بدأ البرلمان العراقي مناقشة مسودة قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، في 5 آذار/مارس 2023، وسط تخوف من أن يرسم القانون ضفافاً ضيقة للحريات العامة، ويعطي رؤية مبهمة تقبل تفسيرات وتأويلات تقلب مفاهيم الحرية والحقوق الفردية والاجتماعية والعدالة والمساواة وتعزّز “غطرسة وهيمنة السلطة العراقية”.
القصة بدأت عام 2010 عندما طُرح مشروع القانون في البرلمان بغرض التشريع، غير أنه واجه إنتقادات عدّة أسهمت في ترحيله، قبل أن يُفتح هذا الملف مجدّداً عام 2016 ليواجه العقبات ذاتها. والآن، ربّما يضع إقرار هذا القانون بصيغته الحالية العراق في حرج تجاه التزاماته بالمواثيق الدولية الداعية إلى ضمان حرية التعبير.
العراق موقّع على “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي ينصّ في المادة 19 على أنّ “لكلّ شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”. وبالتالي، “لا يجوز أن تكون نصوص القانون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان والدستور العراقي، ونأمل أن لا يكون القانون مقيدًا للحريات”، كما صرّحت نائبة رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية في العراق، جوان عبدالله، لوسائل إعلام عراقية في 6 آذار/مارس 2023، في تعليقها على القانون.
حرية التعبير: منطلق حرّ لا يمكن لجمه
تحاول الحكومة والبرلمان العراقيين في الآونة الأخيرة تمرير سلسلة تشريعات وقوانين، كقانون جرائم المعلوماتية، وقانون حرية الرأي والتعبير، والتظاهر السلمي وحق الحصول والوصول إلى المعلومة وتعديل قانون الملكية الفكرية. “هذه القوانين وغيرها من القوانين التي ترتبط بحريات المجتمع، يحاول المشرّع العراقي وضعها في سلّة واحدة للتصويت عليها بهدف الحدّ من نشر الحقائق والوثائق التي تكشف الفساد”، وفق ما يقول الناشط في الحقوق الرقمية، عماد الشرع، لـ”سمكس”.
تركّز مجمل هذه القوانين على العقوبات في بنودها، دون اللجوء إلى الحلولّ، وتحد من حرية الوصول إلى المعلومة، على حدّ قول الشرع، مضيفاً أنّ “قوانين حرية الرأي والتعبير والتظاهر وقانون جرائم المعلوماتية، تحمل كلمات فضفاضة تقلق المواطنين/ات العراقيين/ات”. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مصطلحات مثل “الذوق العام”، و”ما لا يخل في الأمن الوطني”، هي بأغلبها ألفاظ غير واضحة وفضفاضة، وفق ما يشرح الشرع. على سبيل المثال، بالنسبة إلى الذوق العام، فإنّ “ما يحصل مثلاً في البصرة قد لا يلائم خصوصية ومجتمع أربيل أو بغداد، وهكذا في مدن أخرى”.
قانونيًا يعلق الحقوقي العراقي أكرم السايب، في حديثه لـ”سمكس”، بأنّ الإعتراضات على قانون حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي على كون حرية الرأي والتعبير هي إحدى الأسس الدستورية المنظمة لعملية الديمقراطية وحرية الإنسان في العالم، ولا يمكن سنّ القانون باعتباره منطلقاً حرّاً دستورياً لا يمكن لجمه في قانون معين.
لا يمكن الجمع بين المفردتين، أي حرية التعبير والتظاهر السلمي، يشير السايب، “فحقّ الوصول إلى المعلومات هو حق دستوري مبني على نظام حقوقي متكامل وهو مبدأ الشفافية في التعامل الحكومي مع المواطنين والقائم على العقد الاجتماعي بين الدولة والحكومة”.
ولكن، يبدو أنّ التخوّف من عودة التظاهرات والإحتجاجات إلى الشارع، هي الحجة بالاستعجال لمناقشة القانون ومحاولة لتمريره “كون العراق دائم الإحتجاج وغير مستقر على الصعد كافة”، بحسب السايب.
الدولة العراقية قلقة من الشارع؟
يدمج القانون بين حرية التعبير والصحافة وحق التظاهر ولا يفصل بينها، كما يتضمن عقوبات جزائية، ويفرض أخذ الإذن للتظاهر قبل مدة، فضلًا عن تضمنيه مفردات عائمة ومطاطية غير قابلة للتحديد ويمكن أن تفسّر وفق مزاج السلطات، وفقاً لمنتظر ناصر، رئيس تحرير صحيفة “العالم الجديد”، وهي جريدة إلكترونية مستقلة.
