نُشرت هذه المقالة أولاً على موقع “مسار”
مقدمة
تعاني النساء من التفرقة والتمييز ضدهن في جميع مناحي الحياة دون استثناء. يمتد ذلك عبر جميع المجتمعات البشرية، حتى المتقدمة والغنية منها، ولا تختلف فيما بينها إلا في حدة التمييز أو مدى اتساعه. أحد الاحتياجات الرئيسية لكل إنسان هي الحصول على رعاية صحية تحفظ عليه سلامته البدنية والعقلية وتحمي حياته نفسها. لذلك فالتمييز ضد النساء في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الضرورية بمستوى مناسب هو أحد أكثر مظاهر التمييز ضدهن خطورة وأهمية.
خلال الأعوام الماضية بدأت تكنولوجيات المعلومات والاتصالات تطور حلولًا تقنية جديدة يمكن أن تمد النساء حول العالم ومن مختلف الطبقات بأمل في تحسن إمكانية وصولهن إلى الخدمات الصحية التي يحتجنها بشدة والتي لا يزال أغلبهن محرومات منها لأسباب مختلفة. تسهم بعض تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الرئيسية، مثل شبكة الإنترنت، والهواتف الذكية، والذكاء الاصطناعي في توفير فرص جديدة للحصول على خدمات الرعاية الصحية للنساء في المراحل المختلفة لاحتياجهن إلى هذه الخدمات. تبدأ الخدمات من التوعية الصحية ومتابعة مؤشرات الصحة العامة والصحة الإنجابية بصفة دورية ومستمرة، مرورًا بالكشف المبكر عن الأمراض، والحصول على استشارات طبية عند حدوث متاعب صحية، وصولًا إلى توفير العلاج والدواء اللازم، وحتى تسهيل إجراء العمليات الجراحية عند الضرورة.
برغم ما تفتحه هذه التطبيقات التكنولوجية من آفاق أرحب لتعديل ميزان العدالة في الوصول إلى الرعاية الصحية بين الجنسين، فلا يزال كثير منها بعيد عن متناول غالبية النساء لأسباب اقتصادية وتقنية. كما أن ثمة الكثير من المحاذير التي تستلزم أخذها في الاعتبار عند اللجوء إلى هذه التطبيقات، في مقدمتها حماية الحق في الخصوصية، وكذلك الحق في الحصول على خدمة آمنة دون أية ضرر ممكن.
تسعى هذه الورقة إلى تقديم صورة شاملة حول إمكانيات استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في توفير خدمات رعاية صحية أفضل للنساء. تبدأ الورقة أولًا بعرض مختصر لأسباب حرمان كثير من النساء من خدمات رعاية صحية كافية، ثم تتطرق إلى نظرة عامة حول ما يؤهل تكنولوجيات المعلومات والاتصالات لأن تلعب دورًا مهمًا في تحسين فرص النساء في الحصول على خدمات رعاية صحية ملائمة لظروفهن المختلفة وبجودة كافية.
تتطرق الورقة أيضًا بمزيد من التفصيل لكل من التكنولوجيات الرئيسية: الإنترنت والهواتف الذكية والذكاء الاصطناعي، وما يمكن لكل منها توفيره، والاحتياجات الرئيسية للرعاية الصحية للنساء: التوعية، المتابعة الدورية والتشخيص المبكر للأمراض، الاستشارات والعلاج والعمليات الجراحية، وما يمكن للتكنولوجيا تقديمه في كل منها. وأخيرًا تستعرض الورقة المحاذير والاحتياطات الواجب أخذها في الاعتبار، والتي وتشمل حماية الحق في الخصوصية وأمن البيانات والمعلومات، وضمان سلامة الخدمة، وتنظيم الخدمات في إطار قانوني يحمي مصالح النساء ممن يلجأن إلى هذا النوع الجديد من الخدمات الصحية.
لماذا تعاني النساء في الحصول على رعاية صحية ملائمة؟
في كثير من الأحيان تؤدي عوامل عامة مثل الأحوال الاقتصادية إلى صعوبات في الحصول على خدمات الرعاية الصحية للجنسين، ولكن التفرقة والتمييز ضد النساء لأسباب ثقافية واجتماعية يؤدي إلى تحملهن أعباء أكبر كثيرًا من الرجال في ظل نفس الظروف. في كثير من الثقافات لا يعتبر حصول النساء على الرعاية الصحية عند تعرضهن لمتاعب بدنية أو نفسية أولوية بنفس القدر في حال تعرض الرجال لمثل هذه المتاعب.
