لم تكن وهيبة خرشيش، الضابطة التي رفضت الإذعان لتحرّشات رئيسها في العمل، تعتقد أن يتم الانتقام منها عبر تصويرها وهي عارية برفقة ابنتها القاصر أثناء إقامتهما في أحد فنادق العاصمة الرباط، لتتعرّض فيما بعد للابتزاز عن طريق التهديد بنشر الفيديو ما لم تتراجع. بعد ذلك نشر أحد المواقع المقربة من أجهزة الأمن فيديو نُسب إليها، تقول إنّه “مجتزأ ومحوّر ومفبرك ولا أساس له من الصحة”.
كانت خرشيش تُشرف على خلية مناهضة العنف ضد النساء في أحد مخافر الشرطة بمدينة أزمور المغربية. وبعد تواتر الضغط عليها وعلى عائلتها، غادرت البلاد رفقة ابنتها بشكل مفاجئ وبطريقة غير قانونية عن طريق مدينة مليلة المحتلة، حيث حصلت على اللجوء الإنساني في إسبانيا، ثم التحقت بزوجها بالولايات المتحدة الأمريكية.
يبدو أنّ أسلوب التجسس والتشهير الإعلامي وانتهاك الحق في الخصوصية والابتزاز بمنشورات جنسية أصبح مُتّبعاً في ملاحقة النشطاء في المغرب والضغط عليهم وابتزازهم. فؤاد عبد المومني، الخبير الاقتصادي والحقوقي المعروف بانتقاده للقصر الملكي، تعرّض كذلك للابتزاز بعد تصويره في غرفة نومه في وضع حميم مع شريكته وإرسال الفيديو له ولأقاربه. أمّا الصحفي والمؤرخ المعارض معطي منجب المعتقل تعسفيًا على خلفية “تهم ملفقة” منذ 29 كانون الأوّل/ديسمبر 2020، كان قد صرّح لـ”سمكس” “أنّه يعيش تحت المراقبة اللصيقة منذ 2014، وأنّ بعض مكالماته وحتى صوره الملتقطة بشكل خفي في الشارع العام تُنشر في إعلام ’التشهير‘ المقرّب من أجهزة الأمن بشكل محوّر ومجزأ بهدف الإساءة إليه”.
تهديدات ومراقبة لصيقة
بعدما قرّرت خرشيش البوح بالتحرّش الذي تتعرّض له، تزايدت الضغوط عليها من أجل التراجع عن اتّهام رئيسها في العمل بالتحرّش، وهو شخصية نافذة. نقلت إدارة الأمن مقرّ عملها إلى مدينة بنغرير التي تبعد عن مكان سكنها حوالي 130 كلم، كما أنّ “هاتفي أصبح مراقباً، حيث كنت أجد بعض مكالماتي منشوراً في صحف ومواقع التشهير، أو متداولاً في أحاديث بعض زملاء العمل. وأعتقد كذلك أنّ سيارتي زُرعت فيها آلة تسجيل وتحديد المواقع (GPS)، وفقاً لمصادري من داخل إدارة الأمن”.
وعن الفيديو الذي نُشر، توضح أنّ “جهات اتّصلت بزوجي المقيم في الولايات المتّحدة الأميركية مدّعية أنّ زوجته (أنا) على علاقة بنقيب المحامين السابق والمدافع عن حقوق الإنسان المعارض محمد زيان، وأنّ لديهم فيديو جنسي منسوب لنا”. تنفي خرشيش كلّ هذه الادّعاءات، قائلةً إنّها وزوجها تلقّيا تهديدات “باختطاف ابنتنا ما لم أصمت عن قضية التحرّش ابتداء من نهاية عام 2018”.
وبعد المحاكمة غير العادلة، “طلبتُ إذناً لمغادرة البلاد وإعفائي من منصبي كضابطة، لكنّ إدارة الأمن رفضت ذلك ومنعتني من السفر، فلم يبق لي خيار سوى الفرار من المغرب رفقة ابنتي من جحيم المضايقات الأمنية والتجسس وانتهاك حياتي الخاصة”، تقول خرشيش.
