من وجهة نظر الكثيرين/ات، تشكّل المُعاينة الطبية الافتراضيّة بديلاً مناسباً ومريحاً يجنّبهم/ن متاعب زيارة الأطباء في عياداتهم/ن، تماماً مثل مفهوم العمل عن بُعد. إلّا أنّ ما يميّز هذا عن ذاك هو انطواء ممارسات الرعاية الصحية عن بُعد، وتحديداً في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، على العديد من التحدّيات.
تبرز مخاوف بشأن دقة الاستشارات عن بُعد وأمن بيانات المرضى الحساسة لتغرس الشكوك في ما كان ليكون حلاً واعداً، يقدّم بديلاً لوقت الانتظار الطويل في العيادات وصعوبة حجز المواعيد لدى أطباء وطبيبات الصّحة الجنسية والإنجابية. فهل يمكن الوثوق بتشخيصٍ يقدّمه طبيب/ة أمراضٍ نسائية وتوليد عبر مكالمة فيديو؟ وهل يمكن الشعور بالأمان للتكلم عن مشاكل الأداء الجنسي مع أخصائي/ة علم جنس عبر الإنترنت؟
في لبنان، لا تزال الصحة الإنجابية من المواضيع الشائكة، لذلك، قد يتردّد الكثيرون/ات إزاء طلب استشارات طبيّة افتراضية باعتبارها أقلّ دقة من الفحوصات وجهاً لوجه.
في السنوات القليلة الماضية، نشأت منصّات عدة تقدّم خدمات طبية عن بُعد، ومنها “دراب” (DRAPP) و “واتسدوك” (WhatsDoc) و”نواة” (NAWAT)، تقدّم جميعها مجموعةً كبيرة من الخدمات الصحية، بما في ذلك الإنجابيّة والجنسيّة. إلّا أنّ تطبيق “نواة” يركّز بشكل خاص على خدمات الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية.
تأسست منصّة DRAPP في العام 2021، وتعمل على الربط بين المرضى والأطباء/الطبيبات في لبنان ومصر لإتاحة الاستشارات عبر الإنترنت.
اكتسبت هذه المنصة شعبية كبيرة من جانب المرضى والأطباء/الطبيات، وحصلت على حوالى 25.9 آلاف متابع على “إنستغرام” وحظيت بتأييد العديد من المتخصصين/ات في الرعاية الصحية، من بينهم/ن الدكتورة غاييل أبو غنّام، وهي طبيبة لبنانية متخصصة في الأمراض النسائية والتوليد وصانعة محتوى تستضيف برنامج بودكاست للدفاع عن الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية للنساء.
في مقابلة مع “سمكس”، قالت د. أبو غنّام إنّ “منصات الرعاية الصحية عن بُعد عملية، وأستخدمها بانتظام مع حوالى عشر مرضى كل شهر”. كما أوضحت أنّه وعلى الرغم من الفائدة العملية، إلّا أنّه لا يمكن تنفيذ كل المهام عن بُعد أو على الإنترنت. فتعتبر الاستشارات عن بُعد تعليمية وتوعوية إلى حد كبير، إلّا أنّها تحتاج في مرات أخرى كثيرة إلى إجراء فحوصات لمرضاها.
في خبرتها، تكون الاستشارات عن بُعد فعالة في معالجة مخاوف الخصوبة والإجابة عن الأسئلة وتقديم المعلومات. ويمكنها أيضاً طلب إجراء فحوصات أو إعطاء وصفات طبية أو جدولة مواعيد متابعة.
الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والجنسية
شرحت الدكتورة أبو غنّام أنّ موضوع الصحة الجنسية والإنجابية لا يزال محرّماً إلى حد كبير، وسواء كان اللقاء شخصياً أو على الإنترنت، يواجه المرضى صعوبة في مناقشة مخاوفهم/ن الجنسية بشكل مفتوح، مشيرة إلى أّ المرضى من النساء والرجال “يتجنّبون الكلام عن مشاكلهم الجنسية إلّا عند اللحظة الأخيرة من الاستشارة”.
كما فسّرت أنّه من مزايا الاستشارات عن بُعد أنّ المريض/ة لا يضطر إلى تشغيل الكاميرا، لأنّه بإمكانه/ا التواصل بالصوت أو المحادثة، وهذا يريح البعض عند مناقشة الصحة الإنجابية والجنسية.
يزعم أطباء/طبيبات آخرون يستخدمون المنصة تقديم خدمات طبية جنسية، ومن بينهم مختصون/ات في الأمراض الجلدية أو المسالك البولية أو الأمراض النسائية والتوليد وخدمات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أيضاً.
