في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2021، افتتحت “إسرائيل” جناحها في إكسبو دبي 2020، بعد دعوتها في علم 2019 من قبل الإمارات العربية المتّحدة للمشاركة في المعرض الدولي الذي يدوم لستّة أشهر، أي قبل سنة من توقيع “اتفاقيات إبراهيم” التطبيعي.
تشير التقديرات إلى أنّ 25 مليون شخص سيزورون المعرض، وهو ما ستستخدمه “إسرائيل” من أجل تلميع صورتها أمام الزوّار الآتين من حول العالم، في حملة ترويجية بالنيابة عن الإمارات العربية المتّحدة.
هذا وأطلقت شرطة دبي أساطيل من الطائرات بدون طيّار الإسرائيلية، التي زوّدتها بها شركة جمع البيانات الجوّية الإسرائيلية “إيروبوتيكس” (Airobotics)، لتأمين غطاء جوّي فوق المعرض لأغراض أمنية. وفي الوقت نفسه، أعلنت شرطة دبي عن تعاونها الدائم مع الشرطة الإسرائيلية لمكافحة “الشبكات الإجرامية” في الإمارات العربية المتّحدة، وفقاً لصحيفة “ذا تيليغراف” (The Telegraph).
يعود التبادل التجاري في مجال تقنيّات المراقبة بين الطرفَيّن إلى العام 2007 على الأقل، حين أبرمت سلطات أبو ظبي عقداً بقيمة 816 مليون دولار أميركي مع شركة الأمن الرقمي “إيه جي تي” (AGT) المملوكة إسرائيلياً بهدف “حماية جميع المرافق الحيوية ضمن إمارة أبو ظبي”، وفقاً لموقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye). وقد استعانت الإمارات بشركة “إيه جي تي” (AGT) وشريكتِيْها المحلّيتَيْن في الإمارات – وهما Advanced Integrated Solution وAdvanced Technical Solutions – لتطوير برنامج مراقبة على امتداد الإمارات العربيّة المتّحدة بقيمة 600 مليون دولار أميركي في شباط/فبراير 2011. وأُطلِقَت هذه المبادرة تحت عنوان “عين الصقر” (Falcon Eye) في تموز/يوليو 2016 بعد تركيب آلاف الكاميرات على الطرقات وفي المرافق والمباني والمطار الدولي. وفي الآونة الأخيرة، أعلن البلدان عن مشروع تعاون مشترك جديد لتصميم سفن عسكرية متقدِّمة غير مأهولة، قادرة على العمل بشكل مستقلّ بالكامل أو جزئياً. ونظراً إلى الاستثمارات الهائلة لكلّ من البلدَيْن في تقنيات المراقبة واستخدامهما الواسع لها، وكذلك إلى سجلّهما المشترك في انتهاك حقوق الإنسان، يشكّل تعاونهما العسكري-الأمني الوثيق والآخذ في التوسّع تهديداً خطيراً للخصوصية والأمن الرقميَّيْن لمواطني الإمارات العربية المتّحدة، وللبلدان الناطقة بالعربية ككل~.
كيف يمكن الوثوق بدولة تمتلك أحد أكثر نُظُم المراقبة تطوّراً وائتمانها على البيانات التي تجمعها حالياً في “إكسبو دبي”؟ كشفت دراسة صدرت مؤخراً عن مركز “حملة” – “المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي” أنّ استخدام كاميرات المراقبة ووسائل المراقبة الرقمية قد تضاعف إلى حدّ كبير في القدس الشرقية والضفّة الغربية بعد الاعتداءات العنيفة التي شنّها الاحتلال ضدّ الفلسطينيين في شهرَيْ نيسان/أبريل وأيار/مايو 2021. وحذّرت مضاوي الرشيد، وهي أستاذة سعودية-بريطانية استُهدِف هاتفها المحمول بواسطة برمجية التجسّس الإسرائيلية “بيغاسوس” (Pegasus) في العام 2019، من أنّ “خصخصة أجهزة الأمن الإسرائيلية وتضاعف أعداد الشركات الخاصة التي يؤسسها أعضاء سابقون في منظومة الدفاع الإسرائيلية و”الموساد” يشكّلان تهديداً للفلسطينيين […] ولمواطني جميع الدول الخليجية كذلك، إذ تُباع برمجيات التجسّس الإسرائيلية إلى الأنظمة الديكتاتورية في جميع أنحاء العالم العربي”.
