خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في فلسطين المحتلة، دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي خمسة أبراج وعدّة مبانٍ، كانت تضمّ نحو 160 شركة تكنولوجيا واتّصالات وإنترنت ومشاريع تكنولوجية ناشئة.
تدلّ هذه الأرقام التي رصدتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غزة حول الأضرار التي نتجت عن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، على أنّ “شبكات الاتصالات والإنترنت تضرّرت بشكل بالغ”، وفقاً لما يكشفه لـ”سمكس”، مدير عام التراخيص في الوزارة، المهندس زياد الشيخ ديب.
تضرّرت معظم الشركات المزوّدة للإنترنت في قطاع غزة من هذا القصف، فاستطاع بعضها العودة بأدنى المقومّات، في حين بقي بعضها الآخر عاجزاً عن توفير الخدمة بسبب الدمار والحصار مجتمعَين.
استهداف مبرمج لشركات الإنترنت؟
تركّزت الأضرار “في مناطق وسط مدينة غزة من حي الرمال التي كانت مركزاً للاستهداف ودمّر الاحتلال فيها خمسة أبراج تضمّ مقرّات شركات ومحالاً تجارية ومنشآت أخرى”، حسبما يكشف الشيخ ديب لـ”سمكس”. واستهدف الاحتلال الإسرائيلي أبراجاً سكنية تضمّ شركات الإنترنت المزودة لخدمة (الفايبر)، فضلاً عن إلحاقه أضراراً بالغة في الأسلاك والكوابل التي توصل الخدمة لمربعات سكنية كاملة.
على سبيل المثال، أدّى قصف إسرائيل لبرج (الجوهرة) السكني وسط غزة يوم 12 مايو/أيار، إلى تدمير المعدات الأساسية لشركة “الحلول الإدارية والتكنولوجية” (SMT)، وهي إحدى الشركات المزودة لخدمة الإنترنت السريع “الفايبر” في غزة والتي تعمل كوسيط يوفّر خدمات الإنترنت السريع عن طريق الألياف البصرية للشركات المزودة لخدمة الإنترنت في القطاع.
دمّر القصف “مركز بيانات الشركة في الطوابق الأرضية للمبنى، وتوقّف موجّهات الإنترنت، وبالتالي انقطاع الخدمة عن آلاف المشتركين بما في ذلك مكاتب وسائل إعلام محلية ودولية”، حسبما يوضح مدير عمليات الشركة، طلال خليل، لـ”سمكس”. ويقدّر خليل أنّ “حجم الضرر المادي المباشر الذي أصاب شركة ’الحلول الإدارية والتكنولوجية‘ بلغ نحو مليون دولار، وغير المباشر بلغ قرابة 250 ألف دولار”.
كانت شركة الاتصالات الفلسطينية “بالتل” (Paltel) من أكثر المتضرّرين في الحرب، فهي مزوّد رئيسي لخدمة الهاتف الثابت إضافة إلى الإنترنت، وتعتمد عليها أكثر من 10 شركات لتوزيع الإنترنت، ولذلك لم يكن من خيار أمامها سوى المسارعة إلى استخدام شبكة أسلاك احتياطية وتشغيل مولّدات طاقة إضافية لضمان استمرار الخدمة على الأقلّ، وفقاً للمتحدّث باسم الشركة التي تنتظر رفع الركام بالكامل عن بعض المباني حتى تعيد بناءها وتؤسّس وحدات شبكات الإنترنت في قواعدها.
يشرح الأخير لـ”سمكس” أنّ القصف الإسرائيلي أدّى إلى تضرّر آلاف كابلات الألياف الضوئية والكابلات النحاسية والمقاسم والأعمدة، مثل الكابل الرئيسي المقابل لبرج السوسي وسط مدينة غزة، والكابل الرئيسي الواصل بين مدينة غزة وجنوب القطاع على خط شارع صلاح الدين شرق القطاع.
ويعتبر المتحدّث باسم “بالتل” أنّ “الهجوم على شبكات الإنترنت كانت أمراً تقصّده الاحتلال”، حيث بلغت “خسائر الشركة المباشرة قُدّرت بأكثر من 988 ألف دولار أميركي، في حين لم تقدّر بعد الخسائر غير المباشرة”، وفقاً للمتحدّث باسم الشركة، متوقّعاً أن تبلغ أضعاف الخسائر المباشرة.
شركة “فيوجن” (Fusion) لخدمات الإنترنت لحقها نوعان من الأضرار: الأول يتعلق بالبنية التحتية والتوسعة التي قامت بها الشركة؛ والثاني الحدّ من قدرة الشركة على الاستثمار القريب بسبب نفاذ المخزون الذي تم استهلاكه في تعويض المعدّات المدمّرة، وذلك على حدّ توضيح مديرة الموارد البشرية في الشركة، مرام الحلبي، التي قدّرت بلوغ خسائر الشركة أكثر من 800 ألف دولار.