وقد يُربك هذا التداخل في الاختصاصات المريض/ة الذي يريد الحصول على خدمات الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية، ما قد يقوّض مصداقية هذه الخدمات. فهل كل المهنيين/ات مدربون في الطب الجنسي بكلّ تفاصيله؟ أو أنّها مجرّد محاولة لتوسيع نطاق الخدمات المقدّمة بدون الخبرة اللازمة؟
بحسب أبو غنّام، يزداد الطلب على الطب الجنسي حالياً، مضيفة أنّ نقابة الأطباء لا تتجاهل الطب الجنسي، إنّما تطلب الحصول على شهادة لممارسته.
يتوفر اليوم المزيد من المبادرات غير الحكومية لتسهيل الوصول إلى خدمات الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية، وليس بالضرورة فقط من خلال الخدمات الصحية عن بُعد، وفقاً لحديث أبو غنّام مع “سمكس”. وفي الكثير من الحالات، توفر المنظمات غير الحكومية أيضاً فحوصات مجانية للأمراض المنقولة جنسياً، وتسهّل التواصل مع الأطباء/الطبيبات وغير ذلك.
أما في يخصّ القدرة على اللاستمراريّة، فأوضحت أبو غنّام أنّ الخدمات عن بُعد، رغم فائدتها، تقصّر عادةً في المتابعة مع المرضى بعد أول لقاء: “أجرت مريضة فحوصات طبية، وتبيّن أنّ لديها الكثير من الأمراض المنقولة جنسياً. وتوقفت المتابعة هنا، ولم تؤخذ أي خطوات أخرى لمعالجة حالتها”.
يعدّ “نواة” (NAWAT Health) مشروع للرعاية الصحية عن بُعد متخصص بالصحة والحقوق الإنجابية والجنسية في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، أنشأته الخبيرة في الصحة العامة نور جابر.
تقدّم “نواة” مجموعة شاملة من الخدمات، بما فيها الاستشارات المتخصصة، والدورات التدريبية التفاعلية، وتبادل المعرفة في ما يخص مواضيع منع الحمل، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والصحة الإنجابية، والطب الإنجابي. وتؤكّد المنصة التزامها بـ”ضمان الخصوصية والسرية”، على النحو المذكور في الموقع الإلكتروني.
وعند سؤالها عن سبب إنشاء المنصّة، قالت جابر لمنظمة “سمكس” إنّه “في الوقت الحالي، يلجأ الكثيرون إلى المساحة الرقمية للحصول على دعم ومعلومات، وخاصة جيل الشباب. إلّا أنّ معلومات كثيرة على الإنترنت تكون غير صحيحة أو غير صالحة”.
تكلفة خدمات الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية
تختلف كلفة الاستشارات الطبية في مجال الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية حسب الطبيب/ة. على سبيل المثال، تتقاضى الدكتورة ساندرين عطالله، وهي أخصائية جنسية مشهورة، 120 دولاراً أميركياً للاستشارة الطبية على “دراب” DRAPP. ويُعتبر هذا الرسم عالياً نسبياً، خاصة أنّها من القلائل الذين يقدّمون خدمات الطب الجنسي في لبنان.
بشكلٍ عام، تتراوح الرسوم بين 20 و120 دولارٍ أميركي لبعض الأطباء/الطبيبات في مصر.
أمّا د. أبو غنّام، فوضّحت أنّها تتقاضى “رسوماً أقل مقابل الاستشارات عن بُعد مقارنةً بالزيارات داخل العيادة، لأنّني أفحص المرضى جسدياً في العيادة”. فعلى منصة DRAPP، تبلغ رسومها 60 دولاراً أميركياً، وقد تتقاضى 40 دولاراً أميركياً للاستشارات الأقصر.
وأضافت أنّ هذا هو نهجها الخاص، ولكنّ بعض الأطباء/الطبيبات قد يأخذون موقفاً مختلفاً باعتبار أنّ الاستشارات عن بُعد غير مُحدَّدة بوقت، وبالتالي يجب أن تكون رسومها أعلى من الزيارات داخل العيادة.
تأخذ تطبيقات الخدمات الطبية عن بُعد ومنصاتها عادةً نسبة محددة من رسوم الاستشارة الطبية. وقد أكّدت د. أبو غنّام أنّ منصة DRAPP تأخذ 20% من إجمالي رسوم الاستشارة. وأضافت أنّ منصات أخرى تحاول فرض حد أدنى من الرسوم للاستشارات الطبية.