تاريخ من الاستدراج والابتزاز
زكرياء المومني، وهو ملاكم سابق وناشط حالي، كان يتلقّى رسائل متعددة عن طريق “واتساب” تهدّده بنشر صور يظهر فيها عارياً، يتّهم وزارة الداخلية وجهاز المخابرات المغربيين بفبركة فيديو جنسي له.
بدأت معاناة المومني مع انتهاك الحق في الخصوصية في المغرب منذ عام 2010، حيث اعتُقل وعُذيب بتهمة “النصب” بعد انتقاده للديوان الملكي، وفق تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في 25 نيسان/أبريل 2011، قبل أن يرحل إلى فرنسا.
في عام 2013 جاء المومني من فرنسا إلى المغرب برفقة زوجته من أجل لقاء الملك محمد السادس، بعد “اقتراح من وزير الداخلية آنذاك امحند العنصر الذي كان على تواصل مستمّر معي بين عامي 2012 و2013″، كما يقول لـ”سمكس”. “ولكنّني لم ألتقِ الملك بل عُرض عليّ مقابلاً مادياً ضخماً لشراء صمتي عن جرائم التعذيب التي طالتني خلال فترة اعتقالي التعسفي”. رفض مؤلف كتاب “الرجل الذي أراد التحدث مع الملك” الأمر، وتمسّك بمطلب محاكمة المسؤولين عن مأساته، كما يقول.
بعد ذلك، وفي عام 2014، يكشف المومني أنّه “وصل إليّ شريط جنسي منسوب لي على ’واتساب‘، وهو شريط مفبرك في جزء منه. وعلمت بعدها أنّ الكاميرا التي استعملت لتصويري كانت بداخل تلفاز غرفة فندق ’تور حسان‘ الذي دعاني إليه وزير الداخلية امحند العنصر”.
حينذاك، نفى وزير الداخلية المغربي الاتصال بالمومني، وصرّح بعد عام على الواقعة بأنّه لا يعرفه و أنّ “ما يحكيه فيلم سينمائي”. لكنّ الوزير نفسه عاد و اعترف من تلقاء نفسه بلقاء المومني، في برنامج تلفزيوني في عام 2015، كما أنّ الملاكم السابق نشر مكالماته مع الوزير التي وثّقها صوتياً على حسابه على “يوتوب“.
سلاح يفقد فعاليته؟
بعدما أصبح التشهير أحد أبرز أدوات المنظومة الإعلامية المدعومة من جهاز الأمن المغربي لقمع المعارضين والمنتقدين للحكم الملكي المطلق، استطاعت السلطة أن تؤثّر مرحلياً على سلوك جزء من النخب السياسية والإعلامية والحقوقية من خلال التهديدات.
ولكنّ الإيجابي في الأمر أنّ سلاح التشهير والابتزاز الجنسي ربما بدأ يفقد فعاليته وتأثيره ،بعد خروج عدة ضحايا لإدانته مثل الضابطة خرشيش والمحامي محمد زيان والحقوقي فؤاد عبد المومني.
ينصّ الدستور المغربي في فصله 24 على أن لكل “شخص الحقّ في حماية حياته الخاصة”. كما يعاقب القانون الجنائي في مادته 447 “بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من ألفي درهم مغربي إلى 20 ألف درهم، كل من قام عمداً، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بثّ أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سرّيّ، دون موافقة أصحابها. ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمدا وبأي وسٌلة، بتثبٌت أو تسجٌل أو بث أو توزٌع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته”. ولذلك، يصبح على السلطات أن تلاحق من يقوم بهذه الأفعال الجرمية بحقّ النشطاء، وعلّها تبدأ بالمحاسبة من داخل بيتها أوّلاً.
الصورة الرئيسية قبل التعديل من موقع “أنسبلاش.