تشرح الحلبي لـ”سمكس” أنّ “فيوجن” خسرت كذلك “معدات استراتيجية تتعلق بالبنية التحتية” بعد قصف عدد من أبراج الشركة الموزعة في المناطق، وخسرت كذلك “كمية كبيرة من الكابلات الخاصة بتمديدات الإنترنت وأجهزة إرسال والهوائيات”. ومن الحلول التي اتّبعتها “فيوجن” كان نقل المشتركين إلى شركات أخرى محلّية لم تتضرّر كثيراً، خصوصاً بعد توقّف خدمة الإنترنت عن 1500 مشترك بسبب قصف أحد المباني المجاورة لمقرّ الشركة.
عودة شبه مستحيلة في ظلّ الحصار
عادت معظم شركات الإنترنت لتقديم خدماتها ولو بسرعات ضعيفة في بعض الأوقات، ولكنّ القيود الإسرائيلية المشدّدة “تمنع وصول الكثير من قطع الغيار مثل أجهزة السيرفرات ومحطات الميكروويف وأجهزة الجيل الثالث إلى قطاع غزة بشكل متعمد”، وفقاً للشيخ ديب من وزارة الاتّصالات.
كانت شركة “الحلول الإدارية والتكنولوجية” من الشركات التي لم تستطع حتّى الآن إعادة تشغيل خدماتها، وفقاً لما يقوله مدير العمليات في الشركة، طلال خليل، في مقابلة مع “سمكس”. ويعود ذلك بحسب خليل، إلى إغلاق معبر كرم أبو سالم وعدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بدخول معدات جديدة للشركة، علماً أنّنا انتهينا من تقييم خسائر الشركة وإمكانية عودتها للعمل خلال ستة أشهر”.
وكما غيرها من الشركات، تؤكّد “بالتل” بحسب المتحدّث باسمها أنّ الاحتلال الإسرائيلي “لا يسمح منذ عامين بإدخال معدات للشركة مثل الكابلات وخطوط الفايبر والوحدات اللازمة للسرعة الفائقة” وهو ما أثر على سرعة عملية الصيانة خلال الحرب، الأمر الذي تؤكد عليه الحلبي من “فيوجن” أيضاً.
والأعمال الحرّة لم تسلم من قصف الإنترنت أيضاً
باستهدافه الأبراج والمباني داخل حي الرمال، دمّر الاحتلال الإسرائيلي 33 مقراً لمؤسسات إعلامية في غزة حسب “نقابة الصحفيين الفلسطينيين”، ما أثّر على عملهم/ن في نقل الأحداث بسرعة ودقّة.
هذا ما حصل مع الصحافي أحمد النجار الذي يعمل مع صحيفتين أوروبيتين، إذ بعد تدمير أبراج “الشروق” و”هنادي” و”الجلاء”، لم يعد أمامه أي مكان يمكن الاعتماد عليه في رفع الصور والفيديوهات التي يوثقها خلال الحرب. اضطر النجار إلى رفع الصور والفيديوهات من أحد منازل اصدقائه القريبة من “مجمع الشفاء الطبي” وسط مدينة غزة، في ظل تواجده في المشفى، من أجل الحصول على لقطات فوتوغرافية والفيديوهات وتصريحات من المسؤولين في مجمع الشفاء.
يشرح النجار لـ”سمكس” أنّ “الصحافيين/ات في غزة يساندون بعضهم/ن البعض في الأزمات وخلال الحروب الإسرائيلية، خصوصاً لناحية استضافة بعضنا البعض في المكاتب الصحافية وتبادل المساعدة لرفع المواد المصوّرة على الإنترنت. ولكنّ “الأزمة هذه المرّة كانت أكبر مع القصف المستمر وانقطاع الإنترنت”.
حسن اصليح يعمل صحافياً مستقلّاً، وينشط في نشر الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتابعه الآلاف ويتفاعلون مع منشوراته. تضرّر عمل أصليح بسبب انقطاع الإنترنت، واضطر إلى التنقّل “بين أكثر من مكتبين أو ثلاثة مكاتب صحافية في اليوم الواحد من أجل رفع المواد كبيرة الحجم”.
يشتكي أصليح لـ”سمكس” من رداءة خدمات الإنترنت التي توفّرها شركات الاتصالات الخلوية العاملة في قطاع غزة، “جوال” و”أوريدو”. ويعتبر أنّ الخدمة التي تقدّمها هاتان الشركات “ضعيفة جداً بالمقارنة مع شركات الاتصالات الخلوية في الدول المجاورة، بسبب عدم تشغيل شبكات الجيل الثالث في غزة جرّاء منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال المعدات اللازمة”.
لم ينجُ المبرمج نبيل عوض الله من عملية قطع الإنترنت كذلك، حيث لم يستطع تسليم مهامه للجهة التي يعمل معها خارج غزة، مضيفاً في حديثه مع “سمكس” أنّ “الكثير من زملائه عانوا بسبب هذا الوضع كذلك. ويقول إنّه اضطرّ إلى التنقّل بين عدد من المنازل لكي يجد الإنترنت، “ما أدّى إلى اعتذاري عن مشروعين، فضلاً عن تأخّري في تسليم مشروعي الحالي”.
أمّا الأصعب بحسب عوض الله، فكان عدم القدرة على التواصل مع الأقارب في الداخل والخارج، خصوصاً بعد كلّ عملية قصف!”.