عُقدت جلسة نقاش لاطلاق تقرير “منحة زمالة لإعداد التقارير عن الحريات الرقمية”بعنوان “بناء الثقة: نحو إطارٍ قانوني يحمي البيانات الشخصية في لبنان” بيروت،11 آب/أغسطس 2017 (تشك كون/زينب عمار).
نتيجةً للتزايد المستمر في الرقابة الجماعية، أنشاءت SMEX “منحة زمالة لإعداد التقارير عن الحريات الرقمية” لدعم وتطوير الأبحاث المتعلقة بالحقوق الرقمية. أطلقت تقريرأً افتتاحيأً الذي يحمل عنوان “بناء الثقة: نحو إطارٍ قانوني يحمي البيانات الشخصية في لبنان” في 11 آب/أغسطس 2017 خلال جلسة نقاشية التي شارك فيها الزملاء الهام برجس وحسين مهدي، والخبير القانوني في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وحماية المستهلك الدكتور بيار الخوري والمدير المشارك في SMEX محمد نجم. ناقشوا في الجلسة مع أعضاء ممثلين عن هيئات المجتمع المدني، والمحامين، والباحثين في حاجة لبنان لقانون يحمي البيانات الشخصية. وقد عُقدت هذه الجلسة بعد قيام كل من الهام وحسين بمجموعة تحقيقات عن كيفية استخدام البيانات الشخصية في لبنان، فضلا عن الإطار القانوني المُعتمد حاليًا والذي ضمنه تُدار هذه البيانات.
“الرقابة في لبنان شاملة وغير شرعية”، كما وصفها محمد نجم، بعد تقديمه للموضوع وتعريفه بالضيوف في حلقة حوار ونقاش مفتوحة حول الاستخدام السليم والسيء للمعلومات الشخصية في البلد في ضوء تطور جهاز المراقبة الجماعية والاضمحلال التدريجي للحق في الخصوصية الفردية والجماعية.
ومع غياب الغطاء القضائي، وتمكّن الشركات من الوصول إلى بيانات المستخدمين الشخصية دون إذن، نشأت ضرورة لإطلاق منحة زمالة كهذه.
بدورها شدّدت الصحفية والباحثة القانونية في “المفكرة القانونية” إلهام برجس على غياب تعريف واضح للبيانات الشخصية وسبل معالجتها والقوانين الخاصة بها في التشريع اللبناني، موضحة أن هذه البيانات تُجمع وتُخزّن من دون علم المستخدمين ولا تدخل من القضاء.
عرفت الصحفية والباحثة القانونية البيانات الشخصية بأنها “جميع أنواع المعلومات المتعلقة بشخص طبيعي، والتي يمكن أن تمكّن من التعريف به، على نحو مباشر أو غير مباشر، بما في ذلك عن طريق المعلومات المتعددة المصادر أو التقاطع في ما بينها، وهي البيانات التي تتعلق بهوية الشخص البدنية والفسيولوجية والنفسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”. كما أنها عرفت معالجة البيانات على أنّها “كل عملية أو مجموعة عمليات تقع على هذه البيانات مهما كانت الوسيلة المستخدمة، لا سيما عمليات الجمع والتسجيل والحفظ، والتكييف، والتعديل، والاقتطاع، والاستعمال، والنقل، والنشر، والمحو، والإتلاف، وكل شكل آخر لوضع المعلومات تحت التصرف”.
كما أوضحت برجس أن اللجنة المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة لم تبدأ بمناقشة مشروع قانون “المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات الشخصية” سوى مؤخراً، حيث تم تخصيص الباب الخامس من المشروع بكامله لمسألة حماية البيانات الشخصية.
ومن بعدها كان الحديث للصحافي حسين مهدي الذي عمل في جريدة الأخبار سابقاً، حيث تناول أحدث التقنيات التي تستخدمها الدولة اللبنانية لمعالجة معلومات المستخدمين الشخصية، وهي البيومترية، أي جمع المعلومات المتعلقة بالسلوك الفيزيولوجي (بصمة اليد، وبصمة العين، والحمض النووي، وبصمة الصوت، وغيرها…).
وقال مهدي أنّ “أهمية استخدام هذه التقنية تكمن في إمكانية التحقق من هوية كل فرد تلقائي عبر المصادقة البيومترية لسماته المادية والسلوكية، حيث تتم برمجة وتشفير السمات الفريدة لكل شخص وتخزينها في قاعدة البيانات. ولا يمكن اعتبار عملية تشفير المعلومات سوى تدبير لحماية هذه المعلومات من القرصنة. إلا أنه لا يمكن أيضاً اعتبار التشفير ضمانة لحماية البيانات الخاصة ما لم يكن هناك قانون وإجراءات تحمي البيانات من أي انتهاك للحق في الخصوصية وفي حماية البيانات الشخصية من قبل الأجهزة الرسمية نفسها”.