تدني معدلات تعليم النساء في كثير من المجتمعات الأكثر فقرًا والمحافظة يؤدي إلى انخفاض مستوى وعيهن وكذلك وعي المحيطين بهن، يؤدي ذلك إلى أنه في مثل هذه المجتمعات تغيب بشكل شبه كامل اعتبارات مثل المتابعة الدورية للمؤشرات الصحية وهو ما يجعل الكشف المبكر عن أية متاعب صحية أمرًا مستبعدًا. مع إضافة التلكؤ في عرض النساء على الأطباء عند ظهور أعراض مرضية، بسبب عدم أخذ شكواهن على سبيل الجد في كثير من الأحيان، فلا تكاد تصل المرأة إلى مقدم الخدمة الصحية في حالات الأمراض الأكثر خطورة، مثل السرطانات بأنواعها، إلا بعد وصول المرض إلى مراحل متقدمة يصعب إن لم يكن يستحيل فيها تقديم مساعدة فعالة لحماية حياتها، في أحيان كثيرة قد لا يتاح حتى ذلك للمرأة قبل وفاتها جراء المرض.
شيوع ثقافة معادية للمرأة، تضعها في مرتبة متدنية مقارنة بالرجل وتنسب إلى النساء صفات مثل اللاعقلانية والمبالغة، يؤثر سلبًا على الخدمات الصحية المقدمة للنساء حتى في الدول الأكثر تقدمًا. يميل الأطباء إلى التهوين من مدى ما تعانيه النساء من الألم لاقتناعهن بأنهن يبالغن دائمًا. يؤدي ذلك إلى الإهمال في تشخيص الأمراض الخطيرة مبكرًا حتى مع لجوء المرأة إلى استشارة المتخصص. تشيع في الثقافات المختلفة حول العالم أيضًا نظرة تعتبر المتاعب الصحية الناجمة عن الطبيعة البيولوجية والفسيولوجية للنساء أمرًا معتادًا بحيث لا توجد حاجة للتعامل معها. متاعب الدورة الشهرية، والحمل، وما بعد الوضع وفترة ما قبل انقطاع الطمث يتم التهوين منها، ولا تعتبر سببًا في طلب الحصول على خدمة صحية. يمتد التهاون حتى إلى الأطباء أنفسهم، ففي بعض الأحيان لا يهتمون بوصف علاج مناسب إلا في الحالات بالغة الحدة فيما ينصحون غالبية النساء بتحمل الألم كونه جزء طبيعي من كونهن نساء.
ماذا يؤهل تكنولوجيات المعلومات والاتصالات للعب دور في توفير الرعاية الصحية للنساء؟
بدأت التطبيقات الأولى لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات في مجال الرعاية الصحية في الظهور منذ وقت مبكر خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي. ظلت هذه التطبيقات محدودة من حيث القدرة والانتشار لوقت طويل، ولكن في خلال العقود الأخيرة شهدت تكنولوجيات المعلومات والاتصالات تطورًا كبيرًا أصبح معه بالإمكان التوسع في استخدام تطبيقاتها بمعدل أكبر في مجال الرعاية الصحية. أهم مظاهر التطور الأكثر تأثيرًا هي:
- تحسن قدرات معالجة البيانات، مما يسمح لنسبة أكبر من الحواسيب اليوم بأن تتعامل مع قدر كبير من البيانات بسرعة أكبر. هذا له أهمية كبيرة في مجال الرعاية الصحية لأن البيانات المطلوب معالجتها عادة ما تكون كبيرة في حجمها، مع اعتماد حياة المريض أو سلامته على أن يتم تحليل هذه البيانات بأسرع ما يمكن.
- ظهور الخرائط الجينية الكاملة واتساع وجودها حول العالم مما وفر مزيدًا من البيانات التي يمكن بصفة خاصة معالجتها وتحليلها إلكترونيًا للحصول على استبصارات مهمة حول الأمراض الوراثية وكيفية كشفها والتعامل معها.
