بيروت، لبنان، 15 نوفمبر 2022، في إطار النسخة الخامسة من ملتقى خبز ونت التي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد غياب أكثر من عامين بسبب جائحة كورونا، استضفنا مدير مشروع الحقوق الرقمية لمنظمة سام الحقوق الرقمية عمر الكندي، الصحافي اليمني مبارك اليوسفي، ليتحدثا عن عن وضع قطاع الإنترنت في اليمن خاصة بعد استهداف قطاع الإنترنت من قبل عدة أطراف.
بدأت الجلسة بتعريف سريع من عمر الكندي لوضع الإنترنت في اليمن، إذ وفقًا لمنظمة “أكسس ناو”، بلغ عدد مستخدمي/ات الإنترنت في اليمن 9 مليون مستخدم حتى كانون الثاني/يناير 2022، أي 27%، وهي نسبة جيدة نسبة لارتفاع نسبة الأمية في اليمن. كما أن حجم السعة الدولية للإنترنت في اليمن تقدر بـ 174 جيجا بايت وهي قليلة جدًا مقارنة بالدول المجاورة، فضلاً غلاء أسعار الإنترنت مقارنة بمتوسط دخل المواطن اليمني، كما تحتل اليمن ترتيب 198 عالميًا من حيث سرعة الإنترنت وفقًا لـ Speed test.
ثم انتقل الكندي لشرح لوضع الراهن في البلد، وأشار إلى أنّ هناك حرب اتصالات موازية للحرب العسكرية، ويذكر أنه وخلال الحرب، تعرض الإنترنت في اليمن إلى فرض الوصاية والسيطرة من قبل أطراف عدة، كما دُمّرت البنية التحتية للاتصالات.
“خلال الحرب أحرقت وعُطّلت عشرات الكابلات الأرضية الهوائية ذات السعة المتعددة، كما تعرضت المباني الخاصة بالقطاع للقصف من قبل التحالف، بالإضافة إلى توقف عدد من محطات التقوية والخلايا الشمسية نتيجة القصف”، ويضيف أن 32% من البنية التحتية من القطاع دمرت بشكل مباشر، و 24% دمرت بشكل جزئي، ويشير إلى أنه وفقًا لأحدث تقارير وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، فإن التحالف العربي نفذ حوالي 2760 غارة جوية تستهدف بشكل مباشر قطاعات خاصة بالاتصالات اليمنية والبريد، كما استهدف حوالي 1106 منشأة، دُمّر 709 منها بشكل كامل، فيها دُمّر 400 منها بشكل جزئي. كما خرجت 862 موقع ومنشأة عن الخدمة، وتسببت هذه الاستهدافات بعزل 114 منطقة في اليمن عن العالم.
كما أن هناك 1642 منشأة عاجزة عن الاستفادة من خدمات الاتصالات والانترنت، فضلاً عن 6.8 مليون مواطن/ة محرومين من الخدمات البريدية، و حوالي 1.3 مليون مستخدم/ة حرموا من الاتصالات والانترنت، فيما يعاني حوالى 14 مليون مستخدم/ة من رداءة الخدمة، ونحو 1.8 مليون لم يعودوا قادرين على الوصول إلى الانترنت والاتصالات.
“يشهد قطاع الاتصالات في اليمن حرباً أكثر ضراوة من الحرب الفعلية على الأرض، إذ تسعى أطراف الصراع في اليمن إلى السيطرة على الاتصالات لما له من أهمية اقتصادية واجتماعية كبيرة، ولا يمكن إغفال أهميته من النواحي السياسية والأمنية والاستراتيجية”، يقول مبارك اليوسفي.
ويشير اليوسفي إلى أنه كلما احتدّت وتيرة الحرب في اليمن زادت وتيرة الضغط على قطاع الاتصالات، مما أدى إلى خسائر فادحة قُدّرت بنحو 6.7 مليار دولار. وفي هذا الصدد، يشير التقييم المستمر للاحتياجات في اليمن – المرحلة الثالثة، والصادر عن البنك الدولي، إلى أن 25% من الأصول المستخدمة في قطاع الاتصالات في اليمن قد تضرّرت جزئياً أو دُمّرت منذ بداية الأزمة والحرب.
وتسببت الحرب في اليمن بتراجع نسبة تغطية شركات الاتصالات النقالة عن بعض المناطق بسبب عدم قدرتها على تزويد مولدات الطاقة الخاصة بأبراج الاتصالات بالوقود وخروج منظومة الكهرباء العمومية عن الخدمة منذ العام 2015، ما أدى إلى خروج نسبة 40% من المناطق عن التغطية والإنترنت، بحسب اليوسفي.