بيانات المرضى وسياسة الخصوصية
تُعتبر البيانات الصحية من أكثر البيانات الشخصية حساسية، وتشمل التفاصيل الشخصية والحميمة المتعلقة بالحالة النفسية أو الجسدية للشخص، وفي حال معالجتها بشكل غير صحيح، قد تؤدي إلى مخاطر كبيرة ونتائج كارثية.
من المفترض أن تضمن كل منصة تعالج بيانات صحية، مثل منصات الخدمات الطبية عن بُعد، أعلى درجة ممكنة من السرية والأمن عند معالجة بيانات المرضى والأطباء/الطبيبات.
وقد أجرى فريق السياسات في “سمكس” تحليلاً لسياسة خصوصية منصة “دراب”، كشفت عن عدة أوجه قصور في ما يتعلق بخصوصية البيانات. فالسياسة مثلاً لا تذكر الأطراف الثالثة التي تشارك معها المنصة بيانات المرضى.
في هذا الخصوص، أوضّح ميتيهان دورماز، محلل سياسات في “سمكس”، أنّه “بدون هذه المعلومات، لا يمكن للمستخدمين/ات الفهم والتحكّم بشكل كامل في طريقة استخدام بياناتهم/ن ومشاركتها، ما قد يؤدّي إلى عدم الثقة أو إساءة استخدام البيانات”.
تنصّ سياسة خصوصية “دراب” أنّ للمنصة إمكانية الوصول إلى معلومات المستخدمين/ات الخاصة وتحليلها من أجل تحسين خدماتها. لكنّ المريض/ة يتوقّع عادةً أن تكون معلوماته الطبية محمية بالسرية بين الطبيب/ة ومريضه. كما تتخلّف سياسة خصوصية المنصّة أيضاً عن ذكر المدة التي تُحتفظ خلالها هذه البيانات والأساس القانوني لنقل البيانات.
أخبرت فريدا بعقليني، مريضة استخدمت خدمة طبية عن بُعد لمشكلة متعلقة بالحمل، عن تجربتها على هذا الصعيد: “فوجئت عندما علمت أنّ للمنصة الحق في الوصول إلى محادثاتي مع طبيبتي”. وشرحت أنّها تستخدم المنصة لتطلب تشخيصاً من أطبائها في لبنان أثناء إقامتها في الخارج، مشيرة إلى أنّها لو كانت تعلم بإمكانية وصول التطبيق إلى محادثاتها، لم تكن لتحدد موعد الاستشارة عن بُعد “لأنّ الاستشارة كانت متعلقة بمسألة حميمة وليست عاجلة”.
من الضروري أن تبقى المعلومات المتعلقة بصحة المرضى، وبخاصة في ما يخص الصحة الإنجابية والجنسية، سرية في البلدان التي لا يزال فيها الكلام عن هذه المواضيع محرماً.
لا تزال سياسة خصوصية منصّة” نواة” قيد التطوير، بحسب جابر، التي أوضحت أنّ هذه السياسة ستستند إلى “قوانين سياسة الخصوصية الصارمة في دولة الإمارات العربية المتحدة” حيث يقع مقرّ المنصة في أبو ظبي.
وقالت جابر لـ”سمكس” أنّ التطبيق، الذي سيُطلق قريباً، سيأخذ التدابير اللازمة لحماية خصوصية المرضى، مثل عدم طلب أي بيانات تعريف، ومنها الاسم أو النوع الجنسي.
تقدّم المنصة حالياً، وفقاً لما قالته جابر، استشارات مجانية لمدة 30 دقيقة مع خبراء في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية عبر منصة Google Meet. ويتواصل كل من يبحث عنهذا النوع من الخدمات مع “نواة” عبر “إنستغرام” أو “واتساب”، ثم يوجَّه إلى رابط “كالندلي” (Calendly) لحجز الجلسة. وتابعت جابر موضحة أنّه بمجرّد توجيه المستخدمين/ات إلى “كالندلي”، يمكنهم/ن الوصول إلى كل المعلومات ذات الصلة، بما فيها سياسة الخصوصية.
من ناحيته، شرح دورماز أنّ “البيانات المتعلقة بالجنس والتوجه الجنسي والصحة الجنسية تقع ضمن فئة “البيانات الخاصة” في قوانين حماية البيانات، وتتطلّب معايير خصوصية عالية جداً وسياسة خصوصية واضحة ومتوفرة للجميع”. وشدّد على أنّه، رغم النية الحسنة التي توجّه المبادرة، من الضروري جداً البقاء ضمن الحدود القانونية لحماية البيانات الشخصية، علماً أنّ منصة “نواة” هي مبادرة شخصية.