يشكّل قطاع المراقبة والتجسّس الإسرائيلي، الذي تتصدّره شركة “كانديرو” (Candiru) و”مجموعة إن إس أو” (NSO Group)، بالإضافة إلى عدد كبير من الشركات الأخرى، مصدر قلق كبير وخبيث يهدّد حياة الصحافيين والناشطين في المنطقة الناطقة بالعربية وفي العالم. وتشير تقارير إلى أنّ تلك الشركات تبيع برامج التجسّس إلى كلّ من الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربية السعودية والمغرب والبحرين. وفي الشهر الماضي، أدرجت وزارة التجارة الأميركية “مجموعة إن إس أو” وشركة “كانديرو” على قائمتها السوداء، ما “يفرض قيوداً على [قدرة هاتَيْن الشركتَيْن] على تصدير المنتجات وإعادة تصديرها وتحويلها داخل البلد”. وفي حين يؤدّي إدراج الشركتَيْن على قائمة الولايات المتّحدة للكيانات المحظورة إلى الحدّ من أنشطتهما، يُحتمل أن تواصل الشركتان العمل تحت مسمّيات أخرى.
في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تبيّن أنّ رئيس مجلس الوزراء في الإمارات العربية المتّحدة وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم استخدم برمجية التجسّس الإسرائيلية “بيغاسوس” لاختراق هاتف زوجته السابقة، فزعمت “مجموعة إن إس أو” الإسرائيلية أنّها فسخت عقدها معه. وكانت الإمارات العربية المتّحدة قد استخدمت برمجية التجسّس لاختراق هواتف صحافيين وناشطين ومحامين ومعارضين في الإمارات وخارجها. كذلك، كشف تحقيق أجرته منظمة “القصص المحرّمة” (Forbidden Stories) أنّ الناشطَيْن الإماراتيَّيْن الشهيرَيْن أحمد منصور وآلاء الصدّيق كانا من بين الأشخاص الذين اختُرِقت أجهزتهم.
يزعم فيديو ترويجي للجناح الإسرائيلي في “إكسبو دبي 2020” أنّ مشاركة إسرائيل تشكّل فرصة ذهبيّة لتعزيز العلاقات بين البلدَيْن وإيجاد قواسم مشتركة لتجاوز خلافاتهما، لا بل إنّ تصميم الجناح بحدّ ذاته يهدف إلى الترويج لطموح الاحتلال الإسرائيلي الخبيث في تحقيق مستقبل “بلا جدران وبلا حدود” – وهو الاحتلال الإسرائيلي نفسه الذي بدأ منذ العام 2002 ببناء “جدار فصل” منيع بطول 708 كيلومترات قسّم الأراضي الفلسطينية كسيف الجلّاد. لكنّنا نرى في المقابل المفوّض العام للجناح الإسرائيلي يتفاخر بأنّ الجناح عبارة عن “[مساحة] مفتوحة بالكامل… يمكن من خلالها مشاهدة الأفق من أقصاه إلى أقصاه”، وهو ما يشكّل مفارقة صادمة، نظراً إلى الترهيب الذي تمارسه سلطات الاحتلال في فلسطين “من النهر إلى البحر”.
هذا وقالت “اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة” في بيان إنّ “الإمارات العربية المتّحدة وإسرائيل لا تجدان حرجاً في استغلال إكسبو دبي الدولي لتلطيف صورتيهما وتبرئة نفسيهما وصرف الأنظار عن انتهاكاتهما الصارخة لحقوق الإنسان”. في السياق نفسه، جدّدت “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (BDS) دعوتها لمقاطعة الجناح الإسرائيلي في “إكسبو دبي 2020″، ومنظمة “سمكس” بدورها تحثّ جميع زوّار “إكسبو دبي” على القيام بالمثل.