بيروت، لبنان، 15 نوفمبر 2022، في جلسة ضمت لناشطات وحقوقيات في النسخة الخامسة من ملتقى “خبز ونت” التي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر، ناقشت الجلسة شكل المساحات الآمنة ومتطلّباتها، وطرق مناهضة العنف الرقمي، وكيفية تسخير التقنيات الرقمية ومنصات وسائل التواصل للتعبير عن قضايا تتمحور حول الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. أدارت النقاش الجلسة مروة، خبيرة الحقوق الرقمية في راديو وتليفزيون هولندا، وشاركت الجلسة ست ناشطات نسويات من خلفيات مختلفة.
افتتحت مروة الجلسة بالحديث عن قضية إخضاع المجتمعات العربية للرقابة على الحقوق الجنسية والإنجابية، وخاصة على الإنترنت، وتوجّهت بعدة أسئلة إلى المديرة تنفيذية لـ “فيميل” ورئيسة تحرير موقع شريكة ولكن النسوي، حياة مرشاد: هل يتقبل المجتمع النسوي الحركة القائمة حول الحقوق الجنسية والإنجابية؟ ولماذا يغيب الحديث عن مساحة إنجابية وجنسية في إطار الحقوق الرقمية؟
بدأت مرشاد إجابتها بتوضيح وضع الحراك النسوي العربي، وأشارت إلى أن المجتمع النسوي الحالي لا يتفق على خطاب واحد، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حركة واحدة “لأننا لا نملك المساحة والأولويات نفسها”. وأضافت:”عندما نتحدّث عن الصحة الجنسية والإنجابية يصبح الموضوع أكثر تعقيداً، لأنه مرتبطٌ بما هو أبعد من مجرد أسباب ذاتية، وله أبعاد أمنية واجتماعية وسياسية”.
في سياق حديثها عن تجرية “شريكة ولكن”، تقول مرشاد إنّ الفريق واجه ردود فعلٍ سلبية وانخفاضاً في عدد المتابعين نتيجة لدعمه مجتمع الميم، “حتى شخصيات تصنّف نفسها ضمن فئة النسويات تعتقد أننا نشوه الحراك النسوي”. ولهذا، ترى مرشاد أنهم/ن -كنسويات- “مطرودون/ات من المساحات النسوية الافتراضيّة والواقعية على حدٍّ سواء”.
أما في تونس، فالوضع مع الرقابة على الصحة والحقوق الجنسية أكثر حدّة من لبنان. فقد أجابت لينا إليوش، عضو جمعية “موجودين” التي تعنى بحقوق مجتمع الكوير، على أسئلة مروة حول عن الحرية والرقابة الحكوميّة في تونس، وأشارت إلى أنّ تونس كانت قد بدأت خلال فترة الثورة بالعمل على توفير رعاية صحية وفحوصات مجانية للأمراض الجنسية والإجهاض، إذ أن حق الإجهاض في تونس مكفول. لكن بعد الثورة، نأت الدولة بنفسها عن هذه القضيّة وأوقفت حملات التوعية حولها كذلك، مما تسبّب بتهديد الحق في الإجهاض وانتشار الأمراض الجنسية، بسبب عدم اقتناع الدولة بضرورة حماية هذه الحقوق.
وتضيف الناشطة الحقوقية أن المؤسسات الوحيدة الموجودة للدفاع عن هذه الحقوق أصبحت مهددة من قبل الدولة والمجتمع، ومتّهمة بتشويه قيم وأخلاق المجتمع، “كما بدأ تخوين المجموعات التي تعمل على مناصرة هذه الحقوق واتُهمنا بالعمل والترويج لأفكار غربية، وهذا حتماً يؤثر سلباً على الصحة الإنجابية والجنسية في تونس”.
علاوة على ما سبق، أشارت إليوش إلى أن هناك تحديات إضافيّة تواجه مستخدمي/ات الإنترنت التونسيين/ات الداعمين/ات لمجتمع الميم، تتمثّل بعدم قدرتهم/ن على التبليغ عن خطاب الكراهية والتهديدات بالقتل والعنف، وذلك لأن اللّهجة التونسية لا يفهمها الجميع، فلا تتعامل السلطات المعنيّة مع المحتوى المبلّغ عنه بشكل جدّي.