من جهته، عاد الكندي ليتحدث عن آثار الحرب على قطاع الإتصالات وانعزال اليمن تماماً عن العالم لمدة خمسة أيام في كانون الثاني/يناير 2022، إثر انقطاع الانترنت عن البلاد بسبب استهداف مقاتلات التحالف العربي للبوابة الدولية للإنترنت، في مبنى المؤسسة العامة للاتصالات في مدينة الحديدة غربي البلاد، وهي البوابة الرئيسية والوحيدة التي تستخدمها اليمن حاليا للاتصالات والإنترنت، ما أدى إلى انقطاع خدمة الانترنت عن اليمن بالكامل لمدة خمسة أيام، إضافة إلى خروج خدمة الاتصالات في الحديدة عن الخدمة.
تسببت تلك الهجمات بالكثير من الخسائر على مستوى شركات الاتصالات والمستخدمين/ات، كما توقفت كافة التعاملات البنكية والمصرفية في البلاد في تلك الفترة، وتوقفت أعمال كثيرين/ات وتأثر الكثير من المستخدمين/ات. وفي الشهر التالي من وقوع الحادثة، استهدفت طائرات التحالف العربي مرة أخرى مبنى الشركة اليمنية للاتصالات الدولية في اليمن بغارتين جويتين في صنعاء، ما أدى إلى قطع الاتصالات الدولية والإنترنت عن بعض المناطق لساعات، كما تضرّرت سيرفرات الخدمة يحسب وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء.
استهدافات التحالف
لم تكن هذه العمليات العسكرية الأولى ولا الأخيرة التي استهدفت قطاع الاتصالات في اليمن بشكل مباشر، لكنها كانت أشدها تأثيراً على المستخدمين/ات، بحسب مبارك. كما أن حجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع الاتصالات في اليمن كان له أسباب أخرى، مثل سعي جماعة أنصار الله إلى تحويل أماكن الإتصالات إلى ثكنات عسكرية. ففي العام 2018، لاحظ مواطنون/ات دخول عربات عسكرية تابعة للجماعة يعتقد أنها كانت تنقل معدات عسكرية إلى منطقة “جبل برد” في محافظة ريمة -وهي منطقة جبلية تعتبر ثاني أعلى منطقة جبلية في اليمن بعد جبل النبي شعيب في صنعاء، يقول مبارك.
عندما حاولت الجماعة استغلال المنطقة لأغراض عسكرية، قصفها التحالف شكل مباشر، و تعرضت إلى أضرار كبيرة. حاول الحوثيون نقل معدات عسكرية إلى المكان نفسه عام 2019، ما أدى إلى استهداف المنطقة بالكامل من قبل التحالف، وعزل أكثر من نصف سكان المحافظة عن العالم حتى الآن.
هذا الصراع المعقد على الاتصالات في اليمن جعل الخدمة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، إذ أصبحت الخدمة سيئة إلى أبعد حد. مؤخرا، وبعد سيطرة الحوثيين/ات على معظم قطاعات الاتصالات في اليمن الحكومية والخاصة، سهلت عملية الانتقال إلى الجيل الرابع (4G)، رغم البنية التحتية السيئة وغير المؤهلة.
بحسب مبارك، يسيطر الحوثيون اليوم على قطاع الاتصالات والإنترنت في اليمن بشكل شبه كلي، وذلك لإقصاء الآراء المعارضة والتجسس على المستخدمين/ات، إضافة إلى حجب مواقع الإنترنت. في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أقدمت الجماعة على حجب مواقع الاتصال المرئي “زووم” وغوغل ميت”، ثم رفعت الحجب بعد احتجاجات نشطاء الإنترنت.
واختتم الكندي الجلسة بتقديم بعض التوصيات لحل الأزمة، نذكر منها:
- يتوجب على أطراف الصراع عدم استخدام قطاع الاتصالات كأداة لتصفية الحسابات السياسية والعسكرية، فالإنترنت هو حق من حقوق الإنسان.
- بنغي على الأمم المتحدة والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان إدراج ملف الاتصالات ضمن أجندة مفاوضات قادمة وممارسة أقصى درجات الضغط لتحييد هذا القطاع عن أي خلافات سياسية مستقبلية.