- انتشار استخدام الحواسيب ووصولها إلى مراكز تقديم الخدمات الصحية بصورها المختلفة (المستشفيات والوحدات الصحية والعيادات الخاصة) سمح بأن تبدأ هذه المراكز في الاحتفاظ بسجلات تفصيلية للمرضى إلكترونيًا مما يتيح مزيدًا من البيانات الخاصة بالتاريخ الصحي للمرضى والتي تساعد التطبيقات الجديدة على تقديم تشخيصات ومقترحات علاج أكثر دقة.
- دخول الروبوتات إلى مجال العمليات الجراحية الدقيقة وتحسن أدائها بمعدل كبير.
- ظهور أعداد متزايدة من نماذج تعلم الآلة Machine Learning الأكثر قوة، والتي يمكنها أن تتعامل مع كم أكبر من البيانات بشكل أكثر مرونة مما يفتح أمامها إمكانيات أوسع لتعقب مسارات مختلفة للتنبؤ بالتشخيص والعلاج المناسبين والمقارنة بينها والخروج بنتائج أكثر دقة في وقت قصير.
- أيضًا تطور نماذج معالجة اللغة الطبيعية Natural Language Processing وظهور نماذج بالغة الضخامة من حيث حجم قواعد البيانات التي يمكنها التعامل معها أدى إلى الوصول حديثًا إلى إمكانية تطوير روبوتات يمكنها فهم الكلام البشري العادي بكفاءة كبيرة وهو ما يتيح لها أن تخوض مناقشة كاملة مع المريض والوصول إلى المعلومات الكافية لتشخيص حالته بدقة أعلى.
ما هي التكنولوجيات الرئيسية التي يمكن أن تساعد في تحسين الرعاية الصحية للنساء؟
تكنولوجيات المعلومات والاتصالات الرئيسية (شبكة الإنترنت، الهواتف الذكية، الذكاء الاصطناعي) غير كل منها بدوره الطريقة التي نمارس بها حياتنا اليومية، الإنترنت أولا ثم الهواتف الذكية، واليوم الذكاء الاصطناعي يدخل مرحلة جديدة من تطوره ومعه ندخل إلى عالم جديد لتطبيقات نماذج معالجة اللغة الضخمة Large Language Models. التطبيقات التي يمكن لكل من هذه التكنولوجيات أن توفره لتحسين الرعاية الصحية للنساء ينبني معظمها على استخدام التكنولوجيات الثلاث معا. تطبيقات الهواتف الذكية تعمل من خلال الاتصال بشبكة الإنترنت، وتحتفظ عادة بأغلب البيانات التي تعمل عليها على السحابة الإلكترونية، والتطبيقات الحديثة للذكاء الاصطناعي يتوالي ظهورها اليوم من خلال مواقع شبكة الإنترنت وفي صورة تطبيقات للهواتف الذكية أيضا. ومن ثم فالتصنيف التالي للتطبيقات المختلفة بين التكنولوجيات الثلاث هو بغرض جعل المناقشة أكثر بساطة ووضوحا، ولكن ينبغي تذكر أن أية تطبيق يتم تصنيفه تحت أي من هذه التكنولوجيات هو على الأغلب يستخدم بقيتها أيضا.
شبكة الإنترنت
غالبية سكان عالمنا اليوم على اتصال بشبكة الإنترنت. في أحوال كثيرة دون حتى ملاحظة ذلك. الإنترنت هي اليوم أكثر من وقت مضى أداة تواصل في اتجاهين، ففي حين يمكن تصفح عدد لا نهائي من المواقع للحصول على المعلومات حول أي شيء قد يخطر ببالك، يمكن اليوم التفاعل مع العديد من المواقع التي تتيح تطبيقات تقدم خدمات عدة كثير منها يمكن تطويعه بشكل شخصي يلائم المستخدم. ويجعل ذلك من الإنترنت وسيطا ممتازا لتوفير العديد من الخدمات ذات الصلة بالرعاية الصحية. ما يميز الوصول إلى هذه الخدمات من خلال شبكة الإنترنت بالنسبة للنساء بصفة خاصة هو الاعتبارات التالية:
- تخطي العوائق الجغرافية، يمكن الوصول إلى أية خدمة صحية على الإنترنت من أي مكان في العالم طالما كان الاتصال بالشبكة متاحا، يساعد ذلك النساء اللاتي لا يمكنهن الحصول على الخدمات الصحية نتيجة لعدم توافرها في النطاق الجغرافي القريب منهن.
