أعلنت شركة “ميتا” الأسبوع الماضي أنّ تطبيق “واتساب” سيبدأ بعرض إعلانات موجّهة، فيما أشار عددٌ من المقالات الصحافية والتعليقات من المجتمع المدني، إلى أنّ هذه الخطوة تعارض رغبة مؤسسي التطبيق بألّا يتضمّن تطبيق المراسلة أيّ إعلانات.
أثار هذا القرار قلقاً واسعاً لدى الناشطين/ات في مجال الخصوصيّة. فما تداعيات هذا القرار على خصوصيّتنا؟
لن تظهر الإعلانات داخل نافذة المحادثة، بل ضمن علامة تبويب “التحديثات”، التي تعرض حالاتٍ من جهات الاتصال وتحديثاتٍ من القنوات. وذكرت الشركة في إعلانها أنّ الإعلانات ستستند إلى “معلوماتٍ مثل بلدكم أو مدينتكم، ولغتكم، والقنوات المُتابَعة، وطريقة تفاعلكم مع الإعلانات التي تظهر لكم”، وأضاف متحدّث باسم “واتساب” أنّه سيتمّ استخدام بيانات الجهاز أيضاً. في الحقيقة، ليست هذه الخطوة سوى واحدة من مجموعة تغييراتٍ كثيرة ستطال خصوصية التطبيق.
في نيسان/أبريل 2025، وسّعت “ميتا” نطاق روبوت الدردشة Meta AI من خلال دمجه في تطبيق “واتساب”، وكانت قد بدأت طرحه تدريجياً في الولايات المتحدة في العام 2023. أثار هذا التغيير حينها موجة اعتراض نظراً إلى تأثيره المحتمل على الخصوصية. ويوم أمس، أعلنت “ميتا” أنّه سيُتاح للمستخدمين في الولايات المتحدة تلخيص محتوى محادثاتهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، بدون أن تحتفظ “ميتا” بأيّ معلومات، حسب مزاعمها. وفي العام 2016، غيّر تطبيق “واتساب” بنود الخدمة لمشاركة البيانات الوصفيّة (metadata) مع شركات “ميتا” الأخرى، وترتّب على هذا التغيير أثرٌ ملموس، إذ أصبح “فيسبوك” مثلاً يقترح جهات اتصال من “واتساب” كأصدقاء محتملين، علماً أنّ بعض المستخدمين لا يريدون ذلك لأنّهم يستخدمون “واتساب” لأغراض العمل فقط.
يستند تطبيق “واتساب” في ادّعائه بأنّه يحفظ الخصوصية إلى التشفير التام بين الطرفين. ويُعرف التشفير على أنّه عملية تحويل البيانات إلى شكلٍ غير قابل للقراءة، ولا يمكن فكّه إلّا من قبل مستلم يملك مفتاحاً معيناً. أما التشفير التام بين الطرفين في المحادثات، فيعني أنّ الرسائل تُشفَّر على جهازكم وتُفكّ شفرتها فقط عند وصولها إلى جهاز المتلقي. يحمي هذا التدبير محتوى الرسائل ويضمن ألّا يطّلع عليه مزوّد الخدمة، أو “ميتا” نفسها، أو أيّ طرف ثالث. ويعتمد تطبيق “واتساب” على أُسس تشفير متينة طوّرتها منصة “سيغنال” (Signal).
منصة “سيغنال” هي تطبيقٌ للمراسلة المشفّرة تديره منظمة غير ربحية، وتُنشر الشيفرة البرمجية للتطبيق علناً على الإنترنت، ما يُتيح للمختصين مراجعتها بحثاً عن أي ثغرات، ولهذا السبب، لطالما اعتُبر تطبيق هذا التطبيق الأكثر أماناً. ومع ذلك، شكّل “واتساب” المنصة التي فضّلها النشطاء لسنوات طويلة، فهو يُستخدَم من قبل الجميع، من كبار السنّ إلى المراهقين في أغلبية العالم، ويوفّر وصولاً مجاناً عبر بعض خطط الهاتف المحمول. للأسف، حان الوقت للنظر جدياً في ما إذا يمكن مواصلة اعتبار “واتساب” تطبيقاً يحفظ الخصوصية، وإمكانيّة إقناع الأصدقاء والعائلة بالانتقال إلى “سيغنال”.
