في يوم الاثنين 16 آذار/مارس 2020، قررت وزارة التربية والتعليم المغربية إيقاف الدراسة بجميع الأقسام والفصول، في إطار التدابير الاحترازية الرامية إلى الحدّ من العدوى وانتشار وباء كورونا.
وفي حين كان المغرب واحداً من بين الدول التي أغلقت المدارس بشكل تامّ أو جزئي واعتمدت الدراسة عن بُعد، أثّر هذا سلباً على الطلّاب في البوادي والمناطق النائية التي لا تصلها تغطية شبكة الإنترنت والطلّاب الذين لا يستطيعون شراء الأجهزة الإلكترونية.
مناطق كاملة في عزلة رقمية
في إطار تفعيل التعليم عن بُعد، أعلنت وزارة التعليم المغربية، في 12 حزيران/يونيو 2020، عن بعض الإجراءات مثل إطلاق “منصّة التلميذ” (TelmidTICE) التي توفّر المضامين التربوية للتلاميذ. ولكنّ الوزارة لم تخبر أهل البوادي كيف سيصلهم التعليم الإلكتروني وهم يعانون من غياب شبكات الهاتف المحمول والإنترنت أو ضعفها، فضلاً عن عجزهم عن اقتناء الأجهزة الإلكترونية.
وفي هذا الصدد، كشفت “المندوبية السامية للتخطيط”، وهي مؤسسة الأبحاث الحكومية في المغرب، أنّ 83.5% من الطلّاب في التعليم الأوّلي لم يتابعوا الدروس عن بعد (79.1% منهم في الوسط الحضري و94.6% في الوسط القروي) خلال فترة الحجر الصحي، الذي فرضته الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد-19.
على سبيل المثال، يعاني بعض سكّان منطقة تيمنكار في إقليم الحوز (وسط المغرب، شرق مراكش) من غياب كامل لشبكة الاتصالات والإنترنت، ما يُحتّم عليهم التنقّل إلى مناطق بعيدة وصعود بعض المرتفعات الصخرية المجاورة من أجل إجراء الاتّصالات الهاتفية. يُطالب هؤلاء السكان بتوفير شبكة اتّصالات لائقة وانتشالهم من العزلة المعلوماتية.
تكريس الفوارق في الوصول إلى التعليم
كشف انتشار فيروس كورونا عن انعدام المساواة في الوصول إلى التعليم في المغرب. فبعد أن كان تلاميذ القرى والبوادي المغربية مرغمين على قطع كيلومترات من أجل الوصول إلى مدارسهم البعيدة، بالإضافة إلى افتقار هذه المدارس إلى أبسط شروط الاستقبال كالإنارة ودورات المياه والماء الصالح للشرب، وجد الطلّاب أنفسهم أمام عائق آخر يتمثّل في غياب الإنترنت لمتابعة التعليم عن بُعد.
يقول المدرّس شكري (اسم مستعار)، لـ”سمكس”، إنّ “القرية التي أعمل فيها تعاني من تغطية ضعيفة للإنترنت، وبعض المناطق لا توجد فيها تغطية على الإطلاق وتجد صعوبة حتى في إجراء المكالمات الهاتفية، فكيف الحال عند الاتّصال بالإنترنت”.
يؤكّد شكري أنّ “الأهداف المنشودة من التعليم عن بُعد لا تتحقّق لعدم قدرة الطلّاب على متابعة كامل البرنامج الدراسي اليومي بسبب ضعف الإنترنت”. ويعيد ذلك إلى ضعف الإقبال على الحصص الدراسية عن بُعد، خصوصاً من قبل التلاميذ الذين يعانون من ضعف شبكة الإنترنت، ما يتسبّب في تفاوت وصول الطلّاب إلى الحصص الدراسية.
الحلول متوفّرة ولكنّها ليست سهلة
منذ إقرار التدابير الاحترازية على مستوى المؤسّسات التعليمية للحدّ من انتشار فيروس كورونا، توالت بيانات وزارة التعليم المغربية حول اتّخاذها التدابير اللازمة لضمان استمرارية التعليم عن بُعد. ولكنّ الكثير من هذه الأمور لم يحصل في الواقع.
تقترح زينب بوزار، منسّقة “مشروع الحق في الحصول على المعلومات كآلية للترافع والحكامة الجيدة” في “جمعية سمسم – مشاركة مواطنة“، مجموعة من الخطوات والحلول الناجعة لضمان ولوج فعّال للجميع بالتساوي للدروس عن بُعد.
وتقول في مقابلة مع “سمكس” إنّه “من الضروري في بداية الأمر توصيل الإنترنت إلى المجال الجغرافي القروي، وإجراء دراسة إحصائية تحدّد عدد التلاميذ في هذه المناطق من أجل تزويدهم بالوسائل الإلكترونية (هاتف ذكي، أو حاسوب، أو لوحة إلكترونية) لمتابعة الدروس عن بُعد”.
في السياق ذاته، يقترح إسماعيل مرجي، في دراسته حول “التجربة المغربية في التعليم عن بعد”، توفير أجهزة لوحية إلكترونية للطلّاب بخاصّةٍ في القرى، وتوفير خدمات المنصّات التعليمية مجاناً لضمان مجانية التعليم، وتدريب المدرّسين على تكنولوجيا الإعلام والاتصال لكي ينتجوا موارد رقمية تحقّق أهداف التعليم عن بُعد، وتدريب الطلّاب على كيفية استثمار المنصات التعليمية والموارد الرقمية.
ولكنّ هذه الإجراءات تتطلّب وقتاً وجهداً وتخطيطاً، ولذلك يعتبر مرجي أنّ التعليم عن بُعد لا يمكن أن يعوّض التعليم الحضوري نظراً للتفاوت في الموارد البشرية والموارد المادّية بين المناطق القروية والحضري، معتبراً أنّ التعليم عن بُعد بصورته الحالية “يمكن أن يكون مكمّلاً ومعزّزاً للتعليم الحضوري”.
وإلى حين تطبيق هذه الإجراءات، ولتفادي تأخّر الطلّاب عن متابعة العام الدراسي، تقترح بوزار، الباحثة في مجالي التواصل السياسي والعلوم السياسية، أن تُبَثّ الدروس التعليمية في القنوات التلفزيونية الرسمية.
مع استمرار جائحة كورونا، هل تكتفي الحكومة المغربية بالترقيع أم تلجأ إلى إعداد خطّة متكاملة تقوم على توفير البنى التحتية اللازمة للمناطق المهمّشة، ووضع خطّة للتعليم عن بُعد؟
الصورة الرئيسية من Antonio Cinotti على “فليكر”.