- تخطى العوائق الاقتصادية نسبيا، أغلب الخدمات الصحية المقدمة من خلال شبكة الإنترنت أقل تكلفة من مثيله في العالم الواقعي، بما في ذلك خدمات قد تكون مجانية مثل التوعية الصحية، ولكن الحاجة إلى الانتقال للوصول إلى حيث تقدم هذه الخدمة يستتبع تكلفة تفوق قدرة كثير من النساء. على جانب آخر قد تكون بعض الخدمات الصحية المتاحة من خلال الشبكة تتطلب دفع مقابل مادي لها وهو عادة أقل من المقابل المدفوع لنفس الخدمة من خلال مراكز تقديمها وبالتالي فحتى إن لم يجعل ذلك الخدمة متوافرة لجميع النساء اللاتي يحتجنها فهو يجلها متاحة لعدد أكبر منهن.
- تخطي بعض العوائق الثقافية والاجتماعية، طالما لم يتطلب الحصول على الخدمة التواصل المباشر مع طبيب ذكر فقد لا توجد ممانعة في حصول المرأة عليها. يمكن للخدمات المقدمة من خلال الإنترنت تحقيق ذلك إما بأن تكون الخدمة مؤتمتة بشكل كامل دون الحاجة إلى تواصل مباشر مع عنصر بشري من الأساس، أو بأن يكون التواصل مع طبيبة امرأة، فرصة تحقق ذلك أعلى كثيرا من خلال الإنترنت مما هو الحال في الوضع القائم في كثير من الأماكن خاصة أنه لا حاجة إلى أن تكون الطبيبة التي يتم استشارتها موجودة في نطاق جغرافي قريب بل لا حاجة لأن تكون في نفس البلد، وحتى في حال وجود عائق اللغة المختلفة بين الطرفين، فبإمكان الترجمة اللحظية التي تتيحها التطبيقات الحديثة للذكاء الاصطناعي تجاوز هذا العائق بكفاءة أعلى مما كان عليه الحال سابقا.
الهواتف الذكية
جعلت الهواتف الذكية الاتصال بشبكة الإنترنت أكثر سهولة مما كان عليه سابقا وإضافة إلى ذلك جعلت بالإمكان أن تخرج تطبيقات الوب من المتصفح لتستقل بذاتها مما جعل بالإمكان أن يطور كل منها واجهة استخدام أكثر مرونة وثراء. المعتاد أن تعمل تطبيقات الهواتف الذكية من خلال شبكة الإنترنت، ولكن ذلك ليس ضروريا بإمكان هذه التطبيقات أن تحتفظ ببياناتها على الهاتف مما يحفظ عليها خصوصيتها، ولكن ثمة سبل أخرى عديدة للجمع بين الاتصال بالشبكة والحفاظ على الخصوصية مثل تشفير البيانات وغير ذلك.
يمكن القول بأن تطبيقات الهواتف الذكية يمكنها أن توفر جميع ما يمكن أن توفره شبكة الإنترنت بالنسبة للوصول إلى خدمات الرعاية الصحية من خلالها، ولكن الهواتف الذكية تضيف مزيدا من المزايا التي تناسب احتياجات الرعاية الصحية للنساء وتساعد بدورها على تخطي العقبات المختلفة التي تحول بينهن وبين الوصول إلى هذه الرعاية، فتتميز تطبيقات الهواتف الذكية بالتالي:
- التخصص، تميل تطبيقات الهواتف الذكية إلى التخصص في أداء مهام محددة مما يجعل استخدامها أكثر سهولة من تطبيقات الشبكة التي يتطلب الوصول إليها من خلال المتصفح قدرا أكبر نسبيا من المعرفة التقنية وهذا يجعل استخدام هذه التطبيقات أكثر سهولة لقطاع أوسع من النساء.
- مرونة واجهات المستخدم UI يجعل بالإمكان تيسير استخدام التطبيق بالاعتماد على العلامات البصرية التي يسهل التعرف عليها أكثر من الاعتماد على النص المكتوب. وهذا مرة أخرى يسمح لقطاع أوسع من النساء باستخدام هذه التطبيقات بسهولة.