“نظراً إلى حساسية البيانات في هذه المبادرات، التي تُطلَق من حسن نية، تتوفّر ثلاثة مبادئ أساسية يجب أن توجّه أي نهج إزاء حماية بيانات المستخدمين/ات، وهي المساءلة والموافقة المستنيرة وتقليل البيانات المطلوبة إلى الحد الأدنى”، أضاف دورماز.
وأوضح محلل السياسات في “سمكس” أنّه من المتطلبات الأساسية لأيّ تطبيق يجمع البيانات المتعلقة بالصحة والجنس توفير سياسة خصوصية علنية وشاملة على الموقع الإلكتروني والتطبيق، وألّا تكون هذه السياسة متاحة فقط عند الطلب. فالشفافية حاسمة الأهمية في المجالات الحساسة مثل الجنس، وتتيح للمستخدمين/ات اتّخاذ قراراتهم/ن عن علم.
وفي حديثها مع “سمكس” قالت جابر “أطلقنا هذه الخدمة لفترة تجريبية. وعندما نطرح التطبيق، ستنتقل التجربة كلها إلى داخل التطبيق، وسندمج مختلف البرامج وسياسة الخصوصية والشروط والأحكام ضمن تجربة المستخدمين/ات على التطبيق”.
وأخيراً، تتوفّر منصة لبنانية أخرى تقدّم خدمات الرعاية الصحية عن بُعد، وهي “واتس دوك” WhatsDoc. وتجدر الإشارة إلى أنّه على غرار “نواة”، لا تتوفر سياسة خصوصية الخاصة بها على موقعها الإلكتروني بعد.
عندما اتّصلت منظمة “سميكس” بمؤسس “واتس دوك”، أرسل إليها سياسة الخصوصية، وأوضح أنّها تُرسل عادةً للمرضى للاطلاع عليها قبل الاشتراك في التطبيق. ومع ذلك، وجد فريق السياسات في “سمكس” أنّ المنصة لا تمتثل للمعايير الدولية لخصوصية التطبيقات.
“يفتقر التطبيق إلى سياسة الخصوصية، التي تشكّل مطلباً أساسياً لإعلام المستخدمين/ات عن طريقة جمع البيانات واستخدامها وحمايتها، لا سيما أنّ المعلومات الصحية هي حساسة. فيُعتبر ذلك انتهاكاً للمعايير الدولية”، وفقاً لدورماز. “أمّا الشروط والأحكام للتطبيق، فهي مدمجة مع استمارة موافقة المريض/ة، ما قد يربك المستخدمين/ات. فيجب أن يكون الوصول إلى كل من هذين المستندَين منفصلاً عادةً”.
بما أنّه يمكن استخدام تطبيقات الرعاية الصحية هذه عن بُعد من بلدان في الاتحاد الأوروبي، يجب أن تمتثل “للائحة العامة لحماية البيانات” (GDPR)، التي تنصّ على حماية البيانات والشفافية والحصول على موافقة بالشكل الصحيح. أمّا سياسة “واتس دوك”، فلا تذكر صراحةً أي امتثال لهذه اللائحة، ولا طريقة معالجة البيانات الشخصية بما يتماشى مع هذه المعايير.
بحسب قول دورماز، “لا يُعتبر التطبيق مسؤولاً لأنّه مجرّد وسيط بين المستخدم/ة والطبيب/ة، ولكنّ المسؤولية تقع حتماً على الطبيب/ة. أمّا التطبيق، فيكون مسؤولاً عن التحقق من أهلية الطبيب/ة”.
تذكر استمارة الموافقة أنّه قد يتم استخدام “بيانات مجهولة الهوية أو مجرّدة من المعرفات الشخصية لأغراض بحثية، ولكنّها لا تذكر كيف تُجرَّد من المعرفات أو كيف يمنح المستخدم/ة موافقته/ا في هذا الحال. فيجب إعطاء المستخدمين/ات الخيار الواضح للموافقة أو عدم الموافقة على استخدام بياناتهم/ن لأغراض إجراء الأبحاث.
وأضاف دورماز أنّ “صياغة الاستمارة مليئة بالمصطلحات القانونية التي قد يصعب على المستخدمين/ات فهمها. فيجب صياغة استمارات الموافقة بطريقة واضحة وبسيطة تضمن فهم المستخدمين/ات كاملاً للشروط التي يوافقون عليها”. بالإضافة إلى ذلك، لا تحدّد الشروط والأحكام السلطات القضائية المختصة بالنظر في النزاعات أو المشاكل القانونية، علماً أنّ هذه المعلومات ضرورية لأي تطبيق يُستخدم على الصعيد العالمي.
