بيروت، لبنان، 15 نوفمبر 2022، في إطار النسخة الخامسة من ملتقى “خبز ونت” التي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد غياب أكثر من عامين بسبب جائحة “كورونا”، استضفنا علي عبيدات وهو إعلامي في مؤسسة “لمة صحافة” للإعلام المجتمعي في فلسطين، ليتحدث عن الإغراق المعلوماتي على البنية المعرفيّة لمتلقّي الأخبار والباحثين/ات عنها في فلسطين.
بدأ عبيدات الجلسة بالتعريف بـ”لمة صحافة”، وهي مجتمع رقمي للصحافيين/ات الفلسطينيين/ات، بدأت على “فيسبوك” وأصبحت فيما بعد مؤسسة تعنى باحتياجات الصحافيين/ات الفلسطينيين/ات والتحديات التي يواجهونها.
ثم انتقل عبيدات إلى وصف الوضع المعيشي في فلسطين، مشيراً إلى وجود 4 أقسام في البلاد:
-المدن المحتلة عام 1948 وهي خاضعة لاحتلال إسرائيلي كامل والفلسطينيون/ات هناك يسافرون عن طريق ما سمّي بـ”مطار بن غوريون”.
-قسم المقدسيين: احتُلّت القدس عام 1967، لكنها كانت والضفة الغربيّة خاضعتين للحكم الأردني.
-قطاع غزة: منطقة جغرافية عُزلت بفعل الحصار.
حالياً، هناك تقسيم جديد يقوم على جدار الفصل العنصري الذي بنته “إسرائيل”، وهو ليس تابعاً للتقسيم الذي أقرّته المواثيق الدولية عام 1967 بل جدارٌ أمنيٌ لفصل المناطق إلى نصفين حتى داخل القدس، ويستخدم كنوع من العقاب للفلسطينيين/ات على نضالهم/ن. وقد فرّق هذا الجدار بين الأسر والعائلات، وأصبحت “إسرائيل” تتحكّم في حياة الكثيرين، بحسب عبيدات.
بحسب الصحافي الفلسطيني، لا تتحكّم السلطات الإسرائيلية بالأراضي والفلسطينيين/ات وحسب، بل تتحكم كذلك بالإغراق المعلوماتي الفلسطيني على الإنترنت، أي قدرة الفلسطينيين/ات على الوصول والمتابعة على الإنترنت والتحكم بالمحتوى الذي يتطرق إلى القضايا الفلسطينية. حتى في ظلّ التطور التكنولوجي الراهن والمستمر، تُستخدم في القدس شبكات الـ 5G، فيما ما زالت مناطق الضفة الغربية تستخدم شبكات الـ 3G.
علاوة على ذلك، تراقب أجهزة الاحتلال المختلفة المحتوى وتعمد إلى نشر معلومات مضللة بدوافع أمنية بحسل عبيدات، فتنشر مثلًا معلومة مضللة ليأتي شخص ولينفيها ويشير إلى مصدر آخر، فتعرف حكومة الاحتلال المعلومات التي تريدها من دون بذل أيّ مجهود.
ومن آليات إغراق المحتوى التي يقوم بها الاحتلال هي جرّ المحتوى والنقاش إلى زاوية أخرى، واستشهد عبيدات على ذلك بحادثة مقتل فتاة، لم تبلغ الـ 16 عاماً، الساعة الثالثة صباحًا، على يد الاحتلال، كان معها شاب بالسيارة بعد نشر الخبر.
“ما قام به الاحتلال هو تغيير خبر مقتل الفتاة إلى الحديث حول أسباب وجود الفتاة مع الشاب في السيارة إضافة إلى تفاصيل أخلاقية تخصّ سلوكها، وتحوّل الموضوع من جريمة قتل متعمّدة إلى موضوع اجتماعي وثقافي يقسم الفلسطينيين/ات إلى فريقين. وقد حدث ذلك بسبب ضخّ معلومات غرضها تحريف النقاش، وهذا ما يفعله الاحتلال باستمرار”، يستكمل الصحافي الفلسطيني.
ويضيف عبيدات إلى أنه وعلاوة على ما سبق، “لا يجري التعامل بأخلاقيات الصحافة والنشر لدى الأغلبية من الصحافيين/ات أو الفلسطينيين/ات، سواء توفيت الضحية بحادث سير أو عملٍ فدائي، فيبدأ نشر المعلومات من دون إيلاء أهمية لموافقة الأهل أو مشاعرهم/ن.
كيف يمكن التخفيف من حدة الإغراق المعلوماتي؟
- يمكن للصحافيين/ات الذين يتمتّعون بثقة الناس ولديهم/ن أعداد كبيرة من المتابعين/ات تسليط الضوء على أهمية محاربة الشائعات والإغراق الكبير.
- اللجوء إلى المبادرات التي تعمل على التأكد من المعلومات والتحقق منها مثل “تحقق” و”تيقن” و “مسبار” وغيرهم.
- بذل جهد في محاربة الأخبار المغلوطة والزائفة.
وأضاف “كل شيء يُنشر على وسائل التواصل لا يجري التحقق منه، ويجب البحث عن آلية ليعرف المتابع أيّ الحسابات تنشر معلومات حقيقية وأيّها ينشر معلومات مضللة”، مشيراً إلى هذه الجهود يقابلها مواجهة وملاحقة من إسرائيلية تتمثل بالاعتقال الإداري، وهو اعتقال سرّي قابل للتجديد ولا يصرّح بموجبه عن السبب الحقيقي للاعتقال. أما الطريقة الأخرى فهي تواطؤ شركة “ميتا” مع الاحتلال، ومعاقبتها للحسابات التي تدعم القضية الفلسطينية وتتحقق من الأخبار، إذ أن للشركة 3 مقرات في “تل أبيب”.
ويحكي عبيدات عن تجاربه المتعددة مع “فيسبوك” الذي حذفه 76 مرة لأسباب غير منطقية، مثل نشر خبر حقيقي لا ينتهك المعايير:”شاركت مرة صورة جدارية لثلاث شهداء فمنعت من النشر والتفاعل بسببها، رغم أنها كانت منشورة من قبل حساب آخر، إلا أنني أنا من عوقب”.
“يرغب الاحتلال بحذف هويتك الرقمية، خاصّة إذا كنت صحافياً أو ناشطاً وتُعتبر مصدراً للأخبار الموثوقة، يقول عبيدات، وعند وقوع أيّ حدث تنشر عنه فيزيد التفاعل في حسابك، تفضّل شركة “ميتا” ترغب بحظرك لئلًا تنقل أخبار المجتمع الفلسطيني للعالم. وبعد حذف هويتك الرقمية، تُعتقل إدارياً ويجري إسكات صوتك إلى الأبد”، يقول عبيدات.