تتعرّض منصّة “نتفليكس” للبثّ التدفّقي لضغوط من بعض البلدان الناطقة بالعربية من أجل الحدّ من محتواها بحجّة “انتهاك المبادئ الإسلامية” والقِيَم المجتمعية. هذا النوع من الرقابة المموّهة تحت عنوان تقييد “المحتوى الحسّاس”، ليس حالة معزولة بل أصبح اتّجاهاً سائداً في المنطقة، ولا سيّما عندما يتعلّق الأمر بقضايا مجتمع الميم أو الاختلافات السياسية.
في بيانٍ مشترك صادر عن المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي الذي يضمّ الامارات العربية المتّحدة وقطر والكويت والبحرين وعُمان، طُلِبَ من “نتفليكس” إزالة المحتوى الذي يعتبر مسيئا “للقيم الإسلامية والاجتماعية” في المنطقة. وتلقّت المنصّة تهديداً باتّخاذ الإجراءات القانونية اللازمة إذا لم تتوقّف عن بثّ محتوى “مخالف”. وحتّى الآن، لم يصدر أيّ ردّ فوري من “نتفليكس”، وحاولت منظّمة “سمكس” الاتّصال بالشخص المعني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكنْ لم يصدر عنه أيضاً أيّ ردّ.
لا يحتوي البيان على تفاصيل إضافية ولا تُذكَر فيه أيّ مادّة محدّدة، لكنَّ قناة “الإخبارية” التي تُديرها الدولة السعودية أشارَت إلى أنّ السبب يكمن في محتوى “نتفليكس” الذي يُروِّج “للشذوذ الجنسي ويُعتبَر ضارّاً للأطفال وجيل المستقبل”. كما عرضت القناة نفسها بعض المقاطع المموّهة لإخفاء محتواها من برنامج الرسوم المتحرّكة “جوراسيك وورلد كامب كروتاشيس” (Jurassic World Camp Cretaceous) حيث تعترف فتاتان مُراهِقتان بحبّهما لبعضهما بعضاً وتتبادلان القُبَل.
وفي 7 أيلول/سبتمبر، بعد يومٍ واحد فقط من بيان مجلس التعاون الخليجي، أصدرَ “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” في مصر أنظمةً بشأن المحتوى على منصّات مثل “نتفليكس” و”ديزني” من أجل اتّباع الأعراف والقِيَم المجتمعية للدولة. وعلى الرغم من أنَّ المنشور لا يُضيف المزيد من التفاصيل في الوقت الحالي، غير أنَّه يُشير إلى اتّخاذ التدابير اللازمة في حال تعارضت المواد المنشورة مع القِيَم الاجتماعية للبلد.
ليست هذه أولى حالات الرقابة في المنطقة، فلطالما تعرّضت المنتجات السمعية-البصرية للتهديد بحجّة حماية القِيَم الاجتماعية والإسلامية. في نيسان/أبريل من هذا العام، لم يُعرَض فيلم “دكتور سترينج في الأكوان المتعددة المجنونة” (Doctor Strange in the Multiverse of Madness) في دور السينما السعودية، بعد أن رفضت شركة “ديزني” الاستجابة لطلب السلطات بحذف المشاهد التي اعتبرت أنَّها تحمل “إيحاءات للشذوذ الجنسي”. وحصلَ الأمر نفسه في شهر حزيران/يونيو عندما حُظر فيلم الرسوم المتحرّكة “لايت يير” (Lightyear) في الإمارات العربية المتّحدة و14 بلداً آخر، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والكويت ولبنان، من أجل قبلةٍ يتبادلها شخصين من نفس الجنس.
علاوةً على ذلك، في كانون الثاني/يناير 2019، حذفت “نتفليكس” حلقة من البرنامج الكوميدي “باتريوت آكت” (Patriot Ac) الذي يقمه حسن منهاج، بسبب انتقاد المملكة والتعليق على مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
هذه الرقابة المغلّفة بحظر بعض أنواع المحتوى بحجج مختلفة، تنطوي كذلك على منطقٍ اقتصادي أعمق. تمتلك المملكة العربية السعودية منصّة “شاهد” المشهورة في المنطقة، في حين تمتلك مصر منصّة مشابهة، وهي منصّة “Watchit“. تخضع المنصّتان بالكامل لسيطرة الدولة وجهازها الأمني. وعلى الرغم من أنَّ “نتفليكس” ما زالت في الوقت الحالي المنصّة الأكثر انتشاراً في المنطقة، إلّا أنَّ ارتفاع أسعار الاشتراك والقيود المستمرّة على المحتوى قد يخدمان مصلحة المنصّات المحليةويزيدان عدد مشاهديها بشكل كبير.
وكما ذُكِر في مقالٍ نشره موقع “فارايتي” (Variety)، يتمثّل الفارق الرئيسي في أنَّ 42% من محتوى منصّة “شاهد” هو محتوى محلّي، في حين أنَّ حصّة اللغة العربية على منصّة “نتفليكس” لا تتعدّى 1% فقط.
تُريد البلدان العربية ذات الأنظمة الاستبدادية، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، تقييد محتوى المنصّات العالمية مثل “نتفليكس” بحجّة حماية القِيَم الاجتماعية والدينية، في وقت تتغاضى المنصّات نفسها عن هذه الرقابة، الأمر الذي يمنح المزيد من السلطة لهذه البلدان. ومع ذلك، قد يؤدّي الحظر الذي يُعتبَر الآن حظراً جزئياً إلى مزيدٍ من الرقابة، ولذلك ينبغي على الشركات أن تُعطي الأولوية لحرّية التعبير على حساب الأرباح المالية التي تجنيها من العمل في ظلّ القيود السلطوية.