في الوقت الذي أقرّت فيه الحكومة الأردنية الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية “للنهوض باقتصاد وطني تنافسي عالمي”، أقر مجلس النواب الأردني قانون الجرائم الإلكترونية.
وفي 12 آب/أغسطس صادق الملك عبدالله الثاني على قانون الجرائم الإلكترونية على الرغم من الاعتراضات الواسعة، لا سيما على المواد الفضفاضة التي تقيّد حرية الرأي والتعبير وتكبّل المواطن الأردني بغرامات تتراوح بين 300 دينار أردني و50 ألف دينار أردني (من 400 دولار أميركي إلى 70 ألف دولار)، بالإضافة إلى عقوبات بالحبس.
فكيف يمكن إحراز أي تقدّم اقتصادي في ظلّ قانون يراه كثيرون مقيّداً لحرية التعبير وحاجزاً أمام خطط النهوض الاقتصادي؟
يعدّ الاستثمار التكنولوجي جزءاً من الانفتاح على الاقتصاد العالمي الحديث، بالإضافة إلى دوره في تطوير البنية التحتية والخدمات المقدمة من الحكومة، بتحسين البنية التكنولوجية، مثل الاتصالات، والبنية الرقمية، نقل الملكية، وغيرها مما يسهل على الأفراد والشركات العمليات التجارية وتبادل المعلومات بوقت، وتكلفة، وجهد أقل.
وتشير إحصائيات “داتاديجتال ريببورتال”، وهي شركة إحصاءات عالمية، للعام 2023، إلى أنّه يوجد 6.61 ملايين أردني يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي حتى كانون الثاني/يناير 2023، أي ما يعادل 58.4% من إجمالي السكان، فيما بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في المملكة 88% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 9.95 ملايين نسمة.
في المقابل، يطلب قانون الجرائم الإلكترونية من منصّات التواصل خارج المملكة والتي لديها عدد مشتركين يزيد عن 100 ألف مشترك في المملكة أن تنشئ مكتباً لها في الأردن، ليس لأيّ سبب اقتصادي كما تفعل بعض دول المنطقة، بل “للتعامل مع الطلبات والاشعارات الصادر عن الجهات القضائية والرسمية”، كما تشير المادة 37 من قانون الجرائم الإلكترونية. يضاف إلى ذلك أنّ الأردن هي من أكثر الدول طلباً للمعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب تقرير الشفافية لشركة “ميتا”.
أمّا في حال عدم تجاوب تلك المنصات لما ورد، بعد انقضاء 6 أشهر من تاريخ تبليغها من قبل الحكومة الأردنية، فإنّ الحكومة ستحظر الإعلانات على تلك المنصات وستقلل عرض نطاق حركة الإنترنت على تلك المنصّات لمدة 60 يوما بنسب تصاعدية تبدأ من 25% وتصل إلى 75%، وفق المادة نفسها.
بيّن خبير السياسات في “الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح” (JOSA)، قصي الصوان، لـ”سمكس”، أنّ المادة 37 من القانون قد تؤدّي إلى حظر الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي في حال رفض الشركات العالمية، مثل “ميتا” و”تيكتوك” و”تويتر” فتح مكاتب لها في الأردن، موضحاً أنّ “التوقعات تشير إلى توجّه البنك المركزي الأردني للتعميم على كافة البنوك بحجب طرق الدفع الإلكتروني للإعلانات”.
ومع ذلك، ستؤثّر العقوبات أكثر على صاحب الأعمال الأردني وليس شركات التواصل. فبحسب الخبير التكنولوجي والخبير في الجرائم الإلكترونية، عمر عربيات، “ستضرّ هذه المادة بالشركات التي تعرض منتجاتها عبر مواقع التواصل، والشركات القائمة على تقديم الخدمات التسويقية لهذه المنتجات”.
قد يصل الأمر كذلك إلى العودة وسائل التسويق التقليدية مثل الراديو والتلفزيون والإعلانات الورقية بسبب تقييد الوصول إلى منصّات معيّنة، لأنّ هذه الخطوة ستمثل تحدياً إضافياً للشركات المعنية بحيث سيتعذّر عليها الوصول بسهولة إلى جمهورها المستهدف وتسويق منتجاتها بفاعلية، كما يشرح عربيات.
