تتوجّه شركات تزويد الإنترنت إلى رفع أسعار الاشتراكات بالدولار الأميركي، بعد أسبوع واحد على مناقشة مشروع المرسوم الذي تقدّم به وزير الاتّصالات قبل أن يؤجّل البحث فيه في مجلس الوزراء اللبناني.
والآن، يبدو أنّ مزوّدي خدمة الإنترنت من الشركات الخاصة يريدون رفع الاشتراكات بالدولار على المستخدم النهائي من نحو 10 دولارات إلى 25 دولاراً للاشتراك بسرعة 5 ميغا.
وفي المرسوم المقترح، تريد وزارة الاتّصالات رفع أسعار اشتراكات الإنترنت مع هيئة “أوجيرو” التي تعتبر العمود الفقري للإنترنت في لبنان، بنحو 7 أضعاف على المستخدمين المشتركين مع هيئة “أوجيرو”، أي أنّ الاشتراك الأرخص بقيمة 60 ألف ليرة شهرياً لـ80 جيغا، سيصبح 420 ألف ليرة.
يقول رئيس تجمع شركات مزودي خدمة الإنترنت في لبنان، روبير صعب، في حديث مع “سمكس”، إنّهم لم يرفعوا الأسعار بعد، ولكنّههم يدرسون رفعها “لأنّ سعر اشتراك خط E1 من أوجيرو سيتضاعف 5 مرات من 475 ألف ليرة إلى أكثر من مليونين و300 ألف ليرة شهرياً، بالإضافة إلى رسم مقطوع بقيمة 500 ألف ليرة عن كلّ مشترك”. ويضيف أنّهم ما زالوا يجتمعون مع وزارة الاتصالات لتخفيض الرسم المقطوع “كي لا يرتفع السعر على المستخدم في نهاية الأمر”.
ومع ذلك، لا تمتلك وزارة الاتصالات أعداداً واضحة للمشتركين الذين تريد أن تدفع عنهم شركات مزودي خدمات الإنترنت لصالح الدولة، علماً أنّ وزير الاتصالات جوني القرم قدّم مقترحاً بتملّك أوجيرو لشبكات الإنترنت غير الشرعية مقابل إعطاء خدمات الصيانة لأصحاب هذه الشركات. في هذا الإطار، يشرح صعب أنّ “الشركات لا تزال تفاوض وزارة الاتصالات حول هذه المقترحات”.
وفي حين لم يكشف أعداداً واضحة للمشتركين الذين ستصرح الشركات عنهم، يقول صعب إنّ الشركات من التجمّع (لا يضمّ الشركات الكبرى مثل “سيبيريا” وآي دي إم” و”تيرانت”) “بدأت منذ إصدار المرسوم 4452 في شهر تموز/يوليو تزوّد الوزارة بتقارير شهرية عن أعداد العملاء ما وفّر لها فكرة عامة عن المشتركين غير الموجودين على الشبكات الرسمية مثل DSL وFTTP وشبكات نقل المعلومات”.
وكانت شركات خدمات الإنترنت بدأت تتقاضى بدل الاشتراكات بالدولار الأميركي من شهر نيسان/أيار الماضي، غير أنّها تريد رفع الأسعار مجدّداً. “أكثر شركاتنا تعتمد على الشبكات اللاسلكية، وهي تحتاج الى صيانة دورية، بالإضافة إلى تركيب وصيانة البطاريات وأنظمة الطاقة الشمسية لتأمين استمرارية عمل الشبكات؛ وكلّها تكاليف بالدولار الطازج”، يشرح صعب، مبرّراً تقاضي الاشتراكات بالدولار، “فلو لم نفعل ذلك كنّا غرقنا وانقطع الإنترنت عن كامل البلد لأنّ أحداً لم يكن ليؤمّن بديلاً بعد انقطاع خدمات أوجيرو”.
“المواطن هو من يدفع ثمن الصيانة وجميع الزيادات”، يردّ خبير في قطاع الاتّصالات، مشيراً إلى أنّ “الشركات كالدولة وأوجيرو يستغلون حاجة الناس إلى الإنترنت كي يرفعوا الأسعار في قطاع غير تنافسي أصلاً”. ويتساءل المصدر عن سبب إثارة مزودي خدمة الإنترنت لموضوع زيادة أسعار الاشتراكات حتى قبل إقرار المرسوم في مجلس الوزراء، “فهل يريدون أن تصبح أوجيرو مزوّداً للسعات الدولية فقط فيما تأخذ الشركات الخاصة جميع المشتركين؟”.
رفع الأسعار لسدّ النفقات: لا خطّة استراتيجية
يقول الصحافي الاقتصادي عماد الشدياق لـ”سمكس” إنّ “الحكومة ومن ورائها أوجيرو يبتغون من رفع الأسعار جمع الأموال الإضافية لتأمين الرواتب الإضافية التي أقرها مجلس النواب في جلسته في 20 حزيران”. على سبيل المثال، سيحصل كل مشترك مقابل رفع أسعار اشتراكات الهاتف الثابت من 9 آلاف إلى 200 ألف ليرة شهرياً على ألف دقيقة تخابر محلية مجانية. وهذا يعني بحسب الشدياق أنّهم “يأخذون المال مسبقاً ويقولون للمستخدم تحدّث على الهاتف مقابل ما تدفعه مسبقاً”.
لم يرد في مشروع المرسوم أي دراسة أو خطة مقابل رفع أسعار الاشتراكات في خدمات “أوجيرو” للهاتف الثابت والإنترنت. ويكشف الشدياق هنا أنّ “هذا يعني رفع سعر دولار التخابر إلى 26 ألف ليرة، مما يعني انّهم يريدون تحقيق رقماً معيناً من الإيرادات يصل إلى 15 ألف مليار ليرة في السنة أي ما يعادل 165 مليون دولار”. وهذه الأسعار قابلة للارتفاع بحسب الشدياق، لأنّ “الحكومة ووزاراتها ترى أنّ لديها هامشاً في التحرّك بسعر الصرف وصولاً إلى سعر صيرفة” (86200 ليرة للدولار الواحد مقابل 93100 في السوق الحرة).
يعتقد الشدياق أنّ رفع أسعار “أوجيرو” لن يخفض عدد المستخدمين، بل “يقول المعنيون في أوجيرو إنّ رفع الأسعار سيحسن معدّل زيادة الخطوط مما يزيد عدد الأشخاص الذين سيطلبون خدمات أوجيرو لأنّها أرخص”.
هذا الارتفاع الكبير في الأسعار وبالدولار الأميركي سيدفع كثيرين إلى التخلّي عن اشتراكات الإنترنت أو تخفيض الباقات. هذا ما أكّده صعب، متسائلاً ما إذا كانت الحكومة تريد “تعميق الفجوة بينهم وبين أوجيرو التي ستكون اشتراكاتها أرخص بكثير”.
ولكن رفع الأسعار من دون تحسين الخدمات دفع سابقاً الكثير من المشتركين في كهرباء لبنان إلى تقديم طلبات لإلغاء اشتراكاتهم، بسبب ارتفاع التكاليف مقابل خدمة لا تصل إلا بضع ساعات في اليوم. “هذه السياسات الترقيعية، من دون خطّة استراتيجية، ستؤدي إلى تعميق الفجوة بين الجودة والأسعار، ممّا سيطفّش الناس من الإنترنت الذي ينبغي للدولة أن تؤمّنه كحقّ أصلاً”، يعلّق الخبير في قطاع الاتصالات بصوت غاضب. “هل سيتحمّل الناس هذه الزيادات، كم عدد الذين سيتخلّون عن اشتراكاتهم”؟