- الخصوصية، الهواتف الذكية أجهزة شخصية تماما لا يتشارك في استخدام أي منها أكثر من شخص مما ييسر للمرأة استخدامها في شؤونها الصحية الخاصة دون خشية أن يطلع عليها غيرها بطريق الصدفة، ولتجنب التطفل المتعمد على البيانات الشخصية يمكن دائما استخدام أي وسيلة من وسائل التأمين البسيطة والسهلة الاستخدام بما في ذلك استخدام بصمة الإصبع والتعرف على الوجه لاستخدام الهاتف.
- تتميز الهواتف الذكية بسهولة وتعدد سبل اتصالها بغيرها من الأجهزة الإلكترونية. كثير من أجهزة الرعاية والمتابعة الصحية الشخصية يمكن أن يتصل بالهاتف الذكي لتخزين البيانات التي يرصدها. أكثر الأمثلة على الأجهزة الصحية الشخصية انتشارا أجهزة قياس الضغط وقياس معدل السكر في الدم، وكلا هذين النوعين من البيانات يفضل تسجيله بصورة دورية لتحليل تطوره، اتصال أي من أجهزة القياس هذه بالهاتف الذكي يتيح نقل البيانات المسجلة تلقائيا إلى الهاتف ومع وجود تطبيق مناسب يمكن تحليل هذه البيانات والتنبيه إلى أي مؤشرات خطر تتعلق بها.
الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي هو مجال التكنولوجيا الأسرع تطورا في وقتنا الحالي وهو قد عبر مؤخرا عتبة هامة على طريق تطوره مع ظهور النماذج الضخمة لمعالجة اللغة الطبيعية. هذه النماذج تسمح اليوم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وخاصة روبوتات المحادثة Chatbots بأن تفهم وتنتج نصوصا لغوية غير معروفة لها سابقا مما يعني أن بإمكانها الدخول في حوار مع المستخدم بصورة لا تختلف في أغلب الأحيان عن محاورة شخص آخر. هذه التقنية الجديدة إضافة إلى كثير غيرها مما سبق تطويره في مجال الذكاء الاصطناعي يسمح بأن يكون له دور بالغ الأهمية في تطبيقات لا حصر لها في مجال الرعاية الصحية، وبالنسبة للنساء يمكن للذكاء الاصطناعي التغلب على العديد من العوائق التي تحول دون وصولهن إلى خدمات رعاية صحية ملائمة، ومن ذلك ما يلي:
- القدرة على تحليل قواعد بيانات ضخمة بسرعة فائقة، كثير من خدمات متابعة الحالة الصحية للنساء بصفة خاصة تعتمد على أمرين، تجميع وتحليل بيانات ومؤشرات صحية متعددة، والمقارنة بين بيانات أكبر عدد ممكن من النساء. يساعد ذلك على تطوير سبل تعامل مع المتاعب الصحية المتكررة بشكل دوري مثل تلك المتعلقة بالدورة الشهرية وما قبلها، والمتعلقة بالحمل وبفترة ما قبل انقطاع الطمث. ستساعد القدرات المتزايدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي على عزل عوامل مؤثرة على مدى معاناة النساء مع هذه المتاعب المتكررة، مثل هذه العوامل لم يكن بالإمكان التوصل إليه سابقا لكثرة وتعقيد البيانات وعدم إمكان معالجة قدر كاف منها وهو ما أصبح بإمكان تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحقيقه.
- يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تقضي على بعض من الصور النمطية التي تجعل حصول النساء على الخدمات الصحية أكثر تعقيدا بالتدليل على وجود أساس موضوعي لشكوى النساء من متاعب صحية دورية. إذا اعتمد تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على قواعد بيانات كبيرة وفي نفس الوقت سابقة الفلترة لضمان قدرا مناسبا من عدم الانحياز الثقافي فسيكون بإمكان هذه التطبيقات الاستجابة بصورة أكثر موضوعية مع شكاوى النساء مقارنة باستجابات الأطباء التي لا يمكن تجنب الانحيازات الثقافية فيها.
