أعلنت شركة “أوبر” الأميركية، اليوم، عن اسحواذها على شركة “كريم” التي تُعتبر المنافس الوحيد في الشرق الأوسط، مقابل 3.1 مليارات دولار أميركي يُدفع منها 1.4 مليار نقداً، في حين يستحصل مساهمو شركة “كريم” على ما قيمته 1.7 مليار دولار كحصص في شركة “أوبر”.
وفي حين قالت “كريم” في بيان نُشر اليوم إنّ “أوبر” ستمتلك جميع عملياتها في مجال النقل والتوصيل والمدفوعات في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط الكبرى، أكّدت أنّها ستواصل تشغيل خدماتها وعلاماتها التجارية في المنطقة بشكل مستقل حتى بعد الاستحواذ.
ماذا ستغير هذه الصفقة في استعمالنا لخدمات النقل عبر التطبيقات الإلكترونية في الشرق الأوسط؟
احتكار “أوبر” للسوق الإقليمي سيحرّرها من أي قيود كانت تضعها للتحكم بالأسعار عندما كانت في وضع تنافسي مع “كريم”. ففي اليوم التالي للصفقة، ستكون “أوبر” هي فقط من يحدد كلفة الكيلومتر الواحد في دول المنطقة ككل.
ثانياً، ستتمكن “أوبر” من السيطرة على إجمالي عرض الخدمات في المنطقة. فهي على سبيل المثال بدأت بتقديم خدمة النقل عبر “أوبر موتوسيكل تاكسي” وذلك بعدما أطلقت “كريم” خدمات مثل “كريم ناو” لتوصيل المأكولات و“كريم باص”.
أما على مستوى السائقين فلقد خسر هؤلاء فرصة أساسية من قدرتهم على المناورة والاستفادة من المنافسة بين الشركتين، وسيصبحون خاضعين كلياً لإرادة شركة “أوبر” حيث سيفقدون أيّ إمكانية للعمل خارجها كونها تحتكر العرض بشكل كامل.
شركة #أوبر الأميركية تشتري شركة #كريم… ماذا يعني ذلك لنا كمستهلكين؟
— SMEX (@SMEX) March 26, 2019
وفي موضوع خصوصية بيانات المستخدمين، يرى محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس” أنّ “لشركة أوبر تاريخاً سيئاً في حماية البيانات الشخصية لمستخدمي أوبر سواء من ناحية تتبّع المستخدمين حتى من دون استخدامهم للتطبيق، أو من ناحية إعطاء بعض الحكومات بيانات عن تنقّل المواطنين”.
ويضيف أنّ “السعودية لديها استثمارات في أوبر بحوالي 3.5 مليارات دولار، وهذا ما سيزيد من المخاوف المتعلّقة بسلامة بيانات المستخدمين وخصوصيتهم. وذلك لما لأوبر وبعض مستثمريها من رصيدٍ مسيء لحقوق الإنسان”.
لماذا تسعى شركة عالمية كـ”أوبر” للاستحواذ على شركة إقليمية كـ”كريم”؟
توجد “أوبر” في أكثر من 600 مدينة موزعة على حوالي 65 دولة في العالم مع حوالي 75 مليون راكب و3 ملايين سائق. بينما تُعتبر “كريم” محدودة الانتشار بحيث توجد في 100 مدينة في 15 بلداً مع حوالي حوالي 30 مليون راكب ومليون سائق (بحسب موقع الشركة) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقارة الآسيوية فقط.
تكمن قوّة “كريم” ونجاحها في اختراق الأسواق الإقليمية حيث تنتشر في مدن كثيفة السكان مع شبكة مواصلات عامة سيئة بالحدّ الأدنى أو معدومة في مدينة كبيروت مثلاً.
كذلك، تعلّمت شركة “أوبر” من تجربتها الآسيوية كثيراً، فهي عجزت عن منافسة العملاق الصيني “ديدي شوكسينج” (Didi Chuxing) حيث تكبّدت خسائر سنوية وصلت إلى مليار دولار، ما دفعها للخروج من السوق الصيني الكبير والقبول بحصة لا تتخطى 10% من قيمة المنافس الصيني.
وفي الهند تواجه “أوبر” منافسة شرسة من شركة هندية تدعى “أولا كابز” (Ola Cabs). نجحت الشركة الهندية بالصمود في وجه “أوبر” لحوالي 6 سنوات، وبدأت مؤخراً بالاستثمار في الأسواق الخارجية، كما نجحت في جذب استثمارات ضخمة.
من الواضح أنّ “أوبر” تسعى للاستحواذ على “كريم” قبل أن تتحول الأخيرة لما يشبه “أولا” الهندية أو “ديدي” الصينية، ما يضيّق الخناق على “أوبر” خصوصاً في إجمالي السوق الآسيوية. ويتزامن الأمر أيضاً مع عمل “أوبر” على التحوّل لشركة متاحة للتداول في البورصة العالمية بينما ما زالت تعاني من خسائر وصلت لحدود 891 مليون دولار في الربع الثاني من عام 2018.
وبالتالي، فإنّ الطريق الوحيد لـ”أوبر” من أجل تحقيق الربحية قد لا يكون إلا في احتكار سوق النقل عبر التطبيقات في العالم ككلّ، حسبما يدور في كواليس النقاشات. بمعنى آخر، كغيرها من شركات المنصات الإلكترونية (فيسبوك، أمازون، AirBnb) لا يمكن لشركة “أوبر” أن تحيا وتسجل أرباحاً في ظل بيئة تنافسية، وهذا ما يظهره سلوك “أوبر” في الكثير من المناسبات والتي أكثرها حدية في علاقتها مع منافستها الأميركية “ليفت” (Lyft).
الصورة الرئيسية من”كريم”
ربيع جميل، باحث في اقتصاد المنصّات الإلكترونية.