احتفل مكتب “اليونسكو” (UNESCO) في بيروت، بالشراكة مع منظمة “سمكس” (SMEX)، بـ”اليوم العالمي لحرية الصحافة”، تحت شعار “الصحافة تحت الحصار الرقمي”. وناقش الاحتفال تأثير التطوّرات الأخيرة في الوسائل التكنولوجية للرصد والمراقبة على الصحافة وحرية التعبير.
على مدى السنوات الخمس الماضية، شهد 85% من سكان العالم، بحسب تقرير لـ”اليونسكو”، “انخفاضاً في حرية الصحافة في بلادهم/ن وقتل 400 صحافي/ة أثناء قيامهم بعملهم/ن.
وتشير تقديرات “اليونيسكو” إلى انخفاض عائدات الإعلانات في الصحف العالمية بمقدار النصف، مما يهدّد بشدة استمرار وسائل الإعلام. وقد تفاقمت هذه التهديدات “بسبب ظهور التقنيات التكنولوجية الجديدة، وازدياد الهجمات الرقمية، وخصوصا ضد الصحافيات”.
ولفت التقرير إلى أنّ “نماذج الأعمال الرقمية الجديدة، وتطوير تقنيات المراقبة، وشفافية شركات الإنترنت، وكذلك جمع البيانات على نطاق واسع والاحتفاظ بها، كلّها تغييرات تشكل أخطاراً من حيث الأعمال الانتقامية ضد العاملين في مجال الإعلام ومصادرهم، وبالتالي تؤثّر على الممارسة الحرة للإعلاميين/ات والصحافة والوصول إلى المعلومات وحماية البيانات والخصوصية.
وقال المسؤول عن البرنامج الوطني للاتصال والمعلومات في مكتب “اليونسكو” في بيروت، جورج عواد، إنّ “حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان تقوم عليه جميع الحريات المدنية. فحرية التعبير هي حجر الزاوية في الديمقراطية. وقد أُسنِدَت إلى اليونسكو مهمة حماية حرية التعبير وتعزيزها، عبر الوسائل كافة، التقليدية منها والحديثة عبر شبكة الإنترنت”. وأضاف أنّ “الورقة النقاشية التي صدرت أخيراً عن تقرير الاتجاهات العالمية لليونسكو تحت عنوان ’تهديدات تلزم الصمت: اتجاهات في سلامة الصحافيين‘ تلقي الضوء على أنّ المراقبة والقرصنة تقوّضان الصحافة”.
وتابع عواد أنّ “تطور البرامج الضارة وبرامج التجسّس باستمرار، وعدم القدرة على اكتشافها، واستخدام الدولة والجهات الفاعلة غير الحكومية المتزايد لها ضدّ الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، تُعرِّض الصحافة الحرّة والمستقلّة للخطر. ويمكن المراقبة أن تكشف المعلومات التي جمعها الصحافيون/ات، بما في ذلك تلك التي يجمعونها من المخبرين، وأن تنتهك مبدأ حماية المصدر، وهو مبدأ يشكّل شرطاً أساسياً عالمياً لحرية وسائل الإعلام ومنصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة. وقد تعرّض الرقابة سلامة الصحافيين للخطر عبر كشف معلومات خاصة حساسة يمكن استخدامها في مضايقة قضائية تعسفية أو هجوم”.
وتابع أنّ “مراقبة تحركات الصحافيين/ات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتصيّد الصحافيين المدعوم باستخراج البيانات والهجمات الآلية، يهدّدون أيضاً الممارسة الحرّة للصحافة. انخفاض التكاليف يعني أنّ عمليات المراقبة غير المشروعة التي تقوم بها جهات حكومية أو خاصة يمكن أن تكون أوسع، وغير متناسبة، وأكثر تغلغلاً وطويلة الأمد من أي وقت مضى، من دون أن يكون الصحافيون/ات أو مصادرهم/ن على دراية بها أو قادرين على الدفاع عن أنفسهم/ن”. وختم أنّ “هناك تشجيعاً عالمياً متزايداً على زيادة الشفافية في ما يتعلق بطريقة استغلال شركات الإنترنت لبيانات المواطنين/ات، وكيفية استخدامها لإرشاد النماذج التنبؤية والذكاء الاصطناعي وتضخيم المعلومات المضللة والكراهية”.