- يعتمد التشخيص المبكر لعديد من الأمراض الأكثر خطورة والتي تصيب النساء إما حصرا (الأمراض المتعلقة بالجهاز التناسلي) أو بنسبة أكبر كثرا من الرجال (سرطان الثدي) على تحليل بيانات رقمية ومصورة شديدة التعقيد وهو ما يرفع احتمال الإخفاق في هذا التحليل عندما يقوم به متخصص. في المقابل يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التعامل بسهولة مع قدر كبير من البيانات في صور مختلفة (نصية ورقمية ومصورة)، بصفة خاصة يمكن لهذه النماذج قراءة صور الأشعة الضوئية والمقطعية والرنين إلخ بدقة أكبر. إضافة إلى ذلك في حال تم توصيل أجهزة الأشعة مباشرة بحواسيب تستخدم نماذج ذكاء اصطناعي يمكن لتلك النماذج التفاعل مع الأجهزة بصورة لحظية لتوجه عملية جمع البيانات ثم تقوم بتحليلها والخروج بنتائج دقيقة في وقت قياسي.
- يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة أن تكون بديلا لمتخصصي الرعاية الصحية في المحاورة المبدئية مع المرضى للوصول إلى تشخيص أولي. بالنسبة للنساء يسمح ذلك بالحصول على خدمات استشارات صحية بسهولة أكبر وبتكلفة أقل إضافة إلى تخطى الممانعة الاجتماعية سواء للانتقال إلى عيادة الطبيب أو الحصول على زيارة منزلية.
- التطور الكبير في الروبوتات المساعدة في العمليات الجراحية الدقيقة جعل بإمكان عديد من الجراحين إجراء عمليات بالغة الدقة إما لم يكن بالإمكان إجراءها سابقا، أو كانت محصورة بعدد محدود من الجراحين ذوى مهارات خاصة وخبرة طويلة. إضافة إلى ذلك بعض هذه الجراحات أصبح بالإمكان المساعدة على إجرائه عن بعد. في حالة النساء كونهن عرضة في حالات كثيرة للاحتياج إلى إجراء عمليات جراحية متفاوتة التعقيد بشكل مفاجئ، كما هو الحال في تطور عمليات الوضع من طبيعي إلى قيصري دون ترتيب مسبق أو ضرورة التدخل السريع لإجراء جراحة للجنين في رحم الأم لإنقاذ حياته إلخ، توفر حلول التشخيص الدقيق والجراحة عن بعد التي تقدمها نماذج الذكاء الاصطناعي فرصا إما لتجنب أن تكون مثل هذه التطورات مفاجئة أو للتعامل معها بسرعة.
جوانب الرعاية الصحية التي يمكن للتكنولوجيا المساعدة في تحسينها
يمكن لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات أن تتدخل في جميع جوانب عملية تقديم خدمات الرعاية الصحية سواء كانت سابقة على حدوث المتاعب الصحية (التوعية والمتابعة الدورية) أو لاحقة عليها (التشخيص المبكر، تقديم الاستشارة الصحية، وصف العلاج الدوائي أو غيره من السبل، مباشرة تقديم العلاج ومتابعة تطور الحالة الصحية، التدخل الجراحي)، أو تالية على التعامل معها (المتابعة اللاحقة للشفاء، الدعم والاستشارة النفسية). في التالي تتناول الورقة بشكل مختصر هذه الجوانب وما يمكن لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات تقديمه في كل منها لتحسين الخدمات الصحية المقدمة للنساء والتغلب على معوقات وصولهن إليها.
التوعية الصحية
شبكة الإنترنت مصدر ممتاز لنشر المعلومات التوعوية، ويمكن استخدامه بالذات في نشر الوعي الصحي المتعلق بالنساء على وجه الخصوص نظرا لأن كثيرا من جوانب حياتهن اليومية يمكن أن يؤثر بقدر كبير على صحتهن. أمور كثيرة تتراوح ما بين أداء الأعمال المنزلية اليومية بصورها المختلفة وبين التعامل مع الأطفال والتوفيق بين العمل المنزلي والعمل خارج المنزل، جميعها يمكن توعية النساء لعوامل تتعلق بها وتؤثر بشدة على صحتهن. من أمثلة تلك العوامل، المواد المستخدمة في أعمال النظافة المنزلية ومدى خطورة بعضها على الصحة، طرق الطبخ وأعداد الطعام وما قد يشكله بعضها من مخاطر على الصحة، التعامل مع دورة العمليات الفسيولوجية المتعلقة بالدورة الشهرية والحمل والولادة وما بعدها وفترة ما قبل انقطاع الطمث.
