على الرغم من أنّ قرار حجب “تيكتوك” و”تلغرام” في الصومال تعثّر هذه المرة، إلّا أنّه قد يعود إلى الواجهة مجدداً، ممّا يفتح الطريق أمام عقبات جمّة تحرم المواطن الصومالي من الخدمات الرقمية تحت ذريعة “مكافحة الأخبار المضللة ونشر المواد المخلة بالآداب العامة”.
في ساعة متأخرة من ليل 20 آب/أغسطس 2023، تفاجأ مستخدمو/ات تطبيقي “تيكتوك” و”تلغرام” في الصومال بقرار من وزارة الاتصالات والتكنولوجيا بحظر التطبيقين. في بيانٍ لها، أمرت الوزارة 14 شركة محلية مزودة لخدمة الإنترنت بحظر ثلاثة تطبيقات هي “تيكتوك” و”تلغرام” و”وان إكس بت” (1XBet)، ممهلةً إياها أربعة أيام لتنفيذ القرار.
برّرت الوزارة هذه الخطوة بأنّ التطبيقات “تروّج لدعاية التنظيمات المتطرّفة وتنشر مقاطع لتضليل الرأي العام”، كما تساهم في “نشر الفحش والفجور”، حسبما ورد في البيان.
أثار القرار المفاجئ استياء الصوماليين/ات، لا سيّما رواد تطبيق “تيكتوك” الذي يعتبر الأكثر رواجاً والذي يستخدمه كثيرون/ات لإنتاج المحتوى وجني المال، ما جعلهم/ن “الفئة الأكثر تضرّراً بقرار المنع”، حسب قول المتخصّص في المجال الرقمي، علي محمد، في حديث مع “سمكس”.
من أجل التعتيم الإعلامي
لا تقتصر أسباب حظر التطبيقات على ما ورد في بيان وزارة الاتصالات، بل يعتقد محلّلون/ات ومدافعون/ات عن حقوق الإنسان أنّ ثمّة أسباب أخرى دفعت الحكومة إلى فرض قرار الحجب، منها انتقاد أدائها والتعبير عن الآراء المعارضة على وسائل التواصل.
وبالنسبة إلى “تيكتوك”، فقد أصبح الأكثر شهرة لدى الصوماليين/ات، وأضحى ملاذاً للناشطين/ات والمعارضين/ات لا سيما لنشر المواد المرئية وصور للمتظاهرين/ات، وتعدّ الاحتجاجات التي حدثت في مقديشو في 20 آب/أغسطس الماضي مثالاً بارزاً على ذلك.
“حجم الصور المنشورة في مواقع التواصل مثل “تيكتوك” أغضب السلطات الصومالية، ولهذا أقدمت على اقتراح حظر تلك المنصات الرقمية “، يقول الناشط الرقمي، محمد عبدي، لـ”سمكس”.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ المواد الساخرة على خطابات السياسيين/ات مثل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أغضبت الحكومة أيضاً، بسبب انتشارها الواسع.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحجب السلطات الصومالية مواقع ومنصات رقمية، فقد سبق أن قرّرت عام 2015 حجب نحو 35 موقعاً إخبارياً وحسابات على وسائل التواصل بحجة “نشر دعاية للتنظيمات المتطرفة في الصومال”.
خلاف محتدم بين الشركات المزودة للإنترنت والحكومة الصومالية
شركات تزويد خدمات الإنترنت التي أمرتها الحكومة الصومالية بحجب تطبيقي “تيكتوك” و”تلغرام”، لم تبدِ أيّ تجاوب مع قرار الحكومة، بل التزمت الصمت ممّا جعلها تبدو غير معنيّة بالأمر.
أغلب مزودي خدمة الإنترنت في الصومال هي شركات تجارية من القطاع الخاص، توفّر خدمة ربط الصومال بكابلات الإنترنت البحرية ثمّ إيصال الشبكة إلى البيوت والهواتف المحمولة، في وقت لا تملك الحكومة الصومالية أيّ شركات اتصالات عمومية.
