ألغت شركة “زوم” (Zoom)، في 23 أيلول/سبتمبر، ندوة عبر الإنترنت تشارك فيها العضو في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، ليلى خالد، وينظّمها “مركز دراسات الإثنيات العربية والإسلامية والمغتربين” (AMED) في جامعة ولاية سان فرانسيسكو. بعد الإعلان عن الندوة عبر “فيسبوك”، أطلقت بعض المجموعات اليهودية والصهيونية حملات واحتجاجات ضدّ الندوة الحوارية بسبب عضوية خالد في الجبهة الشعبية، التي تصنّفها الولايات المتّحدة الأميركية على أنّها “منظمة إرهابية” منذ العام 1997، كما وبسبب مشاركتها في عمليّتَيْ خطف للطائرات في العامَيْن 1969 و1970. ونتيجة الضغوط، عمدت “زوم” التي تشتهر بأنّها منصّة لعقد المؤتمرات عبر الفيديو إلى منع مركز الدراسات من استضافة الندوة الرقمية، مبرّرة ذلك بأنّ “الندوة تنتهك سياسة الشركة”.
أكّد المنظّمون في جامعة ولاية سان فرانسيسكو أنّ منصّة “زوم” ألغت الندوة، مشيرين إلى أنّ “’زوم‘ هدّدت بإلغاء هذه الندوة الرقمية وقمع السرديات الفلسطينية”. وبعد أن منعت “زوم” عقد الندوة عبر منصّتها وأزالت شركة “فيسبوك” الدعوة من صفحة “مركز دراسات الإثنيات العربية والإسلامية والمغتربين”، عرض المركز جزءاً من مشاركة ليلى خالد على موقع “يوتيوب” قبل أن يوقِف هو الآخر البث المباشر.
شرحت “زوم” الأساس الذي استندت إليه ردّاً على مشروع “لوفير” (Lawfare)، وهي منظمة أميركية داعمة لإسرائيل وجّهت رسالة إلى “زوم” تطالبها فيها بإلغاء الندوة. ورد في رسالة “لوفير” أنّه “في ضوء ارتباط المتحدثة المزعوم بمنظمة أجنبية تصنفها الولايات المتّحدة الأميركية كإرهابية أو انتمائها إليها، ونظراً إلى عجز جامعة سان فرانسيسكو عن إثبات عكس ذلك، نعتبر أنّ عقد الندوة يتناقض مع شروط الخدمة الخاصة بـ’زوم‘، وقد أبلغنا الجامعة بأنّنا لن نسمح لها بعقد هذه الندوة بالذات عبر المنصّة”.
تشير “زوم” في شروط الخدمة الخاصة بها إلى أنّها تحظر استخدام منصّتها “بما يتعارض مع سياسة ’زوم‘ أو بطريقة تنتهك القوانين السارية المفعول، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، منع السخام الإلكتروني (spam)، وضبط التصدير، والخصوصية، ومكافحة الإرهاب، والقوانين والأنظمة التي تفرض الحصول على موافقة المشاركين لتسجيل الصوت والصورة”.
شروط الخدمة أم القانون
لقي قرار “زوم” انتقادات من صحافيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان. قالت جيليان يورك، مديرة حريّة التعبير على الصعيد الدولي في “مؤسسة التخوم الإلكترونية” (Electronic Frontier Foundation)، لـ”سمكس”، إنّ “القرار يعكس شروط الخدمة الخاصة بـ’زوم‘ أكثر مما ينسجم مع أحكام القانون، فالشركات الأميركية غير مُلزَمة قانوناً بإزالة محتوى من منظمات تصنّفها الولايات المتّحدة كإرهابية”. وفي حين أشارت إلى أنّ “التعديل الأوّل للدستور يمنح الشركات الحق في إدارة المحتوى كما يحلو لها، لفتت إلى أنّ “الكثير من الشركات الأميركية البارزة تمنع أيّ مجموعة تصنّفها الحكومة الأميركية (وخصوصاً وزارة الخارجية) كمنظمة إرهابية أجنبية من استخدام خدماتها”. ولكن في بعض الحالات، “تُجبَر [تلك الشركات] على استبعاد مجموعات أو أفراد ترد أسماؤهم على لوائح وزارة الخزانة الأميركية”، بحسب يورك.