يمكن لعديد من الجهات سواء كانت منظمات بين-حكومية دولية مثل منظمة الصحة العالمية، أو هيئات حكومية مثل وزارات الصحة والأجهزة التابعة لها وكذلك المنظمات غير الحكومية أن تستخدم شبكة الإنترنت للوصول إلى أكبر عدد ممكن من النساء خاصة إذا ما اهتمت باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي واستخدم وسائط مرئية ومسموعة إلى جانب النصوص المقروءة. يمكن أيضا لهذه الجهات أن تقدم توعية مخصصة بتوفير إمكانية الإجابة على تساؤلات النساء.
تضيف الهواتف الذكية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إمكانيات أكبر لتخصيص التوعية الصحية المقدمة للنساء. مثل تلك التطبيقات يمكنه أن يقدم توعية مبنية على بيانات شخصية تدخلها المستخدمة ومن ثم تطويع هذه التوعية لتلائم الكثير من الظروف الشخصية لها، بما في ذلك مستوى التعليم ومستوى الدخل والمعوقات الاجتماعية التي قد تحول دون تنفيذ نصائج بعينها. تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسمح بأن يتم جمع البيانات من خلال حوار مع المستخدمة مما يجعل ذلك سهلا بالنسبة لغالبية النساء.
المتابعة الدورية والتشخيص المبكر
الجمع المستمر لبيانات ومؤشرات صحية له أهمية بالغة في التعامل تحديدا مع المتاعب الصحية التي قد تتعرض لها النساء حصرا أو بمعدل أكبر من الرجال. يمكن لتطبيقات الهواتف الذكية التي تسمح للمرأة بتسجيل بيانات حول الدورة الشهرية أو قياسات الضغط ومعدل السكر في الدم أن تساعد المستخدمة في متابعة حالتها الصحية دون الحاجة إلى تذكر تفاصيل مر عليها فترة من الزمن. يمكن أيضا لهذه التطبيقات تحليل البيانات المسجلة وتقديم نصائح مبدئية بناء عليها لتجنب المتاعب الصحية، كما يمكن في حال ارتبط التطبيق بجهات تقديم خدمات صحية أن يقدم للمستخدمة استشارة من طبيب بناء على البيانات التي جمعها.
الجمع الدوري والمستمر لبيانات ومؤشرات صحية أساسية يمكن في حالات كثيرة أن يؤدي إلى التشخيص المبكر للأمراض. يمكن أيضا لتطبيقات الهواتف الذكية أن تذكر المستخدمة بإجراء عمليات مثل الكشف الذاتي لاكتشاف أورام الثدي أو التهابات المهبل والرحم وغيرها، كما يمكن أن تقدم توعية بكيفية القيام بهذه العمليات. بعض الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تسهل إجراء الكشف الذاتي أصبحت متاحة في بعض الدول والبعض الآخر في دور التطوير والاختبار. مع وجود هذه الأجهزة يمكن أيضا ربطها بالهواتف الذكية لتخزين البيانات وتحليلها وإرسالها إلى جهات تقديم الخدمات الصحية (بناء على اختيار المستخدمة).
الاستشارة الصحية والعلاج
يمكن لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات أن تساعد في تقديم الاستشارة الصحية والعلاج بدرجات متفاوتة من تدخل العنصر البشري. بعض الحالات يمكن فيها مع توافر تطبيقات متقدمة إضافة إلى بساطة الحالة المراد التعامل معها أن يتولى تطبيق للهاتف الذكي عملية التشخيص وتقديم علاج مناسب. في حالات أخرى يمكن للتطبيقات أن تساعد الطبيب في عملية التشخيص وتقديم العلاج واختصار كثير من الوقت والجهد.
في حالة النساء يمكن أن يكون توافر مثل هذه التطبيقات فاصلا بين الحصول على الخدمة الصحية المناسبة في الوقت الصحيح أو عدم الحصول عليها على الإطلاق، فمع عدم الحاجة إلى عنصر بشري في بعض الحالات أو تحجيم التواصل معه أو توسيع نطاق الاختيار فيما يتعلق بهذا العنصر البشري يمكن تخطي كثير من العوائق الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون انتقال المرأة لزيارة طبيب أو انتقاله لزيارتها.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة يمكن أن يكون لها دور حاسم في مساعدة الأطباء على تشخيص الأمراض التي يصعب التمييز بين أعراضها أو التي يكون لها أعراض معقدة وتعتمد في تمييزها على دراسة التاريخ الصحي للمريض والظروف البيئية المحيطة به. في حالة النساء توفير هذه المساعدة حاسم نظرا لأن جمع وتحليل هذه البيانات قد يكون مستحيلا في حالة أغلبهن، كما قد يكون التعامل المباشر مع الطبيب إما صعبا أو ربما مستحيلا.
