يواصل موظفو شركتي الاتّصالات الخلوي الوحدتين في لبنان، “ألفا” و”تاتش”، إضرابهم لليوم الثالث على التوالي، حيث أوقفوا جميع الأعمال المتعلّقة بخدمة الزبائن والصيانة، للمطالبة بتطبيق العقد الجماعي والمساواة في الترقيات والحوافز المادية.
ليس هذا الإضراب الأوّل الذي تنفّذه نقابة موظّفي الخلوي في لبنان، إذ سبق أن نفّذوا إضراباً مفتوحاً في آب/أغسطس الماضي، قبل أن يتّفقوا مع وزير الاتّصالات جوني القرم على “تصحيح الخلل في الرواتب”، أي حصول الموظفين على جزء من رواتبهم بالدولار تصل إلى 25%، بالإضافة إلى جميع الامتيازات الأخرى مثل التأمين الصحي والعلاوات العائلية.
ولكنّ المفارقة أنّ إضراب كانون الأول/ديسمبر 2022 هو الإضراب الثاني بعد زيادة تعرفة الاتصالات بدءاً من شهر تموز/يوليو من هذا العام، حيث تغيّرت أسعار الباقات لتُحتسَب بسعر صرف أعلى، أي سعر منصّة “صيرفة” التي أطلقها “مصرف لبنان”. ارتفعت بذلك الأسعار بنحو 5 أضعاف على المستهلكين النهائيين من دون أيّ مراعاة للأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية، ما أثّر على الكثيرين من أصحاب الدخل المحدود أو المتهالك جرّاء انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
وقد عاد الحديث عن رفع التعرفة مرّة جديدة بعد مطالبات “أوجيرو” التي تشغّل الهاتف الثابت والكابلات الرئيسية للإنترنت في لبنان ” برفع تعرفة الاتّصالات الثابتة مرة أخرى و”ربط تسعيرتها بالدولار أو بسعر صيرفة أسوة بقطاع الخليوي للحفاظ على قيمة المداخيل التي تسمح لنا بالاستمرار في تأمين الخدمة”، بحسب مدير الهيئة عماد كريدية الذي قال إنّ الأسعار التي احتُسبت عند رفع التعرفية في تموز/يوليو الماضي لم تعد ملائمة! وعلى الثر، وافق مجلس الوزراء يوم الاثنين على تحويل مبلغ 26 مليون دولار لصالح وزارة الاتّصالات ممثّلة بهيئة “أوجيرو” من أجل تأمين المصاريف لستّة أشهر”، وفقاً لوزير الاتّصالات جوني القرم، من بينها “مصاريف المحروقات والصيانة وثمن الداتا التي نشتريها من الخارج”.
وبالنسبة إلى إضراب نقابة موظفي “ألفا” و”تاتش” الحالي، فقد أعادت النقابة في حديث صحافي السبب إلى اعتراضها على الترقيات التي “حصلت بطرق مشبوهة خلال فترة الانتخابات النيابية التي تسبّبت بزيادة رواتب بعض الموظّفين من دون الآخرين”. وكان الوزير القرم دافع عن الترقيات القائمة “على الكفاءة” في حينه، معتبراً أنّه يريد المحافظة على الموظفين المهرة لا أن يجعلهم يهربون.
لم تعترض نقابة موظفي “ألفا” و”تاتش” في حينه على الترقيات كما تفعل الآن، ما يثير تساؤلات حول إثارة الموضوع مجدداً الآن وضمّه إلى المطالبة بتطبيق عقد العمل الجماعي، لا سيّما بعد معلومات عن خلافات سياسية داخل النقابة وبين الموظّفين أنفسهم. حتّى أنّ الوزير القرم قال إنّ تحرّكات الموظّفين “تحرّكها السياسة” وسط نفي من النقابة.
يتساءل أحد الفاعلين في القطاع، في حديثه مع “سمكس”، “لماذا لم تعترض النقابة عندما طبّق وزير الاتّصالات الترقيات في آب الماضي وتعترض الآن؟”، مشيراً إلى “شكوك حول أداء الوزير والنقابة نفسها”.
“هل يتحدّد موقف النقابة وفقاً لمصلحة الشركتين وفعاليّتهما أم وفقاً لجيوب البعض؟”، يضيف الخبير، سائلاً النقابة “ماذا قدّمتم من إنتاجية إضافية وما هو موقفكم تجاه المواطنين الذين هم أكبر المتضرّرين من هذه الخطوات”.
في تشرين الثاني/نوفمبر، اعتبر وزير الاتّصالات أنّ “خطو القطاع تسير نحو الاتّجاه المطلوب”، بعدما احتفل سابقاً بتحسّن سرعة الإنترنت في لبنان في الشهر الذي يسبقه مع مدراء شركات الاتّصالات، معتبراً استمرارية القطاع بمثابة إنجاز.
هذا القطاع الذي لم يتغيّر في عمله شيء برغم الأزمات الكبيرة، لا يزال يشهد في كلّ مرّة خضّة كبيرة يقع ضحيّتها المواطنون والمقيمون في الدرجة الأولى.
وكانت “سمكس”، قبل رفع التعرفة والأسعار، تطالب وزير الاتّصالات جوني القرم بخطة واضحة لتشغيل الشبكة وتقليل النفقات والتكاليف المضخمة وإعادة النظر في الصفقات والتوظيفات وغيرها من مكامن الهدر التي وثّقها تقرير ديوان المحاسبة الصادر في شباط/فبراير من هذا العام.
لمّا تتحرّك في هذا الشأن، واقتصر الأمر على جلسات في مجلس النواب لمساءلة وزراء الاتّصالات السابقين قد لا تؤتي أكلها وسط تحاذبات حول دستورية الجلسة وتأجيلها إلى موعد لاحق.
وبالتالي، ينبغي لوزير الاتّصالات والحكومة اللبنانية أن لا تحمّل المستخدمين النهائيين تبعات الانهيار، وأن تتحمّلا المسؤولية الكاملة عن القطاع. ويصبح من الضروري أن نسأل وزير الاتّصالات والحكومة وشركات الاتّصالات لماذا لم تعتمدوا خططاً تخفّض النفقات مثل التجوال المحلّي” (National Roaming) التي تتيح لشركتي الخليوي وحتّى لهيئة “أوجيرو” تبادل الاستفادة من الشبكات للحدّ من نفقات المحروقات والصيانة؟ لماذا لم تُراجعوا عقود الصيانة مع شركات المقاولة الفرعية التي أصبحت تتلقّى أموالها بالدولار بعد رفع التعرفة؟ لماذا لا تعمل الحكومة على مكافحة التهرّب الضريبي والتهريب الجمركي؟