تم نشر هذا المقال في موقع حبر
لينا عجيلات
بعد مرور عام على قرار دائرة المطبوعات والنشر حجب موقع حبر 7iber.com ضمن مجموعة من المواقع الإلكترونية التي تم حجبها تطبيقاً لقانون المطبوعات والنشر المعدّل، طلبت هيئة الإعلام يوم أمس من شركات الاتصالات حجب العنوان البديل لموقع حبر والذي كنّا نعمل من خلاله طيلة العام الماضي 7iber.org.
خلال هذا العام تطور حبر وكبر فريقنا، عملنا على إنتاج تقارير ومواد صحفية متعددة الوسائط تروي قصصاً وتعرض قضايا قد تكون غائبة عن الإعلام السائد، توسعنا في البحث في قضايا حوكمة الإنترنت وقضايا الخصوصية والرقابة، نظمنا ورشات عمل حول معايير المهنية الإعلامية ورصد عمل الإعلام ضمن مشروع غربال. تناولنا الرقابة بكافة أشكالها، من خلال معلومات مصورة عن القوانين التي تحد حرية التعبير، إلى عرض تفاعلي عن محاكمات النشطاء أمام محكمة أمن الدولة، وتقرير موسع عن منع الكتب في الأردن، وفيديو توضيحي لمشروع قانون الاتصالات وتجاوزاته الدستورية، وغيرها من المواد.
مؤخراً بدأنا العمل على تحقيقات تتعلق بترخيص وحجب المواقع، ومنع الكتب، والرقابة على الأفلام، وتوجهنا إلى هيئة الإعلام طلباً للمعلومات. رفضنا أن نخالف الأخلاقيات الصحفية وكنّا واضحين تماماً حول هويتنا والمواد التي نعمل عليها في حبر، وتعاونت الهيئة بإعطائنا المعلومات التي طلبناها. هل هذا ما دفعهم إلى حجبنا اليوم؟ لا نعلم. تماماً مثلما حدث العام الماضي، لم يبلغنا أحد رسمياً بقرار حجبنا. علمنا من خلال مصادر في شركات اتصالات أمس، وترقبنا تنفيذ القرار اليوم.
العام الماضي صدر قرار حجب أكثر من مئتي موقع إخباري أردني في ١ حزيران ٢٠١٣، وصدر قرار حجب حبر بعدها بشهر، في ١ تموز ٢٠١٣، بناءً على المادة ٤٩ من قانون المطبوعات والنشر المعدّل التي نصت على أن أي موقع ينشر “الأخبار والتحقيقات والمقالات والتعليقات ذات العلاقة بالشؤون الداخلية أو الخارجية للمملكة” ملزم بالترخيص بقرار من مدير دائرة المطبوعات والنشر (هيئة الإعلام الآن)، وأعطته صلاحية حجب المواقع غير المرخصة بدون أمر قضائي (في مخالفة للمادة ١٥ من الدستور الأردني).
النص القانوني يمكن أن ينطبق على مجموعة كبيرة من المواقع المحلية والأجنبية التي تنشر مواد عن الأردن، والمدونات وصفحات الفيسبوك أو التويتر أو قنوات اليوتيوب، لكن دائرة المطبوعات والنشر أكّدت في أكثر من موقع ومناسبة أن القانون لا ينطبق سوى على المواقع الإخبارية (على أي أساس وبتعريف من من؟ لا نعرف.). تبيّن بعد نقاشات مع مدير دائرة المطبوعات والنشر آنذاك فايز الشوابكة أن تعريف الموقع “الإخباري” لدى الحكومة الأردنية هو أي موقع يتحدث في الشأن السياسي الأردني.
عدد كبير من المواقع التي تم حجبها قامت مباشرة بالترخيص لدى دائرة المطبوعات والنشر حتى تعود للعمل، ليصل عدد المواقع المرخصة اليوم إلى نحو ١٦٠ موقعاً. مجموعة من المواقع (ومن ضمنها حبر) لجأت للقضاء للطعن في القرار لكن الدعوتين اللتين رفعتا تم ردهما، مما دفع غالبية تلك المواقع للترخيص كخيار أخير لتجاوز الحجب، لكننا في حبر لم نرخص وواصلنا العمل والوصول إلى قرّائنا داخل الأردن من خلال 7iber.org، مع إدراكنا التام أن الحكومة يمكن أن تقرر حجب هذا النطاق في أي لحظة، الأمر الذي استغرق عاماً كاملاً قبل أن يحدث.
