بيروت، لبنان، 15 نوفمبر 2022، في إطار النسخة الخامسة من ملتقى “خبز ونت”2022، والتي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد غياب أكثر من عامين بسبب جائحة “كورونا”، عقدنا جلسة وجاهية افتتاحية للملتقى حول الحقوق والحريات والتهديدات والفرص في مجتمعاتنا الناشئة، من الشؤون الجيوسياسية، مروراً بحقوق الإنسان، وصولاً إلى التقدّم الاقتصادي. تحدث خلال الجلسة المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس”، محمد نجم“، ومديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومديرة مكتب بيروت في “هيومن رايتس ووتش”، لما فقيه، و رامي يعقوب، مدير تنفيذي معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط. أدارت الجلسة منسقة الحملات في منظمة العفو الدولية، بيسان فقيه.
افتتح نجم الجلسة بالحديث حول التحديات والفرص التي تواجهها المنطقة فيما يخص التقاطع بين حقوق الإنسان والتكنولوجيا، وأبرز التطورات الجيوسياسية، وأشار إلى أنّه لا يمكن عزل هذه التساؤلات عن سياق الربيع العربي وتبعاته من ناحية التشريع السريع لكلّ ما يمكنه الحد من حرية التعبير وتداول المعلومات تحت شعارات فضفاضة مثل مناهضة الإرهاب.
“رأينا الكثير من الدول ترفع من استثماراتها في مجال التكنولوجيا، خاصة في الخليج، مثل السعودية والإمارات، وفي مئات الشركات مثل أوبر وتلغرام. كما ازدادت حصة السعودية في تويتر إلى 4%، وهذه ثاني أكبر حصة استحواذ في الشركة، ما يرسم علامات استفهام كثيرة؛ إذ كيف يمكن أن تستثمر السعودية في شركة كانت تملك جواسيس فيها؟ يعكس هذا وضع التشريعات الأميركية الضعيفة على الرغم من ليبرالية الحكم”، يضيف نجم.
وجّهت الميسّرة السؤال نفسه إلى لما، فأجابت أنّ وضع حقوق الإنسان آخذ بالتدهور في المنطقة لعدة أسباب، منها تقلّص مساحة المجتمع المدني وحرية التعبير، مع وجود إرثٍ من الصراعات التي مرّت من دون مساءلة، إلى جانب الإفلات المتكرّر من العقاب على جرائم الحرب وترسيخ القادة الاستبداديين بعلاقات ثنائية قوية مع القوى الغربية التي أصبحت فاترة في تعزيزها لحقوق الإنسان في المنطقة، وتعطي الأولوية لحقوق الإنسان ذات الأهداف قصيرة المدى.
إلى جانب دور الولايات المتحدة في عهدي بايدن وترامب التي اتخذت نهجاً في عدم التدخل في المنطقة، معطية بذلك مساحة أكبر للحكومات التي لا تحترم حقوق الإنسان لزيادة نفوذها بما في ذلك روسيا وتركيا والصين ودول أخرى في المنطقة. وفي أعقاب الحرب الأوكرانية، رأينا الدول الأوروبية تعطي الأولوية بشكل متزايد لتلبية احتياجاتها من الطاقة، فتنخرط مع دول الخليج في على حساب تعزيز الحقوق في تلك البلدان، بحسب فقيه.
في الوقت نفسه، تدهورت الظروف الاقتصادية للعديد من البلدان، إذ باتت فئةٌ كبيرة عاجزة عن الوصول إلى السلع الأساسية أو الماء والكهرباء أو الرعاية الصحية وغيرها، وتشير فقيه إلى أن تسع دول في المنطقة حتى الآن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، عدا عن أنّ المنطقة تعاني ندرة شديدة في الماء، ما سيؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ.
أكثر من أيّ وقت مضى، تقف المجتمعات المهمشة لتكون الأكثر عرضة لهذه الاتجاهات السلبية، وعندما يأتي الأمر لدور التكنولوجيا، تسعى الجهات النافذة إلى استخدامها كأداة للقمع والإساءة، في حين يمكن استخدامها لمساعدة الباحثين/ات على الوصول إلى بيانات رقمية أكثر من أي وقت مضى لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، بحسب فقيه. كذلك تعمل الحكومات بشكل متزايد على أتمتة شبكات الأمان الاجتماعي تحت ستار الابتكار والكفاءة الإدارية، بدلاً من ضمان قدرة الناس على الاعتماد على هذه الأنظمة لتحجيم قدراتهم.
ويستخدم أصحاب العمل أيضاً أدوات عالية التقنية لتنظيم طرق الإدارة والتحكم التي تحرم العمال بشدة من الحماية الليبرالية، وكان هذا أكثر وضوحًا عام 2020، حيث حددت منظمة العمل الدولية 489 مجموعة في شركات التوصيل القائمة على العمل في جميع أنحاء العالم، وهذه قفزة تقارب عشرة أضعاف منذ عام 2010، حيث أصبحت التجارة العالمية أكثر اعتماداً على اقتصاد الوظائف المؤقتة.
