بيروت، لبنان، 15 نوفمبر 2022، في إطار النسخة الخامسة من ملتقى “خبز ونت” والتي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد غياب أكثر من عامين بسبب جائحة كورونا، استضفنا “محمود المصري“، وهو ناشط حقوقي ومدافع عن الحقوق الشخصية وحقوق اللاجئين/ات ومجتمع الميم وغيرهم/ن في منطقة شرق آسيا وشمال أفريقيا منذ أكثر من 10 سنوات، ويعمل حالياً مع مؤسسة “وتنس” (Witness) كمنسق اتصالات برامجية.
في جلسة مدتها ساعة، تحدث محمود عن تكنولوجيا التزييف العميق، خطورتها، وكيف يمكننا توخي الحذر منها.
استهل المصري الجلسة بتعريف التزييف العميق وأشكاله المختلفة، وأشار إلى أنه يتيح التلاعب بالمواد واختلاق الأحداث وتطوير الأدوات التي تسهل انتشاره، فعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد أنواع متعددة للتزييف العميق مثل خلق وجه إنسان أو حيوان من العدم، وتحريك المجسمات أو إضافتها إلى الفيديوهات أو الصور، وتغيير الخلفيات في الفيديوهات. تستطيع هذه التقنية أيضاً تغيير صور الأشخاص وتحويلهم من ذكور إلى إناث أو العكس، بالإضافة إلى تحريك الشفاه أو تغيير حركتها في مقاطع الفيديو ليبدو الشخص وكأنه يقول كلاماً محدداً.
كل ذلك يجعلنا ندرك أن إمكانيات التزييف العميق تتمثل في:
- القدرة على تعديل الفيديوهات بشكل كامل كما يحدث مع الصور
- صنع صوت أو صورة لشخص غير موجود في الواقع
- التلاعب بالفيديو بطريقة تجعل الشخص يبدو وكأنّه يقول كلاماً لم يقله فعلياً
تتمثل المخاوف الرئيسية لانتشار التزييف العميق في التأثير على استخدام الفيديو كدليل، خاصّة على الفئات المهمّشة مثل النساء والأطفال ومجتمع الميم، والأقليات الدينية والعرقية، بالإضافة إلى زيادة العبء على الصحافيين/ات ومدققي/ات الحقائق الذين يعانون من نقص الموارد. تؤثّر هذه التقنية أيضاً في ثقة الجمهور في المحتوى المقدم، ويسمح بتزييف فيديوهات بغرض استهداف الأفراد. ويضيف المصري “لا تزال المواد المقتصة من سياقها والمعاد نشرها، هي الأكثر انتشارًا وتأثيرًا”. كذلك يعتبر التزييف العميق تعلم آله فتتطور إمكانياته ويتفادي الأخطاء بمرور الوقت، وهذا يضاعف من إمكانية الخطر الذي يمكن أن يشكله مستقبلاً، خاصة مع انتشار الفيديوهات ونشرها بشكل غير واعٍ في أحيان كثيرة على وسائل التواصل.
لماذا ينتشر التزييف العميق؟
هناك أسباب عديدة تسهّل من انتشار المحتوى الزائف على الإنترنت، مثل عدم الوعي بأن هذا المحتوى زائف، أو رغبة بعض الأشخاص في في زيادة عدد متابعينهم/ن، أو خدمة لأهداف وأجندات خاصة للبعض، أو رغبة في الانتقام. ويضيف المصري أنّ تطوير المحتوى الزائف لا يحتاج إلا إلى وجه الشخص، كما أنه من السهل تعديل التفاصيل في المقاطع، أو تغيير البيئة كاملةً حتى.
يقول الناشط الحقوقي إنّ المشكلة تكمن في أصل وجود تقنية كالتزييف، واستطاعة أيّ كان في تصنيف ما يراه على أنه تزييفٌ عميق، ويضيف أن هناك تحديات كثيرة لنشر المحتوى على الإنترنت مقارنة بالمحتوى التلفزيوني الذي يمرّ بأكثر من مرحلة للخروج بمحتوى موثوق، وهذا لا يحدث دائماً مع محتوى الإنترنت. لذلك، يجب أن تهتم المؤسسات المعنية بإقامة حملات توعية حول كيفية استهلاك المعلومات من قبل المستخدمين/ات.
كيف نحد من انتشار المحتوى الزائف؟
يجب أن ندرك أن هذا النوع من المحتوى موجود فعلاً وأن هناك طرقاً كثيرة لمواجهة هذه المشكلة، أولها معرفة طبيعة ما نشاركه جيداً، والاستقصاء حول صحة الفيديوهات، وأن نسأل أنفسنا حول سبب وجود هذا النوع من الفيديوهات، وفقاً للمصري. على سبيل المثال، قد نرلى منشوراً حول انفجار في صنعاء، مع أنه في الواقع حدث في أفغانستان.
ويؤكّد المصري أنّه من الهام جداً أن يدرك الصحافيون/ات حدود التزييف العميق وإلى أي مدى يمكنه أن يصل.
“التحقق من المعلومات ليس سهلاً دائماً، والسبب هو اختلاف السياقات والثقافات. لا بدّ للجمهور أن يدرك ذلك”، يضيف المصري، ويذكر مثالاً متكرراً عن الانتقام من النساء باستخدام تقنيات التزييف العميق: عندما ترشحت امرأة عراقية في الانتخابات البرلمانية، عمد البعض إلى اختلاق مقطع فيديو إباحي لها كنوع من الضغط لكي تسحب ترشحها.
ويشير مسؤول الاتصالات في “وتنس” “يبدأ الأمر وينتهي بالأشخاص، لذا علينا بالتفكير النقدي والتأني قبل مشاركة أي محتوى على الإنترنت، ثم التأكد من المصدر الذي نشر المعلومة، والأهم أن نكون قادرين على معرفة ما إذا كان هذا الفيديو حقيقي أم لا.
في حال لم تكن قادراً على التحقق من صحة الفيديو، يمكنك أن تحاول البحث في الخلفية. إذا كان هناك واجهات متاجر ظاهرة في الفيديو مثلاً، يمكنك البحث والتحقق من وجودها في المكان المذكور حقاً. ولمزيد من طرق البحث والتقصّي، يمكنك استخدام أدوات التحقق من الصور والفيديو مثل “غوغل” للصور أو “فرست درافت نيوز” First draft news و”سيتيزن إيفدنس” citizen evidence و”بيلينغ كات” bellingcat وغيرهم.