“ألقيت نظرةً على هاتفي قبل النوم، فوجدت أمامي صورة إباحيّة وبعض صوري الشخصية، مرفقةً بتعليقات قذرة تركتني أرتجف خوفاً”.
هذا ما قالته الشابة المصريّة عُلا (اسم مستعار فضّلنا استخدامه حفاظاً على سلامتها)، في معرض حديثها لـ”سمكس” عمّا تعرّضت له من عنفٍ رقميّ، أو تحرشٍ إلكتروني على وجه التحديد.
في الواقع، للعنف الإلكتروني وجوهٌ عديدة منها نشر واستغلال الصور بشكل غير رضائي، والتنمر، والملاحقة، وتعدّ النساء في مقدمة الفئات التي تدفع أثماناً باهظةً تصل إلى القتل أحياناً بسبب تلك الممارسات.
تضارب في التجارب
“لليلة كاملةٍ قضيتها في قسم الشرطة، جلست أشكك بصحّة قراري، وشعرت أنني ارتكبت خطأً عندما تقدّمت بلاغاً حول ما تعرّضت إليه، وانتهى الأمر بحبسي. أحبطني ذلك، ولا أتوقّع الوصول إلى نتيجةٍ منصفة”، تضيف عُلا لـ “سمكس”.
مروى (اسم مستعار)، محامية مصريّة مرّت بتجربتين مماثلتين شاركتهما مع “سمكس”، أثبتتا أنّ المسار القانوني لم يكن منصفاً لها ولم يكن الحل لتحصيل حقّها. عام 2017، حاول شخصٌ مجهول ابتزاز مروى، وفبرك محادثات وهميّة لتشويه سمعتها والضغط عليها، فقرّرت تحرير محضرٍ بالواقعة، ولم تتابعه لأن مركز مباحث الإنترنت بعيدة جداً عن مكان إقامتها.
في العام نفسه، تعرضت المحامية المصرية، ومعها عددٌ من زميلاتها من المدافعات عن حقوق النساء في مصر، إلى هجمةٍ إلكترونية شرسة أطلقت عليها الصحافة المحليّة مصطلح “هجمة تلغرام”. حينها، ذهبت “على مضض” لإبلاغ السلطات بما جرى معها وتحرير محضر، كما تؤكّد لـ”سمكس”، إلا أنّ بلاغها لم يتعدّ كونه ورقة مكتوبة.
بدورها، تروي الصحافية والكاتبة المتخصصة في الشأن النسوي، شيماء الشواربي، في مقابلة مع “سمكس، تفاصيل واقعة تشهيرٍ تعرضت لها عبر إحدى منصّات التواصل، كان يقف وراءها زميل دراسة سابق لها.
“استيقظت ذات يوم على رسالة بها كمٌّ كبير من السباب والألفاظ غير اللائقة من زميل دراسة لا تربطني به أيّ علاقة. كان قد انفصل عن زوجته التي كانت في دفعتنا، واتهمني بأنني السبب في أزمتهما، مع أنّ لا علم لي بأيّ شيءٍ يخصّ الحادثة”، تضيف شيماء لـ”سمكس”.
وصفت الصحافية المصريّة تجربتها مع مباحث الإنترنت بالـ”عظيمة للغاية”، وأضافت أنّ الموظفين/ات ساعدوها في فهم المسارات اللاحقة وقدّموا لها الدعم لكي تمضي في شكواها.
القانون المصري
تعتبر الإجراءات القانونية مساراً معقداً للراغبين في سلك المسار القضائي لنيل حقوقهم نتيجة مثل تلك الجرائم، فعلى الرغم من العقوبات المنصوص عليها في القانون المصري ومنها: “العقاب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه لا تجاوز 300 ألف جنيه لكل من يستخدم برنامج معلوماتي لمعالجة معطيات شخصية للغير بهدف ربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو بطريقة تمس إعتباره وشرفه”، إلا أنّ الوصول إلى مرحلة معاقبة المبتز مليءٌ بالعقبات.
إضافة إلى ذلك، هناك شبه إجماع على أنه لا بديل لقانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة الذي عملت عليه سبع مؤسسات نسوية، وتبنّته النائبة البرلمانية نشوى الديب التي جمعت أكثر من توقيعاً 60 لبرلمانيين/أت عليه، ومن المنتظر مناقشته في مجلس النواب المصري.
في حال إقراره، سوف يعالج مشروع القانون الكثير من مكامن الخلل الناتجة عن تبعثر مواد القانون المتعلقة بالعنف، وذلك من خلال أخذ الاحتياجات بعين الاعتبار، مثل الآليات المجتمعية للحماية، ودور التوعية للجان المختصة، وتأهيل الضحايا وأسرهم، وتجهيز أماكن إيواء لهم في حال تعرضهم للتهديدات، وتجريم العنف المنزلي والاغتصاب الزوجي، وتعزيز الإجراءات التي تشجع على الإبلاغ من جهة وتحمي الأفراد وذويهم من جهةٍ أخرى.