يؤكّد عربيات أنّ سوق الأردن صغير عالمياً، “ممّا يعني أنّ على السلطات أن تعمل لجذب الاستثمارات بدلاً من تنفيرها، فشركات الاستثمار تبحث عن المؤثرات في الخارجية للشركة مثل الأنظمة والقوانين”، مشيراً إلى أنّ بلداً تغيّر قوانينها باستمرار لن تكون بيئة مناسبة للتسويق والعمل التجاري والاستثمار”.
وكانت بعض الدول الغربية، لا سيما الأوروبية، لوّحت بتجميد بعض المنح لدولة الأردن على خلفية قانون الجرائم الإلكترونية قبل إقراره من قبل الملك، وفق تقارير صحافية. وكما انتقد النائب الرئيسي للمتحدث الرسمي في وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتل، مشروع القانون، مشيراً إلى أنّه “يمكن بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوّض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن”.
يتّفق صوان مع عربيات، ويضيف أنّ ذلك سيضع أيضاً العاملين في الشركات تحت الضغط. فالمادة 25 من قانون الجرائم الإلكترونية التي تعتبر أنّ المسؤول عن الصفحة مسؤول عن المحتوى غير القانوني، “تجعل مدير الصفحة مسؤولاً قانونياً في حال وجود تعليق مسيء على صفحاتهم لأي منتج يروجون له”.
وبالتالي، يتساءل الصوّان كيف يمكن لأصحاب الأعمال أن يسوّقوا لأعمالهم كما تقول الاستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية (2023-2025) “للنهوض باقتصاد وطني تنافسي عالمي متنوع”، في حين سيكون عليهم بموجب القانون أن يقضوا وقتهم ليراقبوا التعليقات العشوائية لأنّ القانون فرض عليهم مسؤولية قانونية بسببها؟
لا يقتصر تأثير المادة رقم 25 من قانون الجرائم الإلكترونية، وهي المادة التي تجعل مدير الصفحة مسؤولاً قانونياً عن المحتوى والتعليقات، على العمل التسويقي والتجاري فحسب، بل ستؤثر على حرية الرأي والتعبير في قطاع العمل بما في ذلك العمل النقابي، حسبنا يوضح أحمد عوض، مدير “مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية”، وهو مركز أردني للدراسات والدفاع عن حقوق الإنسان لا سيما الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، لـ”لسمكس”.
ويشرح عوض أنّ هذه المادة “ستحدّ من جهود النشطاء النقابيين في مطالباتهم بحقهم بالتنظيم النقابي، بالإضافة إلى أنّ النصوص الفضفاضة تمكّن أصحاب العمل من ممارسة الضغط على العمال للتراجع عن المطالبة بتحسين شروط عملهم”.
ونتيجة عدم قدرة النشطاء النقابيين والعمال والنقابات العمالية الدفاع عن مصالحها خوفاً من استخدام وسائل التواصل والإنترنت، “سيؤدي ذلك إلى المزيد من عزوف الشباب والشابات عن الانخراط في النقاشات حول ظروف عملهم”، يضيف عوض.
وتشير وحدة الأبحاث في منظمة “سمكس”، في تعليق على القانون، إلى أنّ ه يوجد ما لا يقل عن 5 مواد في القانون تقيد حرية التعبير بشكل مباشر (المواد 15 و16 و17 و18 و19 و20)، مما يؤدي إلى ترتيب أسوأ للأردن على سلم الحرية والمزيد من الانتقادات على المستوى الدولي. كما أنّ من شأن حظر المواقع الإعلامية أن يحيل مئات الصحفيين الأردنيين إلى البطالة
وبحسب وحدة الأبحاث، قد يُستخدم القانون لفرض قطع الإنترنت بما فيه من تأثير سلبي على الاقتصاد، وذلك بموجب المادة 33 التي تسمح للنائب العام بإزالة أو حجب أو إيقاف أو تعطيل شبكة الإنترنت أو أي مواقع تنتهك اللوائح.
للحكومة الأردنية عدة قرارات سابقة، اتخذتها في حجب المنصات والمواقع الإلكترونية، مثل موقع “الحدود” الساخر وموقع “حبر الإلكتروني“، ومنصة “تيكتوك“، وقد يكون لإقرار قانون الجرائم الإلكترونية، مفصلاً هاماً في التأثير على البيئة الرقمية والتواصل الاجتماعي. والآن، ينتظر الأردنيون دخول القانون حيز التنفيذ بعد ليرون وكيف سيتغير شكل الإنترنت، وما هو مصير وسائل الإعلام، والاقتصاد الأردني بعد تطبيقه.
الصورة لخليل مزرعاوي، AFP