ليس من الإنصاف أن يمرّ #اليوم_العالمي_للغة العربية من دون أن نحتفل بلغتنا الجميلة والتي لطالما حثّت أبناءها على التعبير عن أنفسهم شعراً ونثراً وأدباً، بوفرة مصطلحاتها وبلاغة عباراتها وغنى معانيها. ولكن في عصر الإنترنت الذي ينبغي للغة العربية أن تشرق فيه على العالم، لمّا تزل هذه اللغة حبيسة التأخّر عن مواكبة العصر الرقمي، وأبناؤها ضحايا التعبير في الواقع والتعبير على الإنترنت في الكثير من البلدان العربية.
لم يصل انتشار الإنترنت بين الناطقين باللغة العربية إلى مستويات مرتفعة إلّا قبل سنوات معدودة، ولهذا تُعتبر نسبة نموّ مستخدمي الإنترنت الناطقين باللغة العربية أنّها النسبة الأكبر، إذ وصلت إلى 8,616% بين عامي 2000 و2018، بحسب الإحصاءات المنشورة على موقع “إنترنت وورلد ستاتس”. وهذا ما أدّى إلى أن تحتلّ لغة الضاد المركز الرابع عالمياً من حيث عدد المستخدمين الناطقين بها. ومع ذلك، لم يتخطّ عدد مستخدمي الإنترنت الناطقين باللغة العربية، حتّى نهاية العام 2017، ما نسبته 50.3% من عدد الناطقين باللغة العربية في العالم، ونسبة المشاركة في صنع المحتوى لم تتخطّ 5.3%.
مبادرات مستمرّة
وبدورها كمنظمة لتعزيز الحقوق الرقمية في العالم العربي، تسعى “سمكس” إلى إنشاء محتوى عربي حقوقي، ودعمه، والمشاركة في أنشطة ومبادرات تهتمّ في رفع الوعي حيال المحتوى العربي ككلّ.
في إطار فعاليات ملتقى “خبز ونت” الذي نظّمته “سمكس” في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أدار شركاؤنا “مؤسسة التعبير الرقمي العربي” – “أضف” ومجلة “حبر” الإلكترونية ورشة تحرير جماعية لصياغة معجم مصطلحات تقني عربي حملت اسم “معجم-ثون”. استعرضت المشاركون والمشاركات التحديات اللغوية المرتبطة بالمحتوى التقني العربي، وراجعوا سوياً السياقات التي تُبنى بها المعاجم اللُغوية، وخصوصاً العلمية والتقنية منها. وفي نهاية المطاف حُمل النقاش إلى صفحة المعجم التي أُنشئت على منصّة الويكي “أضف” لكي يناقش المستخدمون في أي مكان كانوا المصطلحات والوصول إلى تعريف لها.
وفي جلسات أخرى ضمن ملتقى “خبز ونت” أيضاً، ناقش الحاضرون في إطار ثيمة “اللغة والتوطين” تجاربهم في إنشاء محتوى رقمي باللغة العربية حول الجندر والجنس والجنسانية، وكيفية دعم التكنولوجيا مفتوحة المصدر جهود الترجمة التطوّعية بشكل تعاوني، واستعمال الويكيات كوسيلة للتعلُّم. وناقشوا أيضاً قضية ضعف النشر على منصة “ويكيبيديا” باللغة العربية، إذ يضمّ مجتمع “ويكيبيديا” العربية محرّرَين اثنين لكل مليون متحدث باللغة العربية ولا يوجد على هذه المنصّة المفتوحة سوى أكثر من 600 ألف مقالة عربية بقليل.
تعبير عربي، إنّما وفقاً لقواعد السُّلطة
يمثّل الإنترنت مساحة مفتوحة للتعبير ويُقال إنّ انتشاره في العالم العربي كان سبباً رئيسياً من أسباب “الربيع العربي” في عام 2011، ولكنّ الأنظمة العربية تحاول مذاك تضييق هذه المساحة بالحجب والاختراق تارةً وبالقوانين المتشدّدة تارةً أخرى.
ففي مصر ثمّة قانون لجرائم تقنية المعلومات يسمح للحكومة بحجب المواقع الإلكترونية وحبس وتغريم من ترى أنّه “اعتدى على أيٍّ من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع”! وأقرّت السودان قانوناً لمكافحة الجرائم الإلكترونية يفرض عقوبات مثل السجن أو الجَلد أو الغرامة لكلّ “من يستخدم شبكة المعلومات أو الاتّصالات أو أيّاً من وسائل المعلومات أو الاتصالات أو التطبيقات في نشر أيّ خبر أو إشاعة أو تقرير”. وفي الأردن تحاول الحكومة تمرير قانون جرائم إلكترونية يجيز توقيف المشتكى عليه في دعوى تتعلق بالتعبير على الإنترنت على سبيل المثال. وفي لبنان أقرّ مجلس النواب قانوناً للتعاملات الإلكترونية ينتقص من خصوصية المواطنين بدلاً من أن يحصّنها، وأصدر وزير الاتصالات اللبناني قرارً لتسجيل رقم “الهوية الدولية للأجهزة” (IMEI) لا يراعي أمن المستخدمين بل يعرّضهم لخطر الرصد والتتبّع.
ولا ننسى مسألة قطع الإنترنت التي تماثل عدوى القوانين في انتشارها بين البلدان العربية، لا سيّما في الجزائر وسوريا والعراق وموريتانيا، وذلك في أوقات الامتحانات والانتخابات النيابية التظاهرات.
سنستمرّ في “سمكس” بالعمل على تعزيز الحقوق والحرّيات الرقمية في العالم العربي ودعم المحتوى العربي واللغة العربية على الإنترنت، سواء عن طريق المبادرات ونشر مواضيع ومقالات وبحوث أصلية ومترجمة، أو من خلال مواصلة العمل على إتاحة مساحة رقمية آمنة في المنطقة العربية. فكلّما شعر المستخدمون بأنّ خصوصيتهم محمية وأنّ بياناتهم مصانة، تشجّعوا على النشر بحرّية أكثر وعلى تزويد منشوراتهم بما لديهم من فكر ومعرفة من دون تردّد أو خوف.