يشرح ناصر في حديث مع “سمكس” أنّ “القانون طُرح في البرلمان بشكله القديم الذي يعود إلى دورات برلمانية سابقة للعام 2014، ومن دون أي إجراء أي تعديلات كان تقدّم بها ناشطون/ات ومنظّمات تعنى بحقوق الإنسان”. ويؤكّد كذلك اعتراضه على محاولة سنّ القانون، لأنّ “الغاية منه ليس حماية حرية التعبير المكفولة وفق المادتين 28 و42 من الدستور العراقي بل تقييد الحريات، لا سيما وأنه تزامن مع حزمة قرارات وإجراءات قضائية وتشريعية من شأنها أن تعيد البلاد إلى ما قبل 2003، وتضع كل المكتسبات في مجال الحريات والتعددية بعذ هذا العام على المحك”.
أمّا الحملات القضائية التي بدأتها السلطات العراقية لملاحقة ما أسموها بأصحاب “المحتوى الهابط“، أو لملاحقة “المسيئين لمؤسسات الدولة”، “فهي حملات من دون سند قانوني تستند إلى قوانين موروثة من زمن النظام الشمولي السابق، ولا تتلاءم مع الدستور العراقي لعام 2005 الذي يمنح الحق للمواطنين بحرية الصحافة والتظاهر وكل أشكال التعبير”، على حدّ تعبير ناصر.
في كلّ مرةّ تثار فيها قضايا الفساد، تعيد الحكومة والبرلمان العراقيَين إحياء التصويت على القوانين، “بهدف التأثير على الخطاب على الإنترنت واستهداف المواطنين بآرائهم وحرياتهم”‘، على ما يضيف الشرع.
في السياق نفسه، يقول هاشم النفاخ، المدير التنفيذي لـ“منظمة أوما” العراقية التي تعنى بحقوق الإنسان في العراق، إنّ الخطاب على الإنترنت ليس وحده ما تريد السلطات لجمَه، بل تريد كذلك “لجم التحرّكات في الشارع بفرض الحصول على إذن قبل التظاهرات والتحرّكات قبل أيام قليلة”. أمّا تمرير القوانين الكثيرة، “فهو حتّى لا يشوّه صورة الحكومة العراقية أمام المجتمع الدولي، لا سيما وأنّ مظاهرات تشرين 2019 شهدت وحدها اعتقال ما يزيد عن 3 آلاف شخص في سنة واحدة”.
هل القانون قابل للطعن؟
كان من اللافت تسجيل موقفين متعارضين لنقيب الصحافيين، مؤيد اللامي، حول القانون. ففي مداخلة علنية خلال جلسة الاستماع المنعقدة في مجلس النواب لمناقشة مشروع قانون حرية التعبير، في 5 آذار/مارس 2023، أشار إلى أنّ “قانون حرية التعبير عن الرأي بشكله الحالي مخالف للمادة 38 من الدستور […] وأنّ أهمّ مظاهر حرية الرأي والتعبير هو حرية الصحافة، ويجب أن يتم تضمينها في مسودة القانون وتكون نصّاً واضحاً”. ولكن في المناقشات الداخلية، طالب اللامي بمنع أي تظاهرات أو اعتصامات لم تستحصل موافقات رسمية من الجهات الرسمية، حسبما نقلت وسائل إعلام عراقية.
ولكنّ هذا لا يبدو غريباً بالنسبة إلى ناصر، “فدور نقابة الصحافيين أو نقيب الصحافيين في الاعتراض على القانون شبه ملغي بسبب الإرث القانوني والثقافي الذي يجعلها بجانب السلطات دائماً، وسط تماهي القائمين على النقابة مع تلك السلطات”.
أمّا في مجلس النواب، فيمكن الطعن بالقانون لسحبه، وفقاً للسايب، “من قبل تسع نواب على اختلاف كتلهم السياسية، أو من خلال مجلس الوزراء عبر المحكمة الاتحادية العراقية”.
وكان 36 نائباً وقّعوا في البرلمان العراقي في 3 كانون الأول/ديسمبر 2022، يمثلون قوى مدنية ومستقلين، على عريضة تطالب بسحب القانون لإجراء تعديلات عليه. وقالت العريضة إنّ القانون “يجب أن يتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور. ويعتبر النواب المعترضون أنه لا حاجة لتشريع قانون لحرية التعبير، لأنها مكفولة في الدستور العراقي ضمن المادة 38، ولا توجد إشارة إلى أن تنظم في قانون”.