من تونس إلى فلسطين، توجهت الخبيرة الرقمية إلى منى شتيه مديرة المناصرة بـ”حملة“، وهي مؤسسة حقوق رقمية تعمل على مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية، بسؤالين: لماذا لا يتم التعامل مع المحتوى العربي بشكل جاد؟ ولماذا تشتدّ الرقابة على المحتوى العربي الذي يعاني أيضاً من ضعف في إدارة المحتوى والسياسات المتعلقة به؟
تقول شتيه إنّ العمل جارٍ على إنتاج تقارير مناصرة لضمان أمان هذه المنصات، مشيرة إلى أنّ بعض التقارير الخاصة برصد العنصرية وخطاب الكراهية باللغة العبرية ضد الفلسطينين/ات والعرب أثبتت مدى ازدياد هذه الآفات في أوقات الأزمات، بالإضافة إلى كثرة إلحاق إشارات الحساسية على المحتوى الفلسطيني، وهو شبيه مع ما يمرّ به المحتوى الكويري والنسوي.
“قمنا بعمل استطلاع رأي بطريقة بؤرية من أشخاص مختلفين، ووجدنا أن هؤلاء يرون خطاب التحريض القادم من خلفية سياسية مرتبطة بالاحتلال على أنّه خطاب كراهية، بينما خطاب الكراهية المرتبط بمجتمع الميم والمجتمع النسوي هو حرية رأي وتعبير حتى وإن كان يعرضهم/ن إلى التهديد والنبذ من قبل مجتمعاتهم/ن، في وقت يجب أن يكون فيه النضال الفلسطيني نضالاً تقاطعياً”، تضيف شتيه.
في تقرير أنتجته “حملة” حول العنف الجندري الرقمي ضدّ النساء، اتّضح أنّ واحدة من بين كل ثلاث نساء فلسطينيات تتعرض لعنف مبني على النوع، وأنّ واحدة من بين كل ثلاث نساء معنفات إلكترونياً تغادر منصات التواصل بسبب ما تعرّضت إليه، مما يعني أن هذه المنصات تتحول إلى منصات ذكوريّة تفرض قيوداً على مجموعات مختلفة.
وكانت “حملة” أطلقت منذ نحو سنتين “مرصد حر” لانتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينيّة، وهو يتضمّن قسما خاصاُ لرصد العنف الكويري والعنف ضد النساء في العالم الرقمي.
يُستخدم هذا المرصد للتواصل مع شركات التواصل التي تزيل المحتوى الفلسطيني، لأن حكومة الاحتلال تطلب دائماً إزالة المحتوى الفلسطيني الذي لا يتوافق مع أهوائهم، فنطلب من الشركات استرجاع المحتوى المحذوف لأنه لا يتعارض مع معاييرها.
مشكلة إزالة المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل تتزايد مع غياب تعريفات واضحة لما يجب أن يبقى وما يجب أن يُحذف،”نحن الآن في حاجة إلى إيجاد تناغم بين الحقوق السياسية وحرية الرأي والتعبير، ونحاول أن نفكر في آليات ضغط على منصات التواصل لتحترم الآراء والحقوق السياسية والجندرية والكويرية بشكل تقاطعي”، تقول شتيه.
لا يقتصر النضال في مجالات الصحة الإنجابية والجنسية في فلسطين على ما تقدمه “حملة” فقط. إيناس الدجاني، مدربة صحة إنجابية وجنسية، قامت بتجربة مناصرة وتوعية للصحة الإنجابية والجنسية بشكل مختلف؛ إذ انشأت علامة تجارية للمجوهرات، في فلسطين، اسمها “سليتات“، تصمّم قطعاً على شكل أعضاء الجسد، ويمكن لأيّ شخص ارتداءها.
عملت إيناس على تدريب الشباب حول قضايا تتعلّق بالصحة الإنجابية والجنسية، ولاحظت غياباُ كبيراُ وممنهجاُ لهذه المعرفة، لذا كان هدفها خلق مساحة للشباب يتم التحدث فيها عن الصحة الإنجابية والجنسية في الواقع وفي المساحات الرقميّة، ومن هنا أتت فكرة مشروعها:”الحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية في بلد محتل يعتبر رفاهية. وقد يشعر البعض بالذنب بسبب الظروف التي يعيشونها”، توضح إيناس.
اختتمت الجلسة بتشديد المتحدثات على أهمية ضمان سلامة الأشخاص الذين يروون تجاربهم/ن، إضافة إلى التعامل مع قضايا الصحة الإنجابية والجنسية على الإنترنت من زاوية حقوقية كونها تدخل ضمن إطار حقوق الإنسان، والسبب في بقائها “تابوه” أو مواضيع يحظر الحديث عنها يعود دائماً إلى قلّة معرفة الأفراد بحقوقهم/ن.