التدخل الجراحي
حالات الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتوفير خدمات الجراحة عن بعد قد أصبحت متكررة اليوم. وكما سبق الإشارة يمكن لتلك التكنولوجيات أن تكون حاسمة في إنقاذ حياة كثير من النساء نظرا لإمكان أن يكون احتياجهن لتدخل جراحي دقيق مفاجئا وغير معد له مسبقا. في أحيان كثيرة لا يحتاج الأمر أكثر من التواصل مع جراح متخصص يستحيل أن يتواجد بنفسه حيث توجد المريضة التي تحتاج إلى خبرته على وجه عاجل. يمكن لهذ الجراح أن يوجه ممارسا عاما أو حتى ممرضة للقيام بالإجراءات المطلوبة لمواجهة الحالة الطارئة.
في حالات أخرى تكون ثمة حاجة إلى معدات متقدمة حتى يمكن القيام بالإجراء الجراحي. توافر هذه المعدات يمكن أن ينقذ كثيرا من الأرواح نظرا لإمكان أن تؤدي الجراحة المطلوبة دون تدخل طبيب أو بتدخل محدود من الطبيب دون الحاجة إلى وجوده في المكان.
المحاذير والاحتياطات
تدور كافة سبل استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في تقديم خدمات الرعاية الصحية للنساء حول تسجيل وتخزين ونقل بيانات أغلبها شخصي وبعضها بالغ الحساسية. وعندما يتعلق الأمر بالنساء فمساحة ما هو شخصي وما يتصف بالحساسية أوسع بكثير مما عليه الحال بالنسبة للرجال. الحق في الخصوصية بالنسبة للنساء في كل مكان في العالم أكثر عرضة للانتهاك مما هو عليه الحال بالنسبة للرجال. بالتالي لا يمكن تجنب أن يكون من بين عوائق إقبال النساء على استخدام تطبيقات التكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية خوفهن من أن تصبح بيانات شخصية ذات حساسية عرضة لأن تصل إلى من لا يحق له الاطلاع عليها خاصة إذا ما أردن تحديدا ألا يطلع عليها أشخاص بعينهم.
ثمة سبل عديدة لتأمين البيانات بحيث تظل محصورة في دائرة محدودة بموافقة وقبول صاحبتها. التأكد من اتباع الجهات التي تقدم التطبيقات التكنولوجية لهذه السبل بقدر كاف من حيث النوعية الملائمة والموثوقية أمر ضروري. المشكلة أنه إذا ترك ذلك للنساء أنفسهن فغالبيتهن لا يملكن المعرفة المطلوبة ليتأكدن بأنفسهن من أن الجهة التي توفر التطبيق تتبع الإجراءات الصحيحة لتأمين بياناتهن وأنها هي نفسها لا تجمع أية بيانات أكثر مما تحتاجه الخدمة المقدمة وأنها لا تشارك أي من هذه البيانات مع جهات ثالثة دون الحصول على موافقة موثقة من صاحبة البيانات.
ما سبق يستدعي أن يكون هناك قواعد محددة وواضحة وشروط لتقديم خدمات الرعاية الصحية من خلال التطبيقات التكنولوجية، مثل هذه القواعد قد تحتاج إلى صياغتها في صورة قوانين أو قرارات إدارية أو مدونات سلوكية أخلاقية حسب مدى خطورتها وضرورة توافر قدر من الردع العام لضمان تحققها. ويستلزم ذلك من جهات عدة أن تضطلع بمسؤوليتها تجاه تنظيم مجال توفير خدمات الرعاية الصحية للنساء بواسطة تطبيقات تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. في مقدمة هذه الجهات المجالس التشريعية والوزارات الحكومية ذات الصلة. ولكن الطبيعة العابرة للحدود لتطبيقات تكنولوجيات المعلومات والاتصالات تستدعي أيضا دورا دوليا في توفير قدر من التنظيم والرقابة.