مبادرات غير رسمية لاحتواء الواقع
تسعى العديد من المنظمات النسوية في مصر إلى تقديم الدعم القانوني والتقني والنفسي للنساء لمواجهة الجرائم الإلكترونية، باعتبارها خطراً يهدّد سلامتهنّ النفسية والجسدية لكثيرات.
في حديثٍ مع “سمكس”، كشفت مسؤولة مكاتب المساندة في مؤسسة المرأة الجديدة، المحامية هالة دومة، أنّ نحو 90% من طلبات الدعم التي ترد إليهم يقدّمها نساءٌ تعرضن لعنفٍ رقميّ، عدا عن حالات الابتزاز التي تُحصى بشكل منفصل، وتقدّم المؤسسة بدورها دعماً قانونياً ونفسياً وتقنياً للضحية.
من جهتها، تقدّم مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة المساندة أيضاً لنساءٍ تعرّضن للابتزاز. وقد أطلعت رئيسة المؤسسة، محامية النقض هبة عادل، “سمكس” على بعض الحالات التي استقبلتها مؤخراً، كان من بينها قضية فتاةٍ استولت صديقتها على صورها الشخصية، والتي بدأت تطلب منها أموالاً مقابل عدم نشرها.
لجأت الضحية إلى المؤسسة بعد أن باتت عاجزة عن الدفع للمبتزّة، وبدأت تتلقى طلبات بسرقة مصوغات والدتها، بحسب عادل، التي أضافت: “حرّرنا محضراً بالواقعة، لكنّ المجرمة قررت الذهاب إلى منزل الضحية وفضحها أمام أسرتها ومحيطها. اقتيدت الفتاتان إلى قسم الشرطة، وهناك، حررت المبتزّة محضراً بحق الضحية، وكانت النتيجة أنّ الفتاتان قضتا ليلتهما في زنزانة واحدة”.
وقعت الحادثة منذ نحو نحو عامٍ ونصف، إلا أنّها ما زالت قيد التحقيق. تعرّضت الضحية لصدمة نفسية بعد أن قُبض عليها وأجبرت على المكوث مع الفتاة التي ابتزّتها، بحسب قول عادل لـ”سمكس”.
تقول عادل إنّ وتيرة الجرائم الإلكترونية ضدّ النساء ارتفعت مع بدء فترات العزل للوقاية من انتشار جائحة “كورونا” عام 2020 في كافة أنحاء العالم، ما رفع نسب استخدام الإنترنت، وتوجّه كثيرين/ات إلى البحث عن حياةٍ افتراضيّة وشركاء لهم/ن فيه، يستبدلون بهم الواقع الذي يعيشونه.
“ساهم التواصل الافتراضي في خلق علاقاتٍ غير حقيقية مع الآخرين، كانت سبباً في وقوع الكثيرات ضحية الاستغلال لاحقاً، كما استهدفت أغلب أنماط الإبتزاز فئاتٍ محدّدة كالأطفال والنساء كبار السن والنساء المتزوجات”، تضيف عادل لـ”سمكس”، وتؤكّد أنّ لحساسية الجرائم الإلكترونية دورٌ أيضاً، إذ تأتي مقرونة بوصمٍ مجتمعيّ يجعل المشهد أكثر تعقيداً.
وتشير إلى أنّ أسباباً أخرى، مثل عدم توفّر العيادات النفسية وعيادات الطب الشرعي قرب مراكز تقديم البلاغات، أثر سلباً على جدية وسرعة الوصول للنتائج، فضلاً عن احتمالية الكشف عن بيانات الضحايا اللواتي يبلّغن.
في تقرير صدر في آذار/مارس الماضي، كشفت الأمم المتحدة أنّ 37% من النساء لا يستخدمن الإنترنت، ويعتبر عدم الشعور بالأمان واحداً من أسباب عدم تمكنهنّ من تطوير أدواتهن الرقمية، لتقلّ فرصهنّ تالياً في الحصول على الوظائف ذات الصلة به، بحسب التقرير.
ويقل عدد النساء المتمتعات بالقدرة على الوصول للإنترنت عن الرجال بنحو 259 مليوناً بواقع 63% من نسبتهن الإجمالية فقط خلال عام 2022، وفي البلدان ذات الدخل المنخفض تستخدم نحو 21% فقط من النساء الإنترنت وهو رقم لم يشهد تحسناً يذكر منذ عام 2019 وحتى 2022.
تحول تعقيداتٌ حقيقية دون محاسبة المسؤولين/ات عن شنّ هجمات ابتزازٍ إلكترونيّ، ما فرض حاجة إلى مبادرات فرديّة وغير حكوميّة لاحتواء هذا الواقع، تركّز جهودها بشكلٍ أساسي على إجراء دراسات حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتكثيف الجهود لاستصدار قانونٍ موحّد يحمي النساء من العنف بمختلف صوره وأدواته.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.