قبل أن توافق الحكومة اللبنانية على أن ترفع هيئة أوجيرو أسعارها 7 أضعاف، كان الصحافي علي نور الدين يضطرّ إلى البقاء تحت رحمة إلى موزع الإنترنت المحلّي بعد تعذّر تأمين خدمات شركة “أوجيرو” في منطقة سكنه بشامون. والآن بعدما وافقت الحكومة على هذه الزيادات، سيبقى يعاني مع “أوجيرو” مع فارق وحيد، أنّ مبلغ الـ20 دولار أميركي التي كان يدفعها لموزّع الإنترنت الذي يقدّم خدمة رديئة ستصبح أكثر من 45 دولاراً في الشهر!
في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت الخميس في 3 آب/أغسطس، أقرّت وزارة الاتصالات اللبنانية وهيئة “أوجيرو”، المزوّد الرئيسي للإنترنت في لبنان، زيادة تعرفة الإتصالات الثابتة والإنترنت.
على سبيل المثال، ارتفعت كلفة باقة الأدنى 80 غيغابايت من 60 ألف ليرة إلى 420 ألف ليرة، وباقة 100 غيغابايت من 90 ألفاً إلى 630 ألف ليرة. أما الباقة الأعلى 2000 غيغابايات فارتفعت من 900 ألفاً إلى 6 ملايين و300 ألف ليرة.
أما بالنسبة إلى الخط الثابت فقط أصبحت تعرفته 200 ألف ثابتة، إضافة إلى ألف دقيقة بالمجان، وهي تعرفة ضرورية “ستغطي مصاريف أوجيرو من طباعة وحبر وجباية وفوترة”، وفقاً لوزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، جوني القرم.
وبعد إقرار التسعيرة الجديدة، وقرار الحكومة الذي لم يتطرّق إلى مطالب موظّفي “أوجيرو” لجهة دفع المستحقّات وزيادة الرواتب، يتوجّه الموظّفون إلى القيام بخطوات تصعيدية، قد يكون الإضراب من بينها.
ومساء أمس، قالت شركة “ألفا”، أحد المشغّلين الاثنين الحصريين للهاتف المحمول في لبنان، إنّ خدمات الإنترنت الجوال التي تقدّمها تعطّلت بسبب عطل طرأ على شبكة “أوجيرو”، ممّا حرم سكّان مناطق واسعة من هذه الخدمات حتّى صباح اليوم التالي. ويعود ذلك إلى أنّ شركات الاتّصالات الجوال في لبنان تعتمد على هيئة “أوجيرو” لتزويدها بالإنترنت.
أوجيرو ترفع أسعار الخدمات على المشتركين قبل رفع اشتراكات الـE1 على المنتفعين
في كلّ مرّة، تلجأ الحكومة ووزارؤها إلى جيب المواطن لسدّ العجز، لا سيما في وزارة الاتّصالات، في وقتٍ وثّق ديوان المحاسبة هدر المليارات من الدولارات، ممّا يعني أنّ ثمّة الكثير من مكامن الهدر التي يمكن معالجتها.
ومن بين هذه الملفّات، ملف خطوط الإنترنت الرقمية المعروفة باسم (E1) الذي فُتِح منذ أشهر. وخط E1 هو وصلة بينية ذات معدل سرعة ثابت تقريباً يمكن أن يتفرّع منه عدّة خطوط إنترنت. حينها، اتُّهِمَت شركتا الخليوي الرئيسيتان في لبنان “ألفا” و”تاتش” بشراء الإنترنت بأسعار زهيدة وبيعه بزيادة 40 ضعفاً تقريباً، كما أثيرت كذلك قضية شراء شركات توزيع الإنترنت (الكيبل) للإنترنت من “أوجيرو” بمبالغ زهيدة بالليرة اللبنانية وبيعها بأضعاف بالدولار الأميركي.
يقول النائب قبلان قبلان في حديث مع “سمكس” إنّه بدلاً من رفع أسعار “أوجيرو” كان يمكن مثلاً “إجبار الشركات الخاصة أن تسدّد الخسارة التي تترتب من عملها كونها تستعمل منشآت الحكومية لتوزيع خدماتها، أي خطوط E1 التي يصل عددها إلى أكثر من 200 ألف خط ويترتّب عنها خسارة بقيمة 4 ملايين دولار شهرياً في حين تجني الشركات الخاصة (شركات الخليوي وتوزيع الإنترنت عبر الكيبل) 10 ملايين دولار من هذا الفرق”.