بالإضافة إلى ذلك، تقع مقّرات معظم الشركات التي تزوّد خدمة الإنترنت في مناطق لا تسيطر عليها الحكومة الفدرالية، بل تخضع كلّ شركة لحكم محلي شبه مستقل، مما يجعل معظم الشركات غير آبهة بقرار الصادر من مقديشو.
وبما يشبه التحدّي لقرار الحكومة، دعت بعض الشركات في منشورات لها المتابعين إلى الانضمام إلى حساباتها الجديدة على “تيكتوك”، مثل :شركة “غولس” (Golis) وشركة “صومتيل” (Somtel).
وكان من اللافت كذلك تحوّل قرار حجب التطبيقات إلى خلاف سياسي بين الحكومة الصومالية الفدرالية والحكومات المحلية. فالصومال مكوّن من خمسة حكومات محلية هي بونتلاند، وجوبلاند، وشهيرشبيلي، وجلمدغ، وإقليم جنوب غرب الصومال، بالإضافة إلى صومالاند (جمهورية أرض الصومال) التي أعلنت انفصالها عن الصومال من دون اعتراف دولي. تتبع هذه الحكومات المحلية الدولة الفدرالية التي يقع مقرّها في مقديشو، لكنّها تتمتّع بحكم ذاتي شبه مستقل.
على سبيل المثال، أعلنت جمهورية أرض الصومال، المعلنة من جانب واحد، رفضها القاطع لقرار الحكومة الصومالية، مدّعية أنّ القرار لايخصّها ولا يمكن تطبيقه في مناطقها. وفي مؤتمر صحافي، أعلنت أيضاً حكومة بونتلاند شبه المستقلّة عن معارضتها طلب الحكومة الصومالية لشركات الإنترنت العاملة في مناطق بونتلاند بالحجب.
في المقابل، ردّ وزير الاتصالات والتكنولوجيا في حكومة مقديشو، جامع حسن خليف، معارضة كل من صومالاند وبونتلاند في جلسة تلفزيونية قائلاً: “قرار الحكومة الصومالية سيطبّق في كلّ مناطق بونتلاند وصومالاند وهذا أمر يجب تنفيذه”. ومع ذلك، لم يُنفّد.
البرلمان الصومالي يدخل خط المواجهة
بعد أن كرّر وزير الاتصالات والتكنولوجيا في مقديشو، جامع حسن خليف، موقفه إتجاه حظر تطبيقي “تيكتوك” و”تلغرام”، دعت لجنة الاتصالات في البرلمان الصومالي وزير الاتصالات للمثول أمام جلسة البرلمان للاستفسار منه ومساءلته حول مهام الوزارة والقرارات القانونية والمصيرية التي أصدرها الوزير بمفرده دون الرجوع إلى البرلمان، الأمر الذي فتح باب الجدال مجدداً بين البرلمان والوزارة.
ويشرح الخبير القانوني، محمد يوسف، في حديثه لـ”سمكس”، أنّ “القرارات القانونية لابدّ أن تتطابق مع لوائح الوزارة، وأن لا تخالف أيّ بند من بنود الدستور التي تنص على حرية التعبير، كما تنص المادة 18 من الدستور الصومالي”.
أمّا قرار وزير الاتّصالات بالحجب، “فيحتاج أن يُمرّر عبر جلسات مجلس الوزراء كي يصبح مسودّة قانون، ثمّ يرسَل أمام البرلمان كي يصادق عليه بعد التعديل والتنقيح، وبهذا يصبح قانوناً نافذاً إذا لم يخالف نصوص الدستور المتعارف عليه”، بحسب المحلل القانوني فارح جيدي، كما يشرح لـ”سمكس”.