“إذا تعمّقنا في كيفية استخدام الحكومات للمعلومات البيومترية مثل بصمة الوجه والأصابع وغيرها، سوف ندرك أننا في وضع سيئ فيما يتعلق بزيادة المراقبة الجماهيريّة مثلاً، وهذا مرتبط بشكل وثيق بالقمع وترتيب الحقوق المدنية السياسية”، تضيف فقيه.
وتطرّقت فقيه إلى تجربتها مع هجوم “بيغاسوس” (Pegasus)، قائلة: “علمت منذ عام تقريباً أنني تعرضت للتجسس من قبل حكومة، أعتقد أنها في المنطقة، تستخدم برنامج “بيغاسوس”، وهو برنامج يخترق أي جهاز دون علم صاحبه”، ,وذكرت أنّ البرمجية الخبيثة استهدفتها خمس مرات خلال عدة أشهر.
وانتقلت مديرة الجلسة إلى رامي يعقوب وسألته عن دور الحقوق الرقمية والتكنولوجيا الناشئة التي تعمل عليها معهد التحرير لسياسات الشرق الاوسط في عدة تقاطعات مثل القانون الثقافة الحوكمة الجيوسياسية، إضافة إلى دور الحقوق الرقمية والتكنولوجيا الناشئة بالسياسات تتابعها، ليجيب أنّ الحقوق الشخصية والرقمية هما مفهوم واحد، والدفاع عن الحقوق الشخصية يجب أن يجري في مساحات الإنترنت أيضاً.
وأشار يعقوب إلى تجربته كأحد المشاركين في ثورة كانون الثاني/يناير 2011 في مصر، وكيف كان استخدام الإنترنت وقتها سهلاً وأكثر أماناً للمتظاهرين/ات لناحية التنظيم وتبادل الأفكار والتجمهر بدون عواقب كبيرة، على عكس الواقع الحالي، مؤكداً ما ذكره نجم حول استثمار دول منطقتنا في الإنترنت ومتابعته بشكل أكبر مما سبق، وأن هناك ما يسمّى بظاهرة تسليح الإنترنت من قبل الأجهزة الأمنية.
“من أهم الأشياء التي أراها من موقعي في معهد التحرير (TIMEP)، هو القمع عبر الحدود الذي ازدادت حدّته في السنوات الأخيرة” يقول يعقوب، “فالقمع عبر الحدود له عواقب في العالم الحقيقي مثلما حدث مع جمال خاشقجي. أصبحت الدول والأجهزة الأمنية تلاحق المعارضين/ات وتخترق أجهزتهم/ن حتى خارج حدودها بسهولة وسرعة”.
في سياق متصل، طرحت ميسّرة الجلسة سؤالاً حول تأثير الفوضى التي نشهدها في منصات التواصل على حياتنا، فأجاب نجم أنّ المساحات التي منحتنا إيّاها منصات التواصل كانت بالأساس مساحات عامة مملوكة للشعب في الفضاء العام والعالم الحقيقي، لكن عندما انتقلنا إلى الفضاء الرقمي، أصبحنا في مساحة شركات خاصة لها أهدافها ونموذج العمل الخاص بها وسياساتها وقوانينها المختلفة، غرضها ربحيٌّ في الأساس، وهذه نقطة ينساها الكثيرون/ات.
بالنسبة لإيلون ماسك، فمن الواضح أنه يركز في عمله على الولايات المتحدة، مما يلحق الأذى بكافة المناطق خارجها، ويمكن أن نرى بوضوح كيف تحوّل “تويتر”إلى مساحة للكثير من الجيوش الإلكترونية والهجمات المختلفة.
“ما نحاول فعله في “سمكس” حالياً هو الضغط على هذه المؤسسات بالشراكة مع مؤسسات أوروبية وأجنبية، فهناك الكثير من الجهد المطلوب حتى ندافع عن هذه المساحات كما ينبغي”، يضيف نجم.
بدورها، أجابت لما فقيه: “أعتقد أن هذا السؤال تذكير مهم لنا بأننا لا نتوافق مع شركات التكنولوجيا فيما يتعلق بأولوياتنا وأهدافنا، ولا بدّ من التفكير بطرق للوصول إلى هذه المرحلة”، مشيرة إلى أنّ لهذه الفوضى تأثيراً على بعض الأقليات مثل مجتمع الميم، وأنّها علمت من زميلتها روسيا يونيس التي تقود بعض الأعمال، كيف تستهدف الحكومات أفراد مجتمع الميم تحديداً عبر وسائل التواصل ثم يتابعون عمليات الاحتجاز مع سوء المعاملة من خلال الملاحقات القضائية.
بعض المجتمعات معرضة بكثرة لهذه التكتيكات التي تمارسها الحكومات بشكل متزايد، لذا علينا أن ندرك جيداً الطرق التي تتفاعل فيها شركات وسائل التواصل وفشلها في الرد على هذه الانتهاكات، إذ لم يتم حتى الآن إجراء مشاورات كافية مع الفئات الأكثر تأثراً بهذه الممارسات التعسفية الحكوميّة.