من مظاهرة يوم 10/10 للمطالبة بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية (المصدر: موقع al-ain.com).
فلسطين دولة أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صكت قانوناً لمكافحة الجرائم الإلكترونية، رأت فيه الحكومة حمايةً لمؤسسات الدولة والمستخدمين/ات من الخروقات الرقمية، بينما اعتبره كثيرٌ من الناشطين/ات وأصحاب العلاقة تكميماً للأفواه وحدّاً لحرية التعبير. يأتي ذلك في ظل استمرار حجب المواقع والتضييق على الحريات على الإنترنت واعتقال الناشطين في دول المنطقة.
القانون الفلسطيني رقم 16 لعام 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية الّذي نُشر بتاريخ 24 حزيران/يونيو، في جريدة “الوقائع الفلسطينية” الرسمية، تلقّفه أصحاب العلاقة بتوجّسٍ نظراً لما نصّ عليه في عديدٍ من المواد، سرعان ما جوبه بالرفض من قبل أصحاب العلاقة، المتمثلين بهيئات المجتمع المدني، منظمات حقوق الإنسان، الناشطون/ات، الصحافيون/ات، وغيرهم/ن، حيث طولب أوّلاً بتعديله، ومن ثمّ ارتفع سقف المطالب الّتي تناشد اليوم بإلغائه في احتجاجاتٍ تنوّعت بين مظاهراتٍ في شوارع رام الله وحملاتٍ رقمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأتي هذه الاحتجاجات نتيجةً لما يحمله هذا القانون من نصوص غامضة ومصطلحات فضفاضة من شأنها إحداث التباس وضبابية عند تأويل مواده. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعاقب كلٌ من المواد 16 و20 و51 الأفراد بالغرامة و/أو السجن، وصولاً إلى الأشغال الشاقة المؤقّتة أو المؤبّدة، وتهدّد المادة 40 المواقع بالحجب الكامل أو الجزئي. كلّ ذلك يبنى على تهمٍ مثل “المساس بالآداب العامة”، تهديد أمن وسلامة الدولة، “الإضرار بالوحدة الوطنية” وغيرها… ما يتناقض مع المعايير الدولية ومع المادة رقم 15 من القانون الأساسي المعدل، الّتي تنصّ على أنّه لا جرم ولا عقوبة إلّا بنصّ قانونيّ.
رأى ناشطون/ات وغيرهم/ن من أصحاب العلاقة، في هذا القانون “نية مبيتة للسلطة في التضييق على الصحفيين ومصادرة حرّية الرأي والتعبير”، بحسب ما كان مدير مركز مدى للحريات الإعلامية، موسى الريماوي، قد وصفه في آب الماضي. وفي حديث مع منسق أعمال مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، محمود إفرنجي، قال أنّ قانون الجرائم الإلكترونية “بدلاً من أن يكون حامياً وضامناً للحقوق والحريات للمواطنين، فإنه ينتقص منها وينتهكها لصالح السلطة.”
هذا ويرى إفرنجي أن القانون يخالف بعض المبادئ القانونية الأساسية “بسريانه يوم نشره بالجريدة الرسمية، وهو قانون جزائي، يفترض أن تعطى مهلة قانونية للمواطنين للاطلاع عليه. ومسألة عدم إمكانية استبعاد أي دليل، فهو تدخل في عمل القضاة إضافة إلى إمكانية اعتماد أدلة متحصل عليها بطريقة باطلة. القرار بقانون فيه الكثير من الإشكاليات التي تجعل من الإصرار على تطبيقه من قبل الجهات المختصة أمراً مريباً”.
لم يطرح القانون لنقاش مجتمعيّ واسع قبل إقراره، ولم يطلب رأي هيئات المجتمع المدني ونقابة الصحفيين والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والشركات المزودة للإنترنت وغيرها في أحكامه، وبحسب الهيئة المستقلة، فقد تم الاطلاع على محاضر اجتماع مجلس الوزراء الفلسطيني بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2017 ولم تلحظ قراره بتنسيب القرار بقانون المذكور وإحالته إلى الرئيس الفلسطيني للمصادقة عليه.
تبرر المادة 33، للنيابة العامة أو من تنتدبه من لمأموري الضبط القانوني، تفتيش الأشخاص وممتلكاتهم بعد اتهامهم بخرق إحدى مواد القانون، وهو استباحة لخصوصية المستخدمين/ات، بحسب عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، لأن “مأموري الضبط القضائي هم كل من؛ الشرطة، المخابرات العامة، الأمن الوقائي، الاستخبارات العسكرية، الدفاع المدني، وزارة الاتصالات، النيابة العامة ومزودو خدمة الإنترنت عند الضرورة.” أمّا المادة رقم 35، المعنية بمراقبة الاتصالات والمحادثات الإلكترونية وتسجيلها، والاستعانة بمزودي الخدمة إن احتاج الأمر، فهي لا تشترط على إخطار الشخص بمراقبة اتصالاته ومحادثاته الإلكترونية مسبقاً.