وفي مقابلة خاصة مع المحامي العام للحكومة الصومالية، السيد موسى أحمد ، يؤكّد لـ”سمكس” أنّ “من صلاحيات الوزير إقتراح مشروع قانون يدخل حيّز التنفيذ على المدى الطويل، لكن بموافقة مجلس الوزراء بالإجماع”، مشيراً إلى أنّ “أيّ قرار بالمنع أو الحجب، يتحوّل إلى مادة قانونية في حال تمّت المصادقة عليه ولم تبطله المحكمة الدستورية”.
مناطق صومالية ممنوعة من خدمة التكنولوجيا الحديثة
يحتدم السجال في أروقة الحكومة الصومالية حول جدوى حجب التطبيقات في المناطق التي تسيطر عليها، في الوقت الذي لا تزال فيه مناطق واسعة من جنوب الصومال ممنوعة من خدمة الإنترنت والهاتف الذكي والتكنولوجيا الحديثة بكافة أنواعها.
فمنذ 2014، منعت “حركة الشباب” الصومالية المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، المواطنين/ات في مناطق سيطرتها من استخدام الهواتف الذكية وجميع الأجهزة الرقمية. ويعتقد أحد الخبراء في مجال الأمن الرقمي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ “السبب وراء حظر شبكة الإنترنت والهواتف الذكية يكمن في المخاوف التي تساور الجماعة من إمكانية التجسس على عناصرها وأماكن تواجد قياداتها المطلوبين لدى الحكومة الصومالية، وذلك باستخدام الأجهزة الذكية للتنصت والمراقبة”.
وتُعدّ نسبة مستخدمي/ات الإنترنت في الصومال الأقلّ مقارنة مع الدول الأخرى في المنطقة العربية، بحيث بلغ معدّل انتشار الإنترنت في الصومال 9.8% من إجمالي سكان البلاد في عام 2023، في حين لا يتعدّى عدد الهواتف الخلوية النشطة أكثر من 7.99 مليون خلوي متنقل نشط حتّى أوائل عام 2023 لسكّان يفوق عددهم 17 مليون نسمة.
بالإضافة إلى ذلك، تعاني الصومال من ضعف في سرعة الإنترنت في عموم البلاد. وثمّة فوارق كبيرة بين السرعة التي يحصل عليها المستخدمون/ات في المدن الكبيرة وغيرهم في المناطق الأبعد.
ويصل متوسط سرعة الإنترنت في الهواتف الذكية إلى نحو 11.65 ميغابت في الثانية، وسرعة الاتصال بالإنترنت الثابت نحو 8.34 ميغابت في الثانية، حسب تقرير شركة “أوكلا” (Okla) المتخصصة بتتبّع سرعة الإنترنت في العالم.
ردود أفعال غاضبة
رفض كثيرون/ات من مستخدمي/ات “تيكتوك” و”تلغرام” قرار الحكومة، واصفين إيّاه بـ”المتسرّع وغير المسؤول”. بلال بلشاوي، من مشاهير “تيكتوك” في مقديشو، قال في مقابلة مع “سمكس”، “أستخدم تيكتوك منذ خمس سنوات، وقد جعلني من مشاهير مقديشو، كما أصبحت المنصّة مصدر رزقي الوحيد حيث أحقّق كل شهر مبلغاً مالياً كافٍ لسدّ احتياجاتي”.
بدورها، أكّدت حفصة حلكس، وهي واحدة من أبرز مشاهير “تيكتوك” في البلاد، لـ”سمكس”، أنّ الربح من “تيكتوك” هو مصدر رزقها الوحيد.
غالبية الشباب الصومالي عاطلون عن العمل، ولهذا يلجأ كثيرون/ات إلى المنصات الرقمية مثل “تيكتوك” كمصدر دخل. في الواقع، ليس هناك إحصائية محدّدة لمستخدمي المنصّة في الصومال، إلا أنّ التقديرات الأولية تشير الى نحو 10 ملايين شخص.
الصورة لحسن علمي، AFP