الملخّص التنفيذي
لطالما اعتُبِر قطاع الاتصالات على أنه “نفط لبنان”، إذ كان يُعد ثالث أكثر قطاع ربحيّة في البلاد، ودرّ أكثر من 1.2 مليار دولار أميركي إلى خزينة الدولة عام 2016. ولكن حتى قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019، عانى هذا القطاع من تحديات مستمرّة، مثل ضعف جودة الشبكة والخدمات والأسعار المرتفعة. يتناول هذا التقرير العواملَ التي أدّت إلى وصول قطاع الاتصالات إلى ما الدرك الذي بلغه اليوم ودخوله في حالة من عدم الكفاءة والخلل. لا يكتفي هذا البحث باستعراض الإحصاءات، بل يتعمّق في تحليل الأثر الفعلي لتدهور خدمات القطاع على تجارب الحياة اليومية للفئات المهمّشة في جميع أنحاء لبنان. ويُختَتم التقرير بعرض التدابير والسياسات الاستراتيجية التي تقترحها “سمكس” من أجل إلى تعزيز جودة خدمات الاتصالات في لبنان وقدرة المستخدمين على الوصول إليها.
1950 – 1975
تأسّست وزارة البريد والبرق والهاتف (وزارة الاتصالات اليوم) في عام 1959، أي بعد مرور عقدٍ من الزمن تقريباً على إعلان استقلال لبنان. واستغرق الأمر نصف عقد آخر لتنظيم قطاع الاتصالات بموجب القانون 127 لسنة 1959، عبر إطلاق العمليات المالية والإدارية للشبكة الثابتة (الخط الأرضي). وسرعان ما تبنّى لبنان التقنيات المتوافرة آنذاك، وأنشأ سوقًا جديدة وجذّابة للمستثمرين من القطاع الخاص، سواء المحليّين أو الدوليّين، حيث كانت شركة “إريكسون” أوّل من استثمر في لبنان. بحلول عام 1972، أنشأت الحكومة اللبنانية هيئة “أوجيرو” ككيان إداري يشرف على صيانة 250 ألف خطّ اتّصال مباشر ويعمل على تحسين نسبة انتشار استخدام الهاتف التي بلغت 7٪ في تلك الفترة.
الحرب الأهلية اللبنانية-1990s
عرّضت الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في عام 1975 قطاع الاتصالات بأكمله للخطر، وكادت تمحو كلّ التقدّم الذي أُحرز منذ أوائل الخمسينيات. وتسبّبت الحرب الطويلة بأضرارٍ لا يمكن إصلاحها في البنية التحتية الوطنية وشبكة الاتصالات، وأدّت إلى انسحاب الاستثمارات وتوقّف التقدّم التكنولوجي. وقُدّر إجمالي الأضرار بنحو 517 مليون دولار أميركي، وهو ما أنذر بتحدياتٍ هائلة خلال فترة إعادة الإعمار بعد الحرب. وكان نموّ قطاع الاتصالات السريع في لبنان ينتظر جهوداً واستثمارات جوهرية لسدّ الفجوة التكنولوجية مع الدول الأخرى.
خلال تسعينات القرن الماضي، برز لبنان كإحدى الدول الرائدة التي تعتمد على تكنولوجيا شبكات نظام الاتصالات الرقمية المتنقلّة (GSM) في المنطقة، ما انعكس استثماراتٍ كبيرة تهدف إلى تطوير وتوزيع شبكات الهاتف الخليوي والثابت. وعلى الرغم من احتكار الحكومة للقطاع، والذي أدّى إلى تقديم خدمات غير مثالية مقابل تعرفة عالية، إلا أنّ قطاع الاتصالات أخذ بالنمو منذ إدخال شبكات نظام الاتصالات الرقمية المتنقلّة بعد الحرب الأهلية.
العقد الماضي
لم يخلُ تطوّر قطاع الاتصالات في لبنان من المشاكل، إذ اشتكى المشتركون دوماً من ضعف جودة الخدمة والتغطية غير العادلة والتعرفة المرتفعة للخطوط الأرضية والخليوي والنطاق العريض. وبسبب الشكاوى المستمرة بشأن التغطية غير العادلة والأسعار المرتفعة، نظّمت مجموعة من الناشطين في لبنان في عام 2011 حملةً تندّد ببطء الاتصال بالإنترنت في جميع أنحاء البلاد.