كان النائب قبلان وجّه في شهر حزيران/يونيو إلى وزير الإتصالات جوني القرم، والحكومة اللبنانية، أسئلة عن خدمة الإنترنت خسائر الخزينة في ملف الإنترنت E1. والآن، يقول إنّه سيلجأ إلى النيابة العامة المالية وديوان المحاسبة للمطالبة باسترداد الأموال من قبل الشركات ومحاسبة المسؤولين المقصرين في القطاع المعني.
في المقابل، يعتبر خبير الاتصالات، ومدير “تاتش” السابق، وسيم منصور، في حديث مع “سمكس”، أنّ إثارة موضوع الـE1 “أصبح شعبوياً”. ويشرح أنّ “أوجيرو تستخدم الشبكة التي كلفتها مئات ملايين الدولارات لتوفير الإنترنت للمواطنين بأسعار أقلّ من غيرها”، مشيراً إلى أنّ “رفع الأسعار بسبب انهيار العملة يجب أن يوازيه ضرورة تفعيل دور الهيئة الناظمة للاتّصالات كي تراقب الأسعار والمنافسة وهامش الربح”.
غياب خدمات “أوجيرو” في مناطق عدة، يجعل شركات موزعي الإنترنت تحلّ محل الدولة، كما يحصل مع الصحافي نور الدين. “الشركات الخاصة (أي موزّعي الإنترنت عبر الكيبل) أصبحوا مثل مافيات اشتراكات الكهرباء، أي يقسمون الأحياء على بعضهم البعض، ما يبعد فرضية المنافسة، و يجعلهم غير مكترثين للمشتركين خدماتهم”، يشرح الصحافي لـ”سمكس”.
هذا ما يؤكّد عليه منصور، “لأنّ شركات توزيع الإنترنت تبني شبكات فوق شبكة أوجيرو الرسمية”، مطالباً بأنّ “تراقب وزارة الاتصالات هذه الشبكات لوقف غير الشرعي منها”.
هل يحصل التدقيق في شركات الاتّصالات؟
يدافع وزير الاتصالات جوني القرم، في حديثه مع “سمكس”، عن الخطوات التي تتّخذها وزارته، ويشرح أنّ “الاستراتيجية التي أتبعت حين أقرّ رفع أسعار الاشتراكات في شركتي الخليوي كانت مدروسة، وتؤمن مردوداً لوزارة المالية. وهذا دليل عن زيادة إيرادات الدولة من قبل الشركتين، على عكس التدهور الذي كان حاصلاً قبل رفع الأسعار نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان”.
ويشير القرم كذلك إلى أنّ وزارة الاتصالات تعاني من عدم تحصيل موازنتها التي صدرت في العام 2022. “لم تقبض الوزارة حتى الساعة أي ليرة للقيام بالصيانة، وما وصلنا لم يتعدّ 13 مليون دولار من بعض منشآت الدولة لتأمين المازوت”، مطالباً وزارة الطاقة أن تمدّ وزارته بالمازوت.
وفي حين لم تتّضح ما هي هذه الاستراتيجية التي يتّبعها وزير الاتصالات، لا سيّما بعد تقرير ديوان المحاسبة (شباط/فبراير 2022) حول هدر المليارات من الدولارات على مدى سنوات، يقول الوزير إنّه ينوي تعيين شركة خاصة للتدقيق مالي في عدد الموظفين، والمعاشات المستحقة ولهم، وسُلّم الترقيات. هذا ما يعتبره موظفو شركتي الخليوي، حسبما قال مصدر مقرّب منهم لـ”سمكس” “غير عادل، لا سيما وأنّ الترقيات حصلت من دون أي دراسة فعلية بل حصلت بناءً على الواسطات وساوت بين الأعلى دخلاً والأدنى دخلاً”.
يكشف الوزير القرم إنّه بدأ بالفعل إجراء دراسات الجدوى، مثل جدوى التعاون مع شركة “باور تك” (PowerTech) الملتزمة أعمال تشغيل المحطات وتأمين المحروقات، علماً أنّ هذه الشركة بالتحديد أورد تقرير ديوان المحاسبة الكثير من الشبهات حولها.