وفي ما يتعلّق بقضية ليلى خالد، تساءلت يورك “لماذا تلتزم تلك الشركات بكلّ سهولة بالتصنيفات الإرهابية الأميركية، خصوصاً مع سعي النظام الأميركي إلى تصنيف حركات مثل ’أنتيفا‘ لمناهضة الفاشية وبعض المجموعات البيئية كمنظمات إرهابية أيضاً”. وخلصت إلى أنّ القرار في النهاية هو قرار الشركات، لأنّ “الشركات الأميركية لديها الحق القانوني في إدارة المحتوى وفقاً لما تراه مناسباً – وليس المحتوى ’الإرهابي‘ فحسب، بل كلّ أنواع المحتوى”.
ازداد عدد مُستخدمي “زوم” في الآونة الأخيرة نتيجة تفشّي جائحة كوفيد-19، إلا أنّ الشركة سبق أن تعرّضت إلى الانتقاد بسبب قراراتها المتعلّقة بإدارة المحتوى. في هذا الإطار، تتفق مروة فطافطة، مديرة سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة “أكسس ناو” (AcessNow)، مع يورك، وتقول لـ”سمكس” إنّ “القرار مرتبط بشروط الخدمة الخاصة بالشركة. تشير فطافطة إلى أنّ هذه الندوة ليست الأولى التي تلغيها زوم”، ففي شهر حزيران/يونيو ألغت “زوم” حسابات لثلاثة ناشطين في مجال حقوق الإنسان من هونغ كونغ يقيمون في الولايات المتّحدة بضغط من الحكومة الصينية، حيث زعمت الشركة أنّها تمتثل إلى القوانين المحلّية. وهذا ما يطرح بحسب فطافطة بعض التساؤلات: “هل على ’زوم‘ أن تقوم بإدارة المحتوى؟ وهل عليها أن تدير محتوى الجلسات التي تُعقَد عبرها؟”.
التحيّز في إدارة المحتوى
يبدو أنّ شركات التكنولوجيا تتسلّط أكثر على المجموعات المستضعفة، خصوصاً في المنطقة العربية. وقد أثارت الموضوع فطافطة في تغريدة عقب انتشار خبر منع “زوم” لندوة ليلى خالد الرقمية، حيث تساءلت عن سبب “قمع الشركات الأميركية للخطاب والنقاش السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحولها، فيما تسمح للذين يؤمنون بتفوّق العرق الأبيض بالتعبير عن آرائهم بحرّية مطلقة على منصّاتها”.
بعد “زوم”، حذفت “فيسبوك” صفحة الندوة مع ليلى خالد التي نشرها “مركز دراسات الإثنيات العربية والإسلامية والمغتربين”، في حين منع “يوتيوب” بعد ذلك استمرار الندوة عبر منصّته. ولا يمكن لقرار “فيسبوك” هذا إلّا أن يندرج في إطار الرقابة المستمرّة التي تمارسها الشركة على المحتوى الفلسطيني، حتّى أنّه تزامن مع حملات فلسطينية ضدّ سياسات “فيسبوك”. في 23 أيلول/سبتمبر، أطلقت منظمة “حملة” الفلسطينية المعنية بالحقوق الرقمية وشركاء آخرون حملة مناصرة تدعو شركة “فيسبوك” و”مجلس الإشراف على المحتوى” فيها إلى الكفّ عن دعم جهود إسرائيل لفرض الرقابة على أصوات الفلسطينيين على المنصّة، كما وإلى إعفاء إيمي بالمور، المديرة العامة السابقة لوزارة القضاء الإسرائيلية، من مهامها في “مجلس الإشراف على المحتوى”. تطالب الحملة المجلس بشكل خاص بالسعي “إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، والكفّ عن فرض الرقابة على المجتمعات المضطهدة، مثل الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل احتلال عسكري وحشي ونظام فصل عنصري”.
