بعد جائحة كوفيد-19، باتت الأخبار التي تنبئ باكتشاف فيروسات جديدة تتصدّر عناوين النشرات الإخبارية والصحف. يُسارِع كثيرون إلى مشاركة ما يتنامى إلى مسامعهم، قبل الإبلاغ عن حالات إصابة مؤكّدة، حتى ولو كانت تلك المعلومات خاطئة أو خارج سياقها، كما هي الحال في الأخبار الأخيرة المتعلّقة بفيروس جدري القردة. إلا أنّ تجربتنا الجماعيّة بشأن المعلومات المضلّلة المتعلّقة بجائحة كوفيد-19 تمكّننا من مواجهة الأساطير ونظريات المؤامرة حول الأمراض الجديدة والقديمة. فكيف تعامل السودان مع الأخبار الكاذبة المتعلّقة بجائحة كوفيد-19 في السنتَيْن الأخيرتَيْن؟
ساهمت الشائعات والمفاهيم الخاطئة المتعلّقة بجائحة فيروس كورونا في دفع شريحة واسعة من سكّان السودان إلى الامتناع عن تلقّي اللقاح. وفشلت الحكومة في معالجة جائحة “الأخبار الكاذبة” التي تنتشر في البلاد، في حين حقّقت المبادرات المجتمعيّة التي نفّذتها المنظمات غير الحكومية والمؤسّسات الإعلامية الخاصة قدراً أكبر من النجاح في مكافحة تفشي المعلومات المضلّلة ونظريات المؤامرة المتعلّقة باللقاح المضاد لكوفيد-19.
التشكيك في جدوى اللقاح
لا يزال معظم سكّان السودان غير ملقّحين ضدّ كوفيد-19. ووفقًا للرسم البياني الذي أعدّته منظمة “عالمنا في البيانات” (Our World in Data)، لا تزال نسبة الأشخاص الذين تلقّوا أكثر من جرعة واحدة من اللقاح أقلّ من 10% في العام 2022. وتشمل اللقاحات المتوفّرة حاليًا في السودان لقاح “أسترازينيكا” واللقاحات الأخرى المقدّمة عبر “مبادرة الوصول العالمي للقاحات كوفيد-19” (كوفاكس). ومع ذلك، لا يزال الكثير من سكّان السودان يشكّكون في جدوى التلقيح ضدّ كوفيد-19 وضرورته. في المقابل، تحظى الأدوية التقليدية البديلة، مثل عشبة القرض، بقدر أكبر من الموثوقية، إذ يعتبرها السكان ترياقاً مضاداً للمرض.
وفقًا لنشرات “إنترنيوز” (Internews) الإخبارية حول كوفيد-19، تنتشر شائعات في السودان مفادها أنّ اللقاحات قد تغيّر في الحمض النووي البشري أو تتسبّب بارتفاع حرارة الجسم، ما يلغي فعالية اللقاح. كذلك، انتشرت شائعات أخرى زعمت أنّ لقاحات “جونسون آند جونسون” مميتة وأنها تؤثر في الدورة الشهرية والحمل لدى النساء.
بالإضافة إلى تلك المفاهيم الخاطئة، يسيء القادة السودانيّون استخدام سلطتهم المهنية والمجتمعيّة لنشر المعلومات المضلّلة حول لقاحات كوفيد-19، خدمةً لمشاريعهم الخاصّة. ونتيجة لذلك، لم يتلقَّ سوى 15% من سكان السودان اللقاح المضاد لفيروس كورونا حتى الآن.
استجابة الحكومة للمعلومات المضلّلة المتعلّقة بجائحة كوفيد-19
ورثت الحكومة السودانية نظاماً صحّياً هشاً يعاني من شحّ التمويل، ما يفسّر استجابتها الضعيفة لتفشي جائحة كوفيد-19، لا بل قوّضت الجائحة بشدّة مرافق القطاع الصحّي وقدراته الضعيفة أساساً. ونتيجة لذلك، أطلقت الحكومة بعض المبادرات الصغيرة النطاق لمكافحة المعلومات المضلّلة حول الجائحة، لكنّ هذه الأخيرة لم تحقّق هدفها سوى إلى حدّ معيّن.
ومن الأمثلة عن هذه المبادرات إطلاق برنامج إعلامي شبه يومي من إعداد وزارة الصحة ووزارة الإعلام، قدّم تحديثات حول وضع الجائحة في السودان، وأعداد الإصابات، والحالات النشِطة، والوفيات. كذلك، عمّم البرنامج التدابير الوقائية الواجب اتّخاذها لمكافحة كوفيد-19 باللهجة العربية السودانية، استناداً إلى نصائح منظمة الصحّة العالمية، ما أتاح هذه المعلومات إلى أوسع جمهور ممكن.