“باور تك أوقَفَت الهدر فيما يتعلق بتأمين المازوت للمحطات، في وقت كانت شركتا الخليوي عاجزتين عن ضبط هدر المازوت”، يشرح القرم مستنداً إلى دراسة قدّمتها شركتا “ألفا” و”تاتش” للوزارة، مضيفاً أنّ “الاعتماد على خدمات باور تك كان أيضاً أقلّ كلفة مقارنة بكلفة موظفي ألفا وتاتش من الكادر البشري والهندسي والتقني”.
يرى القرم أنّ خلاص قطاع الاتّصالات يتمثّل في تفعيل دور الهيئة الناظمة للاتّصالات والرجوع إلى قانون الاتصالات رقم 431 الصادر عام 2002، عبر تفعيل شركة “ليبان تيليكوم” (Liban telecom) التي تملكها الدولة ويُسمَح لها بالاستثمار الأجنبي بنسبة 40%. بهذه الطريقة، يشرح القرم أنّ “أوجيرو ستصبح مثل شركتي الخليوي، حيث سيُسمَح لها بصرف مصاريفها التشغيلية من خلال إيراداتها، في حين يُحوَّل الفائض إلى خزينة الدولة، عكس ما يحصل حالياً”.
ولكن حتّى الآن، لم يحظَ تفعيل القانون بموافقة الحكومة بموافقة ولا سيما من خلال الموافقة على تعيين مجلس لإدارة شركة “ليبان تيليكوم”، بسبب ربط هذه الخطوة بسلسلة تعيينات يجب أن تقوم بها الدولة كتعيينات الجامعة اللبنانية والهيئة الناظمة في وزارة الطاقة والضمان الإجتماعي، وفق القرم الذي يقول إنّ “الصراع السياسي حول قطاع الاتصالات أدّى إلى عدم تنفيذ القرار الذي يقضي في أحد بنوده إلى خصخصة القطاع وفتح باب المنافسة لشركاء جدد كسراً لحصرية الشركتين المشغّلتين لقطع الاتصالات الخليوية”.
عروض لا تغني عن التقشّف
بعد رفع أسعار اشتراكات الهاتف والإنترنت الثابتين من قبل “أوجيرو”، هل ستقدّم الهيئة عروضاً كالتي أصبحت تقدّمها شركتا الاتّصالات الخليوية في لبنان؟
بدأت شركتا الاتصالات الخليوي “ألفا” وتاتش” في تموز/يوليو بتقديم عروض لحزم إنترنت ودقائق مجانية للتخابر، وهي الأولى من نوعها بعد الأزمة في القطاع والبلاد. توحي هذه العروض، بتراجع عدد المستخدمين على الشبكتين، نظراً للكلفة المالية العالية التي يتكبدها المواطنون شهرياً.
ولكن، تنفي شركة” تاتش” في إجابتها على الأسئلة التي قدّمتها “سمكس” هذا الأمر، وتشرح أنّ “استراتيجية الشركة تقوم على إطلاق خدمات وعروضات جديدة بشكل منتظم، بهدف إعطاء الزبائن مجموعة متنوعة من الخيارات ينتقون منها ما يناسب حاجاتهم”.
بالإضافة إلى ذلك، تنفي “تاتش” أيّ تراجع في عدد المشتركين بخدمات الإنترنت،ـ وتقول إنّ “هناك تشابهاً في أرقام المشتركين بخدمات الإنترنت والبيانات، فيما لو قورنت الأرقام في الربع الثاني من العام الجاي بالفترة ذاتها من العام 2022، مع انخفاض بسيط جداً لا يتعدى 2%”.
“هذه العروض موسمية تهدف إلى تحريك الخطوط الراكدة”، يشرح مصدر في قطاع الإتصالات لـ”سمكس”، مشيراً إلى أنّ “هذه العروض التي تبتّ فيها وزارة الاتّصالات هي وسيلة مشروعة في عالم التسويق، ومحاولة لدفع المشتركين إلى استخدام الرصيد”. ويضيف أنّ العروض الأخيرة تتزامن مع الموسم السياحي الذي يشهد إقبالاً على شراء الخطوط الخليوية”.
ومع ذلك، ثمّة تساؤلات حول طريقة صياغة هذه العروض وأسعارها، وفق خبير الاتّصالات وسيم منصور، لا سيما وأنّ “الأسعار تكون مرتفعة في فترة معينة ومنخفضة في أوقات العروض، خصوصاً بعد زيادة التسعيرة في القطاع عن السابق بعشرة أضعاف”.
الصورة الرئيسية من “أدوبي” لإليان هيكل.