وثّقت منظّمة “حملة” سياسة إدارة المحتوى المنحازة التي تعتمدها شركة “فيسبوك” تجاه المحتوى الفلسطيني منذ العام 2018. في العام 2019، امتثلت “فيسبوك” إلى 79% من طلبات الحكومة الإسرائيلية بإزالة بيانات المستخدِمين، كما أنّ الشركة لم تعلن عن سبب ذلك. تواجه شركات التكنولوجيا ضغوطاً مستمرّة لإزالة المحتوى الذي ينشره المستخدِمون من المنطقة، في حين تمتثل الشركات إلى تلك الضغوط. ويعود ذلك وفقاً لفطافطة إلى أنّ “الخسائر التي تلحق بالشركات جرّاء إزالة محتوى مجموعة ضعيفة دائماً ما تكون أقلّ من تلك التي تُمنى بها نتيجة مواجهة طرف قوي”. ولهذا نرى أنّ “المحتوى الذي يخضع للرقابة ويُخذف غالباً ما يكون هو المحتوى الخاص بالمجموعات المستضعفة في المنطقة”.
يزيد هذا القمع الذي تمارسه شركات التكنولوجيا بحقّ المجموعات المستضعفة والمهمّشة من القيود المفروضة على قنوات التواصل “الحرّ” المُتاحة للمواطنين في المنطقة، حيث تنتهك الحكومات المساحات المدنيّة أساساً، سواء أكانت على شبكة الإنترنت أو على أرض الواقع. تشرح فطافطة أنّ “الناس في المنطقة يعتبرون الإنترنت وهذه المنصّات مساحة لمناقشة القضايا السياسية وتنظيم الأنشطة والتظاهرات والتعبير عن غضبهم، من بين جملة من الأمور الأخرى، والآن باتت هذه المنصّات تقمع أصواتهم هي الأخرى من خلال إدارة المحتوى”.
ندعو “زوم” إلى التحلّي بمزيد من الشفافية حول سياسة إدارة المحتوى التي تتّبعها
ينبغي على “زوم” أن تضع سياسة واضحة لعملية إدارة المحتوى، بدلاً من اتّخاذ قرارات وفق كلّ حالة على حدة والتلطّي خلف بنود مُلتبسة في شروط الخدمة الخاصّة بها. وإذا كانت “زوم” تعتزم الانخراط في مجال إدارة المحتوى، عليها أيضاً اعتماد معايير مفصّلة، ويُفضَّل أن تخضع لمراجعة مستقلّة من خبراء خارجيين، كما عليها تطبيق هذه المعايير بالتساوي، لا بطريقة انتقائية بعد التعرّض لضغوط من مجموعات مصلحية. وفي حين يشكّل التزام “زوم” بإصدار تقرير شفافية خطوة أولى في هذا الصدد، إلّا أنّه لن يكون فعالاً إلّا إذا ترافق مع سياسات أكثر تفصيلاً بشأن إدارة المحتوى.
فضلًا عن ذلك، ينبغي على “زوم” وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى التخلّي عن المعايير المزدوجة في ما يخصّ المحتوى الفلسطيني. فقد وثّقت منظمة “حملة” أدلّة تشير إلى أنّ هذه المعايير المزدوجة تُعتمَد بالفعل في شركات مثل “فيسبوك” و”خرائط غوغل” إذ غالباً ما نرى أنّ المحتوى الذي ينشره الفلسطينيون أو يتناولهم يُحذَف من هذه المنصّات من دون أيّ تبرير منطقي؛ وللأسف الشديد، قرّرت “زوم” أن تحذو حذو الشركات الأخرى في هذا المجال.