بقيت أوجه القصور في الإدارة السياسية والمالية تتراكم في لبنان، حتى أدّت في عام 2019 إلى واحدة من أسوأ الأزمات المصرفية والمالية في العالم. عام 2023، وللمرّة الأولى في تاريخ لبنان المعاصر، نشر ديوان المحاسبة تقريراً موسعاً يُفصّل كيف أهدرت الحكومات المتعاقبة ووزارات الاتصالات 6 مليار دولار أميركي بين عامي 2010 و2020. وكشف التقرير كيف أنّه وبالرغّم من تحقيق القطاع إيراداتٍ بقيمة 17 مليار دولار، لم يُحوَّل سوى 11 مليار دولار منها إلى خزينة الدولة. ويُرجَّح أن المبلغ المفقود، أي 6 مليارات دولار، أُهدِر نتيجة الفساد والمنافع السياسية والتوظيف العشوائي لتحقيق المكاسب السياسية. لذلك، يخضع حالياً ستة وزراء للتحقيق بتهمة الفساد في قطاع الاتصالات، وهي المرّة الأولى ربما التي يمثل سياسيّون رفيعو المستوى فيها أمام القضاء في لبنان.
يهدف مشروع الاتصالات التابع لـ”سمكس” إلى تحليل التحديات المتعدّدة الأوجه التي رافقت تطور قطاع الاتصالات في لبنان، وخاصّة تلك التي ظهرت في السنوات الأخيرة. ودُعي عددٌ من الخبراء من خلفيات متنوّعة، سياسية وقانونية وأكاديمية وتقنية، لمشاركة آرائهم حول التحديات الرئيسة، والفرص الضائعة، والحلول السياساتية، وسُبُل المضي قدماً لإيجاد سُبُل واقعية تساعد في إنقاذ القطاع وإعداد خطة عمل للعقد المقبل. تتناول أسئلة البحث التوجيهية الأسباب الكامنة وراء تدهور قطاع الاتصالات؛ وتحلّل تبعات هذا التدهور على مختلف الفئات المهمّشة؛ وتقدّم توصياتٍ بشأن التدابير والسياسات القابلة للتنفيذ التي يجب اتخاذها بسرعة لتحسين جودة خدمات الاتصالات في لبنان وضمان قدرة الناس على الوصول إليها.
التوصيات الرئيسية
أظهر البحث مدى الحاجة إلى إطار عمل متعدّد الأوجه ويقدّم عدة حلول على مستوى السياسات وعلى المستوى القانوني. إلا أنّه لا يمكن إنقاذ قطاع الاتصالات من دون خطة إصلاح شاملة؛ فينبغي أن يكون إطار العمل جزءاً من استراتيجية تعافٍ شاملة للمنظومة بأكملها، تهدف إلى إنقاذ البلد برمّته بعد سقوطه في الهاوية الاقتصادية والسياسية. ويمكن تقسيم الحلول إلى فئتين: مالية وقانونية.
الحلول ماليّة
- تأمين التمويل من مصادر متنوعة. لذلك، فإنّ إحياء الشراكات بين القطاعَين العام والخاص ضروريّ لجذب الاستثمارات الخاصة، المحليّة أو الدوليّة، والاستفادة من التجارب السابقة لضمان نجاح هذا النمط من التعاون في المستقبل.
- تخصيص الإيرادات المالية لأعمال الصيانة وتوسيع الشبكات حتى تصل إلى المناطق الريفية، من أجل توفير خدمات عادلة على كافة الأراضي اللبنانية.
- البناء على استثمارات الحكومة الحالية في مصادر الطاقة المتجددة
- إحياء وتحديث رؤية لبنان لعام 2020، لتسريع جهود التحديث ولتمهيد الطريق أمام تشغيل شبكة الجيل الخامس.
- تنويع الاستثمارات وإشراك القطاع الخاص بهدف تعزيز أداء مقدمي الخدمات وتزويد المستفيدين بمجموعة من الحزم بأسعار تنافسيّة تتناسب مع احتياجات السوق، خصوصاً بالنسبة للمجتمعات المهمشة، ما يؤدي إلى سد الفجوة الرقمية الحادة.
الحلول القانونية:
- تنفيذ القانون رقم 431/2002 الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح على الرغم من عيوبه.
- فصل المهام بين السلطات التنفيذية لوزارة الاتصالات وإدارة وتشغيل خدمات الاتصالات يمكن أن ينقذ القطاع من التّدخلات السياسيّة المختلفة التي لطالما عرقلت الخدمات الأساسيّة في البلاد، بما في ذلك خدمات الاتصالات.
- حماية وتفعيل دور الهيئة المنظمة المستقلة للاتصالات من أجل حماية حقوق المستهلك والإشراف على حُسن إدارة القطاع وتشغيله وتنظيم وظائف المشغلين من القطاع الخاص ودعم مبادئ حرية التعبير والخصوصية.
- تحقيق الأداء الأمثل للقطاع في ما يتعلق بمسألة التهديدات مثل انتشار المعلومات المضللة والأمن السيبراني، وأن تسمح بتنفيذ قوانين تُعنى بالابتكارات الجديدة في العالم الرقمي مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة.
غير ذلك
- التحشيد والتواصل مع صانعي السياسات وشركات القطاع الخاص والرأي العام بغرض تحسين جودة الخدمات.
اقرأوا التقرير أدناه كاملاً أو حمّلوه من هنا.