هذا وأصدرت كلٌ من نقابة الصحفيين والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، رسالة عاجلة طالبت فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوقف العمل بهذا القانون. ومن جهتها، وصفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذا النهج بـ “المدمر”، وبأنه “يطلق العنان للاحتلال لاستهدافهم [أي الناشطين السياسيين] واعتقالهم، خصوصاً وأن الكثير من الناشطين قد اعتقلوا من قبل الاحتلال.”
الصحفية مرح الوادية، ترى أنّ الصحفيين باتوا يجرّمون بناءً على المواد الّتي ينشرونها، وقرّرت عدم المخاطرة؛ “غالباً لن أغامر بكثير من المواد التي تتعارض معه [أي القانون] بالفترة الحالية … يمكن أن أحاول التحايل عليه في أساليب الطرح المختلفة تماشياً معه وحفاظاً على سلامتي لكن في الوقت ذاته سوف ألتزم الصمت في كثير من الأحيان.”
تدرك الجهات ذات العلاقة من ممثلين/ات عن المجتمع المدني، منظمات حقوق الإنسان، والناشطين/ات، وغيرهم، أهمية وجود قانون أو تشريع لحماية المواطنين وممتلكاتهم وأسرارهم ومؤلفاتهم من الخطر أو التهديد أو الاستغلال، كما تؤمن بأهمية حماية مؤسسات الدولة وبياناتها من قراصنة الإنترنت، ولكنها في الوقت ذاته، تشدّد على أهمية أن يتوافق هذا القانون أو التشريع مع أحكام القانون الأساسي المعدل ومع الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومع المبادئ الدولية المعنية بمراقبة الاتصالات. حيث يساعد ذلك بتأمين موازنة معقولة ما بين الدولة وصلاحياتها وإجراءاتها الإدارية والعقابية وحق المواطنين في حرية التعبير والخصوصية وفق ما هو مقبول في مجتمع ديمقراطي حر.
بتاريخ 13 آب/أغسطس 2017 التزم النائب العام بعدم استناد النيابة العامة إلى أيّ من أحكام القانون المذكور لتوقيف المواطنين/ات أو لتمديد توقيفهم أو لإحالتهم إلى المحكمة جرّاء أي أفعال مجرمة بموجبه، إلّا أن اعتقال ناشط في الخليل مطلع أيلول/سبتمبر بسبب إبداء رأيه على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك استناداً للمادة رقم 20 من القرار، وما سبقه من توقيفٍ لسبعة صحفيين من مختلف المحافظات بالاستناد إلى ذات القانون، أعاد الأمور إلى نقطة البداية. وأضاف الإفرنجي في ذات السياق أن “مجلس منظمات حقوق الإنسان يطالب بإلغاء القرار بقانون المذكور بعد أن كان طرفاً في لجنة مشكلة من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للحوار من أجل تعديله إلى جانب مؤسسات مجتمع مدني أخرى.”
مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني والأطراف ذات العلاقة نظّمت يوم الثلاثاء 10 تشرين الأول/أكتوبر 2017، اعتصاماً أمام المجلس التشريعي، وسار المتظاهرون/ات نحو مجلس الوزراء، بهتافاتٍ ولافتاتٍ يطالبون فيها بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية.
صفحة لجنة التنسيق الوطني للدفاع عن الحرّيات على فيسبوك الّتي أُنشئت في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر للدعوة إلى اعتصام يوم 2017/10/10، عاودت نشاطها يوم الأحد 22 تشرين الأول/أكتوبر معلنةً عن حملة إلكترونية أٌطلقت مساء اليوم ذاته للمطالبة من جديد بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية. ودعت اللجنة للمشاركة باستخدام هاشتاغ #قانون_الجرائم_جريمة وهاشتاغ #احبسونا على فيسبوك، وتويتر أيضاً. وبالفعل فقد عجّ موقعا التواصل الاجتماعي بناشطين/ات يطالبون بإلغاء هذا القانون.
وبحسب وكالة معاً الإخبارية، فإنّ وزارة العدل الفلسطينية، ومقرّها رام الله، كانت قد بدأت في نفس اليوم مشاوراتٍ مع مؤسسات رسمية شريكة ومؤسّسات المجتمع المدني، لتعديل قانون الجرائم الإلكترونية، وذلك بعد تلقّي توجيهاتٍ من كلٍّ من رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل.
ومن وجهة نظر دولية، كانت منظمة العفو الدولية قد وصفت قانون الجرائم الإلكترونية بالتشريع الخلافيّ، ورأت أنّه يهدف “لإحكام السيطرة على حرية وسائل الإعلام ومنع التعبير والرأي المعارض على شبكة الإنترنت.” وكتب المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة، ديفيد كاي، “تم تحضير القانون وإقراره بالسر وبعيداً عن مناقشته مع المجتمع المدني … وهو يحتوي على أحكامٍ تسمح بحجب مواقع ويب وأحكامٍ تجرّم التعبير المشروع، مما قد يمثّل تدهوراً كبيراً في حرية الإعلام في فلسطين.”
بدورها تؤكّد منظّمة SMEX دعمها لسعي هيئات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والناشطين/ات في فلسطين انطلاقاً من دورها في الدفاع عن الحقوق الرقمية وخصوصية الناشطين/ات والصحفيين/ات وجميع المستخدمين/ات على الإنترنت في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.