الحكومة الأردنية تقدّم موضوع الحجب على أنه تطبيق للقانون لا أكثر، وكثيرون كانوا يسألوننا خلال العام الماضي: لماذا لا ترخصون؟
السبب الرئيسي مبدأي: نحن لسنا ضد التسجيل، وحبر شركة مسجلة في وزارة الصناعة والتجارة الأردنية. نسعى دائماً لالتزام الشفافية في عملنا، مصادر تمويلنا واضحة، كما فريق عملنا، ونتحمل المسؤولية كاملة عمّا ننشر على الموقع. نعمل لتقديم مادة مهنية تحترم جمهورنا. اعتراضنا هو على شرط الترخيص، الذي يجبر أي موقع أو مطبوعة صحفية على الحصول على إذن من الحكومة حتى تتمكن من العمل، وهو من أقدم أدوات الرقابة الحكومية على الإعلام والتضييق على حرية التعبير. هل يعقل في زمن الإنترنت والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن أن يشترط الحصول على إذن حكومي للنشر على الإنترنت؟ هل يعقل أن يشترط للحصول على الترخيص أن يكون للموقع رئيس تحرير عضو في نقابة الصحفيين مدّة لا تقل عن أربع سنوات؟
السبب الثاني عملي، يتمثل في عدم تلبيتنا لشروط الترخيص. في حين تم تعديل قانون المطبوعات والنشر في أيلول 2012، لم يعدّل قانون نقابة الصحفيين سوى قبل شهرين، في نهاية نيسان 2014. قانون نقابة الصحفيين كان يشترط للعضوية أن يتدرب الصحفي في مؤسسة إعلامية “رسمية” – لا يهم إذا كان لديك شهادة ماجستير في الإعلام وإن عملت في وكالة أنباء عالمية وإن عملت في موقع إعلامي لسنوات، فهذه مؤسسات لم تكن النقابة تعترف بها للتدريب. المضحك/المبكي أن قانون المطبوعات والنشر يحظر ممارسة العمل الصحفي على أي شخص ليس عضواً في نقابة الصحفيين، ما يعني أنه يحظر ممارسة العمل الصحفي لأي شخص لم يتدرب في مؤسسات الإعلام الرسمية. طبعاً هذا البند لم يكن مطبقاً، فهناك عدد كبير جداً من الصحفيين الممارسين للمهنة في الأردن والذين يعملون مع مؤسسات إعلامية محلية وعربية وعالمية دون أن يكونوا أعضاء في النقابة، لكنه كغيره من التشريعات الأردنية، موجود لتوظفه السلطة التنفيذية وقت الحاجة.
كثير من المواقع التي رخصت لجأت إلى توظيف رئيس تحرير تنطبق عليه شروط عضوية النقابة، شكلياً، وغضّت دائرة المطبوعات والنشر النظر عن عدد من التجاوزات في الفترة التي كانت فيها تسعى لترخيص أكبر عدد ممكن من المواقع لإعطاء القانون المعدّل شرعية.
البنود الفضفاضة وغير القابلة للتطبيق في قانون المطبوعات والنشر تفتح المجال أمام الحكومة لتطبق ما تشاء منه بطريقة عشوائية، وهي عشوائية مقصودة تعمل على خلق حالة من الرقابة الذاتية
لسنا في صدد انتقاد الطرق التي تلجأ إليها المواقع لتجاوز الحجب، ففي ظل قانون تعسفي ينتهك المبادئ الدستورية التي تحمي حرية التعبير وحرية الإعلام، تصبح مقاومة هذا القانون والالتفاف عليه مشروعة بل ومطلوبة. في ظل غياب الديمقراطية وتغوّل السلطة التنفيذية على باقي السلطات، كيف يمكن الحديث عن سيادة القانون؟ مع الإصرار على قانون انتخاب يمنع وجود برلمان يقوم بدوره التشريعي الحقيقي كركن أساسي من أركان نظام الحكم في الأردن، ماذا يمكن أن نتوقع من القوانين والتشريعات الصادرة عن هذا البرلمان؟ للتذكير فقط، مجلس الأمة السادس عشر الذي أقر قانون المطبوعات والنشر المعدّل الذي يفرض هذه القيود على المواقع الالكترونية أقر في نفس الوقت قانون الانتخاب المعدّل الذي أبقى على الصوت المجزوء وأفرز لنا المجلس الحالي الذي لا يختلف عن سابقيه في شيء.
البنود الفضفاضة وغير القابلة للتطبيق في قانون المطبوعات والنشر تفتح المجال أمام الحكومة لتطبق ما تشاء منه بطريقة عشوائية، وهي عشوائية مقصودة تعمل على خلق حالة من الرقابة الذاتية، أنجع من أي رقابة رسمية.
ها هو 7iber.org قد حجب داخل الأردن، ونحن الآن ندرس الخيارات المتاحة أمامنا. هل هناك طريقة للجوء للقضاء؟ هل نستسلم حيال الترخيص كي نتمكن من مواصلة عملنا؟ أياً كان الحل، لا شيء سيغيّر من رفضنا لكافة أشكال الوصاية على العقول وإيماننا المطلق بحرية التعبير وحرية الصحافة ودورها الرقابي والمجتمعي، ولا شيء سيوقف عملنا لإنتاج محتوى نوعي ومهني يساهم في خلق مساحة أكبر للحوار المجتمعي البنّاء.
بإمكانكم الوصول إلى حبر في الوقت الحالي عبر 7iber.net