وطرح مهدي تساؤلات عن الأنظمة المتوفرة لحفظ المعلومات: كيف يتم تشفيرها وحمايتها وكيفية تبادل المعلومات مع الدول الأجنبية، متسائلاً عما إذا كان هنالك أي إطار قانوني ينظم هذه العمليات.
وعرض مهدي ثلاثة أمثلة عن حوادث تسريب للمعلومات في لبنان، وهي:
- تعرض بيانات المرضى في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت لخروقات وتسريب للمعلومات والتقارير الطبية الشخصية وملفات المرضى. وهذا الخرق حصل بسبب نظام حماية المعلومات الهش المستخدم في المستشفى. فقد شدد أن “الخطورة في هذا النموذج لا تكمن فقط في كونها خرقاً للخصوصية الشخصية، بل في كونها استغلالا من قبل بعض شركات التأمين لهذه المعلومات واطلاعها على ملفات المرضى، وبالتالي الامتناع عن تقديم خدماتها لزبائنها الذين يعانون من أمراض مزمنة”.
- حصول الشركات على أرقام الهواتف الخليوية الشخصية من البلديات، أو من خلال التواصل مع شركتي “ألفا” و”تاتش” اللتين تبيعان معلومات المستخدمين الشخصية للشركات، إضافة إلى سلوك استخدام شبكة “3G”.
- تسريب أرقام اللوحات وكافة بيانات السيارات المسجلة في النافعة على أقراص مدمجة يحصل عليها السماسرة أولاً، ثم تسرّب وتباع للمواطنين. وتحتوي هذه البيانات على بيانات خاصة وشخصية، كالاسم الثلاثي، تاريخ ومكان الولادة، رقم السجل، مكان السكن وغيرها. والخطورة هنا تكمن في احتمالية وقوع هذه المعلومات بأيدي العصابات والجماعات الإرهابية. فالبيانات تحفظ على برنامج Microsoft Excel أو برنامج بدائي آخر، وبالتالي يسهل خرقها ومعالجتها.
أعقب الحديث الدكتور المحامي بيار الخوري، وهو عضو في اللجنة الثانية الفرعية التي تدرس قانون البيانات الشخصية. استهل حديثه بمناقشة مشروع قانون غنوة جلول الذي طُرح عام 2001، وهو اليوم يُدرس بصيغته النهائية، بعد أن خضع لتعديل و”ضُرب بأساسه” .أما المشروع القانوين الذي يحمل اسم “مشروع البيانات الإلكترونية والمعلومات ذات الطابع الشخصي”، فقد شرح الخوري تفاصيله وقال أنه ينبثق عن القانون المدني الفرنسي الصادر عام 1978 في فرنسا، وهو قانون الحريات والمعلوماتية الذي يتولى حماية البيانات ذات الطابع الشخصي واضعاً مبادئ عدة لحماية هذه البيانات.
وتساءل الخوري عن مدى توافق مشروع قانون غنوة جلول مع قانون عام 1978 الفرنسي، خصوصاً بعد مرور عقود على تقديم الأول. كما شدد على أن المشروع “ضُرب بأساسه” بعد أن نُسفت الهيئة الوطنية ذات الصفة القضائية المستقلة، بعضوية قضاة من أعلى المراتب، إذ كان المفترض أن يُناط بها عملية الحصول على التراخيص والنظر في التصريحات الخاصة بمعالجة المعلومات الشخصية. المشروع الحالي ينص على أخذ السلطة التنفيذية ترخيصاً من السلطة الأخيرة نفسها.
في حين خُصّص الشقّ الأخير من الجلسة لأسئلة الحاضرين وختمت الجلسة باقتراحات وتوصيات من قبل المتحدثين. وأجمع الحاضرون على أهمية سن قانون يضبط التفلت الإلكتروني، كما أبدوا أسفهم لكون السلطة القضائية في لبنان مرتبطة بوزارة المالية. واعتبروا وجوب مراجعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي يلتزم بها لبنان، وذلك لسن القانون بشكل أسلم وأكثر مواكبة للعصر والحاجات. كما اعتبروا أنه يمكننا مراجعة القضاء تحت عنوان الخصوصية، فيجتهد كل قاض.
قدَما هذا المقال سارة عبيد وماريو نخول من فريق تحرير “تشك كون”، وهي مجموعة طلاب وطالبات من الجامعة اللبنانية – كلية الاعلام بفرعيها الأول والثاني – تعمل على تشكيل غرفة تحرير متنقلة تغطي مؤتمرات وأحداث عن مختلف القضايا الانسانيّة والاجتماعية والإعلامية والرقميّة في لبنان والمنطقة العربيّة.