فضلاً عن ذلك، أطلقت وزارة الصحّة خطّاً ساخناً مجانياً (221) مُتاحاً للهواتف المحمولة والخطوط الأرضية، من أجل تزويد الناس بمعلومات مؤكّدة بشأن كوفيد-19. وكان مشغّلو الخط الساخن إمّا من أعضاء الأطقُم الطبّية المهنية أو من المتطوّعين المدرّبين. وقد وفّرت وزارة الصحّة أيضاً مراكز لعزل المُصابين، وسجّلت الشكاوى حول الأشخاص الذين يخالفون حظر التجوّل أو تعليمات السلامة، ووثّقت عملية تقديم جرعات اللقاح.
المبادرات غير الحكومية
نظرًا إلى كثرة التحدّيات والعوائق التي تواجهها الحكومة الانتقالية في السودان، أطلقت منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مبادرات ومشاريع بديلة لمكافحة المعلومات المضلّلة بشأن جائحة كوفيد-19 واللقاحات المضادة لها.
نشرت وسائل الإعلام الخاصة، مثل “أندريا” (Andariya)، مقالات تثقيفيّة باللغتَيْن الإنكليزية والعربيّة على موقعها الإلكتروني، وعقدت شراكات مع منظمات أخرى لهذه الغاية. ومن هذه المبادرات، مشروع “روتد إن تراست” (Rooted in Trust)، الذي أطلقته منظمة “إنترنيوز” بالشراكة مع “أندريا”. أصدر المشروع نشرات أسبوعية لتبديد الشائعات المتعلقة بكوفيد-19 التي تتفشى على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الخطاب العام خارج إطار الإنترنت. كذلك، تعاونت “أندريا” أيضًا مع حساب The Pandemic SD للتوعية بالجائحة على “تويتر”.
فضلًا عمّا سبق، نشرت مجلّة 500Words Magazine مقالات حول كوفيد-19، ولكن باللغة الإنكليزية حصراً، كما نشرت “شبكة عايِن” (3ayin.com)، وهي وسيلة إعلام سودانيّة متخصّصة في الصحافة الاستقصائية، عدداً من المقالات وأنتجت وثائقيات قصيرة بالعربية والإنكليزية حول جائحة كوفيد-19، والمعلومات المضلّلة المتعلّقة بها، وأثرها على المدنيّين اجتماعياً واقتصادياً.
شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي جهة فاعلة أساسيّة في مكافحة المعلومات المضلّلة بشأن اللقاح، في حين أنّ منصّات مثل “ميتا” (Meta)، أي “فيسبوك” سابقاً، تعاونت مع منظمة الصحّة العالمية للاستفادة من أدوات التسويق والإعلان لديها لمكافحة المعلومات المضلّلة حول العالم. يشير أواب علي، وهو مدير تنفيذي في مجال التسويق الرقمي في السودان، إلى أنّه “في رأيي، لا يمكن قياس فعالية مكافحة المعلومات المضلّلة ضدّ كوفيد على وسائل التواصل الاجتماعي بدقّة. لذا، في حال عدم تقديم المزيد من اللقاحات المضادة لكوفيد-19، لن نتمكّن من تقييم معركتنا ضدّ تلك الأخبار المضلّلة”.
من الصعب استخدام الإحصاءات أو المؤشرات لقياس أثر التدابير والحملات الداعية إلى أخذ لقاح كوفيد-19 والتي نظمتها وزارة الصحّة أو المنظمات غير الحكومية أو مبادرات أخرى. ويقول أواب لـ”سمكس” (SMEX) إنّ هناك ثلاثة أسباب رئيسية لعدم فعالية وسائل التواصل الاجتماعي في مكافحة المعلومات المضلّلة حول اللقاحات المضادة لكوفيد-19، وهي:
“(١) عدد الأشخاص الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بعدد السكان الإجمالي قليل، لكنّ أثرهم على السكان من غير مُستخدِمي وسائل التواصل الاجتماعي هائل،
(٢) المعلومات المضلّلة التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تتّخذ عادةً شكل “ميم” (meme) أو غيرها من أشكال السخرية،
(٣) حتى يومنا هذا، لا تتوفر الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي في السودان بسبب العقوبات. لذا، فإنّ أيّ حملة إعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف المعلومات المضلّلة حول اللقاحات المضادة لكوفيد-19 لن تحقّق أيّ أثر في السودان”.
لا يزال الطريق طويلاً أمام الحكومة السودانية قبل القضاء على المعلومات المضلّلة بشأن اللقاحات المضادّة لفيروس كورونا، لا سيّما وأنّ مساهمات وسائل إعلام والمنظمات غير الحكومية بقي أثرها محدوداً. في عالمنا الرقمي، استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي أدوات التسويق والإعلان لديها وبرمجياتها للحدّ من انتشار المعلومات المضلّلة بشأن لقاحات كوفيد-19، لكنها فشلت في تطبيق التدابير نفسها في السودان.