وأكّد مدير المحتوى الرقمي في “سمكس”، عبد قطايا، أنّه “مثلما تطورت وسائل إيصال الصوت والصورة والكلمة، تطوّرت، في المقابل، وسائل منعها”.
وقال إنّ “التحديات كثيرة في منطقتنا، من قوانين بالية أو فضفاضة، مثل قوانين الجرائم الإلكترونية التي لا ترى إلا في مقالة صحافية أو منشور على فيسبوك جرماً إلكترونياً، وصولاً إلى قوانين الدفاع ومكافحة الإرهاب وتجريم الأخبار الكاذبة، وهي بطبيعة الحال ليست لحماية المجتمعات بقدر ما هي لحماية النافذين”. وأضاف أنّ “قطع الإنترنت بصورة شاملة، بات أسلوباً معتمداً بمستويات مختلفة في دول متعددة من منطقتنا من دون مراعاة الأضرار الاقتصادية والإنسانية المترتبة على قطع الإنترنت. ولا ننسى بالطبع حجب آلاف المواقع الإخبارية والصحافية وغيرها”.
وأشار إلى أنّ “الأهم من ذلك، في حين أصبحت الأدوات الرقمية أساسية في العمل الصحافي، أصبحت حمايتها أشبه بحماية الصحافي لنفسه وروحه وجسده. ولكنّ الصحافيين والصحافيات لم يستسلموا، وها هم يخوضون اليوم معركة أخرى لمقاضاة من تجسس عليهم بالأدوات التقنية، سواء في المحاكم أم أمام الرأي العام. وقد أظهر الكثير من الزملاء تضامنا وتآزراً، فضافروا الجهود لمواجهة هذه الأخطار وتشارك أفضل الممارسات التي تضمن السلامة الجسدية والرقمية، من أجل إيصال الكلمة الحرة”.
وانعقدت الجلسة الثانية بعنوان “تحديات الإعلام في ثقافة الإفلات من العقاب”، فأدارتها ربى الحلو، مستشارة وأستاذة محاضرة في “جامعة سيدة اللويزة”، تحدّث فيها هالة بجاني من “دعم الإعلام الدولي” (IMS)، ورولا مخايل من “مؤسسة مهارات”، ورولا نجم من “نواة للمبادرات القانونية” (SEEDS)، وإدمون ساسين من “المؤسسة اللبنانية للإرسال” (LBC). وركّزت الجلسة على “حماية المصادر وإيجاد حلول وبدائل عن النظام الإعلامي الحالي وكيفية الارتقاء بوسائل الإعلام من داخلها، دون اللجوء الى القضاء، أي طريقة إدارة ذاتية وتنظيم داخل المؤسسات للحفاظ على سلوكيات المهنة وأخلاقياتها”.
ويُحتفَل بـ“اليوم العالمي لحرية الصحافة” في كل عام في 3 أيار/مايو، بمثابة تذكير للحكومات بـ”ضرورة احترام التزامها حرية الصحافة وكيوم للتفكير بين الإعلاميين/ات بقضايا حرية الصحافة والأخلاق المهنية. وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإن اليوم العالمي لحرية الصحافة هو يوم لدعم وسائل الإعلام التي تستهدف تقييد حرية الصحافة أو إلغائها. وهو أيضاً يوم لإحياء ذكرى الصحافيين/ات الذين فقدوا حياتهم في السعي وراء الخير”.
وأعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة “اليوم العالمي لحرية الصحافة” عام 1993 عقب التوصية التي تبنتها الدورة الـ26 للمؤتمر العام لليونسكو عام 1991.
وكان هذا، بدوره، استجابة لدعوة الصحافيين الأفارقة الذين أصدروا في عام 1991 “إعلان ويندهوك” التاريخي على التعددية الإعلامية والاستقلالية.
الوكالة الوطنية اللبنانية، اليونيسكو، سمكس