لعلّ أكثر ما يثير القلق هو استخدام روبوت الدردشة التي أطلقته شركة “ميتا”. يظهر الروبوت ضمن جهات الاتصال في “واتساب”، ويمكن التفاعل معه داخل المحادثات الجماعية أيضاً من خلال الإشارة إليه بـ “@Meta AI”. لا يمكن إزالة الروبوت بالكامل، بل فقط إيقافه جزئياً من الإعدادات. ,الأهم من ذلك هو أنّ الرسائل المُرسلة إلى الروبوت لا تكون مشفّرة، أي أنّها لا تخضع للتشفير التام بين الطرفين، ويمكن لشركة “ميتا” أو جهاتٍ خارجية أخرى قراءتها.
بحسب ما تصرّح به “ميتا”، “لا يمكن أن تقرأ الشركة إلا الرسائل التي تشير صراحةً إلى @Meta AI، أو التي يختار الأشخاص مشاركتها مع “ميتا إي آي” (Meta AI)، فلا تستطيع “ميتا” قراءة أيّ رسائل أخرى في محادثاتكم الشخصية”. مع ذلك، لا يوضح هذا التصريح كيف أنّ أي مستخدم في المحادثة الجماعية يمكنه اختيار مشاركة الرسائل مع “ميتا إي آي”، ما يعني أنّه قادر على تعريض خصوصية المجموعة للخطر. والأسوأ من ذلك، أنّ روبوت الدردشة سبق وأن ارتكب أخطاءً خطيرة، مثل مشاركة رقم هاتف شخصي ردّاً على سؤال داخل “واتساب” يطلب رقم خدمة الزبائن.
وعليه، من الضروريّ جداً فهم تداعيات عرض الإعلانات واستخدام روبوت “ميتا إي آي”.
لحسن الحظ، وبعد موجة احتجاجاتٍ واسعة على هذه الميزة، أطلقت “ميتا” بعد أقلّ من شهر ميزة جديدة تُدعى “الخصوصية المتقدمة للدردشة”، والتي تتيح “منع الآخرين من تصدير المحادثات، أو تنزيل الوسائط تلقائياً على هواتفهم، أو استخدام الرسائل في ميزات الذكاء الاصطناعي.”
ننصح بتفعيل هذه الميزة الآن.
أدرجت “ميتا” في إعلانها التعليمات ولقطات الشاشة للتوضيح. وذكرت مجلة “وايرد” (Wired) أنّه “على غرار ميزة الرسائل المختفية، يمكن لأيّ شخص في المحادثة تفعيل أو إيقاف ميزة الخصوصية المتقدمة للدردشة، ويكون تفعيلها أو إيقافها ظاهراً للجميع. لذا من الضروري الانتباه إلى أيّ تعديل قد يُجريه أحد المشاركين”.
بسبب إدخال الإعلانات إلى “واتساب”، ستتم مشاركة معلومات الرسائل مع المعلنين. ومع أنّ ذلك يُعدّ انتهاكاً للخصوصية، إلّا أنه لا يشكّل بالضرورة تهديداً مباشراً لأنّه يعتمد على كل شخص وطريقة استخدامه للتطبيق. كان بإمكان “واتساب” أساساً الوصول إلى هذه البيانات الوصفيّة، ولكن يجب أن نتذكّر أنّ مجرد تحديد الشخص الذي تتم مراسلته يكشف معلومات هائلة عن الطرفين.
عند سؤاله عن مدى أمان تطبيق “واتساب” للناشطين بعد هذه التحديث، أجاب بيل بودينغتون، كبير المسؤولين التقنيين في مؤسسة “إلكترونيك فرونتيير فاونديشن” (Electronic Frontier Foundation) قائلاً: “أعتقد أنّ الثغرات ازدادت كثيراً في التطبيق لناحية الاستخدام وحتى تحقيق الربح. لكنّ التشفير لا يزال قائماً، وستُعرض الإعلانات في قسمٍ منفصل من التطبيق في الوقت الحالي. أصبحت الحماية تعتمد على طريقة استخدام التطبيق، ولكنّها تعرّض المستخدمين أكثر للتتبع، وتزيد احتمال الهجمات، وتُعدّ غير ضرورية.”
وأخيراً، تبقى أفضل طريقة لتجنّب جمع بياناتكم وتراجع الخصوصية في تطبيق “واتساب” هي استخدام تطبيق “سيغنال”. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الانتقال إلى تطبيق “تيليغرام” (Telegram) ليس الخيار المثالي، نظراً إلى اعتماده طريقة تشفير أضعف نسبياً، وغياب المساءلة، وكونه المنصة التي تفضلها مجموعات وجهات عدّة متطرفة وعنيفة. لهذه الأسباب، أصبح الآن “سيغنال” الخيار الأكثر أماناً للتواصل والحفاظ على الخصوصية.