لمعالجة هذه المسائل، يقترح دورماز إنشاء سياسة خصوصية منفصلة، وتوضيح عملية الحصول على موافقة المستخدم/ة، وضمان التوافق مع المتطلبات القانونية الخاصة بالسلطة القضائية المختصة.
من جهتها، تضيف أبو غنّام أنّ بعض مريضاتها يرسلن إليها صوراً للفرج أو الصدر أو الأعضاء الحساسة الأخرى عبر تطبيقات الخدمات الصحية عن بُعد، ولا يكنّ على علم بتداعيات مشاركة هذه الصور.
وذكرت الطبيبة أيضاً أنّ بعض المرضى، النساء والرجال، يأتون إلى لبنان من الإمارات العربية المتحدة لإجراء فحوصات أو معاينات متعلقة بالأمراض المنقولة جنسياً، خوفاً من أن تعلم الحكومة الإماراتية بحالتهم، ولكنّ هذا المفهوم خاطئ.
قانون خصوصية البيانات
يتوفّر في لبنان عددٌ قليل فقط من القوانين التي تحمي البيانات الشخصية، ولكن تتوفّر أحكام أخرى تحكم الخصوصية، مثل المادة 7 من قانون الآداب الطبية، التي تحمي خصوصية بيانات المريض/ة.
أمّا قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي في لبنان، الذي ينظّم البيانات الشخصية، فهو مبهم ويشوبه عدّة عيوب. لا يحدّد القانون الحالات التي يسمح فيها معالجة البيانات الشخصية، وسواء يمكن للدولة نقل البيانات إلى بلدان أخرى، وأي هيئة إشرافية مستقلة لمراقبة الامتثال.
وبما أنّ تطبيقات الرعاية الصحية عن بُعد تخضع للقانون اللبناني، تكون البيانات الشخصية أيضاً خاضعة له. ونظراً إلى أنّ لا أحكام محددة تحمي بيانات المرضى، يبقى من مسؤولية المنصات المبادرة لضمان هذه الحماية.
علاوةً على ذلك، لا يحدّد القانون أي فترة زمنية للاحتفاظ بالبيانات، ما يتيح لمنصات الرعاية الصحية عن بُعد الاحتفاظ بها لأجل غير محدد ويعرّض هذه البيانات إلى سوء الاستخدام والانتهاكات.
أمّا مصر، فتعتمد لوائح أكثر صرامة، وينظّم قانون حماية البيانات كل البيانات الشخصية المجموعة على الإنترنت. وإذا أرادت شركة نقل بيانات إلى خارج البلد، يجب أن تحصل على ترخيص من الهيئة التنظيمية. ولا يمكن نقل البيانات من مصر سوى إلى بلدان تتمتّع بالمستوى العالي نفسه من تدابير حماية البيانات الشخصية.
بحسب دورماز، في البلدان التي تفرض قوانين أكثر صرامة لحماية البيانات، يجب أن يكون لأي تطبيق يجمع معلومات حساسة، مثل البيانات الصحية، سياسة خصوصية واضحة وكاملة. ومنصة “دراب” متاحة للاستخدام في عدة بلدان ومناطق مثل مصر وتركيا والاتحاد الأوروبي.
ومن المثير للاهتمام أنّ سياسة خصوصية “دراب” تذكر أنّ البيانات تُخزَّن في لبنان، ولكنّها لا تشير إلى أي عقد أو قرار يتيح نقل البيانات من بلدان مثل مصر إلى لبنان.
في حين أنّ الخدمات الطبية عن بُعد تفتح المجال لسد فجوات الوصول إلى الرعاية الصحية، وبخاصة في المجالات الحساسة مثل الصحة الجنسية والإنجابية في المناطق التي تشكّل فيها هذه المواضيع “عاراً”، يتطلّب تنفيذ هذه الخدمات إشرافاً دقيقاً لضمان إدارة المعلومات الحساسة، مثل بيانات الصحة، بطريقة أخلاقية تحميها من أي سوء استخدام.
في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، حيث الرقابة سائدة وقوانين حماية البيانات الشخصية شبه منعدمة، قد يتعرّض المرضى لاختراقات البيانات، ما قد يثنيهم/ن عن طلب الرعاية الجنسية والإنجابية الضرورية. لذلك، وقبل الاشتراك في أي تطبيق، على المستخدمين/ات طلب معلومات واضحة ومتاحة عن الطريقة التي يستخدم فيها التطبيق بيانات ويخزّنها ويحميها.