برنامج “في كونكت” (V.connct) المصري كبديلٍ للتطبيقات التي توفر خدمة محادثات الفيديو مثل “زووم” و”غوغل ميت” (Google Meet). وقد حظي البرنامج بشعبية كبيرة منذ انطلاقه عام 2021، وعُقد عبره 100 ألف اجتماع حتى الآن.
تحدثت “سمكس” مع القيمين على التطبيق في مصر للاستفسار حول سياسات الأمان المستخدمة لضمان تجربة آمنة للمستخدمين/ات وتجنّب طرح بدائل ذات سياسات ضبابيّة أو غامضة. كشف مدير تطوير الأعمال في الشركة، محمود خليفة، أنّ “في كونكت” ويمتلك كافة خصائص “زووم”، إلا أنه يتمتّع بسرعة أكبر ويستهلك كمية أقلّ من الإنترنت.
أما عن أسلوب الحماية، فيعتمد التطبيق، بحسب خليفة، تقنية التشفير التام بين الطرفين (end-to-end encryption) حتى في الباقة المجانية، على عكس تطبيق “زووم”. ويشمل كذلك الحلول الداخلية الآنية (On-premises) لتثبيت النظام بشكل كامل على الخوادم الخاصة بالمؤسسة والاستغناء عن خيار تخزين أي بيانات على الخوادم السحابية للشركة، بحسب خليفة.
هل تعدّ هذه “البدائل” آمنة إلكترونياً؟
بدأت البرامج والمواقع التي قيل إنّها قد تشكّل منصّات بديلة لتلك التي تساهم في نشر سردية الاحتلال وقمع الخطاب الفلسطيني أو الداعم له، تلقى رواجاً منذ بدء العدوان. المقلق في الأمر، أنه ونظراً لعنصر المفاجأة الذي ترافق مع الأحداث منذ بدايتها، لم يكن التحقق من مدى اهتمام القيّمين على هذه “البدائل” الإلكترونية بسلامة المستخدمين/ات أولويّة.
يقول المختص في الأمن الرقمي وأمن المعلومات، علاء غزال، لـ”سمكس” إنّه “لا يكفي اللجوء إلى استخدام بدائل لشركات التكنولوجيا فحسب، بل لا بدّ من التأكد من كون هذه التطبيقات آمنة ومراعية لخصوصية المستخدمين والطرق الأمثل للتعامل مع بياناتهم”، مشيراً إلى أنّه وفي وقتٍ سابق، انطلقت حملة تنادي بمقاطعة “فيسبوك”، ودعت إلى استخدام بديلٍ لم يكن آمناً.
علاوة على ذلك، لا يمكن التأكّد من عدم وجود بواباتٍ خلفيّة في هذه المواقع والتطبيقات للتجسس على المحادثات والأجهزة، وتنطبق هذه المخاوف على “واتساب” وخدمة بريد “غوغل” و”انستغرام” وحتى “في كونكت” نفسه، وغيرها من المنصّات.
وما يزيد من حدّة الشكوك، بحسب غزال، هو أنّ بعض الشركات تدعي زوراً تشفير البيانات فيما تقوم بالعكس تماماً، كما حدث سابقاً مع منصّة “زووم” التي ادعت أنها تستخدم تقنية التشفير التام بين الطرفين، ليتبيّن لاحقاً أن هذا كان مغايراً للحقيقة. لذلك، لا بدّ من تتبّع أصول الشركة والدول التي تحفظ فيها خوادمها.
تقول عضو وحدة التكنولوجيا في “سمكس” مادلين بيليسي إنّ هناك بعض الخطوات التي يمكن للمستخدمين/ات اتباعها للتحقق مما إذا كان التطبيق أو الموقع قيد الاستخدام آمناً. أولاً، لا بدّ من الاطلاع على سياسة الخصوصية، وقراءة الأحكام والشروط بعناية قبل الموافقة عليها، وذلك للتأكّد من طبيعة المعلومات التي يجمعها التطبيق أو الموقع، ومن هي الجهات التي تتمتع بحقّ الوصول إليها، وغيرها من المعلومات التي في حال لم يكن مفصحاً عنها أصلاً، يصبح التطبيق مشكوكاً بشفافيته ومصداقيته.
إضافة إلى ذلك، تنصح بيليسي بالتأكّد من كون الموقع ذا مصدرٍ مفتوح، ومعرفة الدولة التي يتّخذ منها مقراً له لمعرفة طبيعة القوانين التي يحتكم إليها، وتنزيل التطبيقات والبرامج من مصادر رسميّة وموثوقة حصراً.
في تقرير نشرته “هيومن رايتس ووتش” أكدت المنظمة أنّ شركة “ميتا” أسكتت بشكل متزايد الأصوات الداعمة لفلسطين في “إنستغرام” و”فيسبوك”، مع اندلاع القتال في قطاع غزة، كما يوثّق التقرير نمطاً من الإزالة غير المبررة للخطاب المحمي وقمعه، بما يشمل التعبير السلمي الداعم لفلسطين والنقاش العام حول الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.
ليست هذه الأحداث بجديدة أو غير مسبوقة، إذ بدأ هذا الواقع منذ سنوات عديدة وأخذ بالازدياد، ووثّقته أعمالٌ بحثية وتقارير عدّة. بالتزامن مع المبادرات الأخلاقية الهادفة إلى اتخاذ مواقف مندّدة بتلقي الاحتلال لدعمٍ كبير من هذه الشركات، تبقى الحاجة إلى التحقق من كلّ برنامج أو تطبيقٍ نستخدمه ملحّة، لئلّا تزداد التهديدات والهجمات التي تحدق أصلاً بالمستخدمين/ات في منطقتنا.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.