استيقظت الناشطة الصومالية نعيمة أبوان قورني على حذف حسابها الشخصي في “فيسبوك”، في 4 آب/أغسطس 2022، حيث ظهر على صفحتها كلمة “تذكر” (Remembering) في إشارة إلى أنّها توفيت!
توقّف حساب نعيمة الذي يتابعه عشرات الآلاف بعد تصنيفه حساباً لشخصٍ متوفٍّ وهي حيّة. لم تتّضح ملابسات التلاعب الذي تعرّضت له نعيمة، لكنّها تشير إلى أنّ مواقفها السياسية الجريئة ضد الحكومة الصومالية قد تكون سبباً لما تعرّضت له، لا سيما وأنّه ليس من السهل أن يُنصّف حساب على “فيسبوك” بأنّه لشخص متوفٍّ. تضع “فيسبوك” كلمة “تذكّر” على الحسابات التي توفي أصحابها، بعد إبلاغها من قبل الأقرباء، ويتطلّب ذلك إثبات صلة قرابة مع الشخص، وتقديم وثائق تثبت وفاته مثل شهادة الوفاة مثلاً أو مستندات أخرى مثل شهادة الميلاد، والوصيّة، والنعي أو البطاقة التذكارية، كما توضح سياسات “فيسبوك“.
تعرّضت حسابات أخرى تابعة لناشطين/ات ومعارضين/ات وصحافيين/ات للتوقيف بالطريقة نفسها. يُعيد هؤلاء الأمر إلى السبب نفسه: “مؤسفٌ أنّ الحكومة لا تريد لأي شخص أن يخالفها الرأي “، يقول الناشط والسياسي علي يري علي، الذي سبق أن أُغلِقَ حسابه في “فيسبوك” عدة مرات بالطريقة نفسها. الأمر نفسه حصل مع فهيمة يوسف، الناشطة النسوية والسياسية المعارضة في جمهورية أرض الصومال (المعلنة من من جانب واحد).
تواصلت “سمكس” مع شركة “فيسبوك” للاستفسار حول حقيقة الحملات التي يتعرّض لها مستخدمات و مستخدمي “فيسبوك” في الصومال، إلا أننا لم نحصل على إجابة شافية حول الموضوع. وقال مصدر من داخل “ميتا” لـ”سمكس”، إنّ الشركة “لا تتدخّل في السياسة المحليّة في أي بلد في العالم، ونحن ملتزمون/ات بالمساعدة في الحفاظ على سلامة الأشخاص ومنع وقوع ضررٍ عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع من خلال منصّاتنا”.
لم يجب المصدر عن التساؤلات حول حيلة توقيف الحسابات هذه ولا حتى عن أي روابط للسلطات الصومالية في استخدام سياسات “فيسبوك” لإيقاف الحسابات. وشرح أنّ “معايير المجتمع تتضمّن قواعد صارمة بشأن المضايقة والتحريض على العنف، وتتضمن كذلك سياسات ضد خطاب الكراهية تحظر الهجوم على الأشخاص بناءً على خصائص مثل العرق أو الدين أو الرأي السياسي؛ وعندما ندرك وجود محتوى ينتهك هذه القواعد، فإنّنا نزيله”.
فيسبوك متواطئة الحكومة الصومالية؟
يشير الناشطون والناشطات علناً إلى دور الحكومة الصومالية في تعليق هذه الصفحات وإيقافها، كما لا يستبعدون تعاونها مع شركة “فيسبوك” بشكل مباشر أو غير مباشر. تؤكّد نعيمة في تصريح خاص لـ”سمكس” أنّ “الحساب تعرّض للهجوم من قبل شخصيات في الحكومة الصومالية، حيث تم الاستيلاء على حسابي الشخصي في البداية، ولم أستطع الدخول، ليُسجّل بعد ذلك كلمة ’تذكّر‘ إعلاناً لوفاتي الافتراضيّة!”.
ويوافق على ذلك الخبير في الأمن السيبراني، موسى نور، مشيراً إلى أنّ “من أقدَم على هذه الخطوة يملك سلطةً ونفوذاً قويّين، لأنه ليس بمقدور أي شخص عادي أن يوقف حساب شخص آخر وتسجيله كشخص متوفّ بسهولة”. فهذه الخطوة تتطلّب إجراءات مسبقة قبل حذف الحساب وتسجيله كشخص متوفّ، من بينها تقديم نسخة من جواز سفر صاحب الحساب إضافة شهادة الوفاة الموقعة وشهادة الميلاد من قبل الحكومة، يشرح نور، مؤكّداً أنّ “هذا لا يمكن تنفيذه إلّا من قبل جهات رسمية، وهذا دليل إضافي على أنّ جهاتٍ حكومية متورّطة في الأمر”.
بعد مدة، استطاعت نعيمة استرجاع حسابها بعد الاستعانة بمستشارين تقنيين لتقديم شكوى إلى شركة “فيسبوك” وتقديم أدلّة بأنّ الحساب “مخترق وأننّي حيّة”، وفقما تشرح لـ”سمكس”. لكنّ “فيسبوك” لم تستجب مع الاعتراض الذي سجلته نعيمة، إلّا حين “أكثرتُ من الحملات التي تطالب باسترجاع الحساب”. وقد استعانت نعيمة بإحدى الشركات الاستشارية لمساعدتها في تقديم مستندات توضح أنّها صاحبة الحساب وأنّها حيّة ترزق، على ما أكّد لنا أحد الخبراء.
رغم تحفّظ نعيمة عن إدلاء الكثير من المعلومات التي تخصّ إيقاف حسابها ومن ثمّ استرجاعه، إلا أنّ إيقاف الحسابات عن طريق تسجيل أصحابها كأشخاص متوفّين يبدو وكأنّه توجّه سائد، وهو ما يتوافق مع روايتي علي وفهيمة.
قرارات الحكومة تخالف الدستور
في 8 تشرين الأول/أكتوبر2022، أعلنت الحكومة الصومالية إغلاق وحجب أكثر من 40 منصات إلكترونيّة معظمها تابعة لجماعة “الشباب” المرتبطة بتنظيم القاعدة، لكنّ الحكومة لم توضح هوية تلك المنصات. وفي بيان أصدره نائب وزير الإعلام عبد الرحمن العدالة، قال إنّ “هذه الخطوة اتّخذناها للحيلولة دون الوصول المعلومات المضلّلة التي تنشرها جماعة الشباب إلى الشعب الصومالي”.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت الحكومة قيوداً صارمة على الصحافة الصومالية، إذ أمرت بمنع نقل أي خبر يتعلق بالجماعات المتشددة، واستخدام مصطلحات معادية لتلك الجماعات.
يؤكّد المحامي والخبير في شؤون الدستور الصومالي، فارح حسن، في تصريح خاص لـ”سمكس”، أنّ “لا مبرّر قانوني يسمح بحجب أو حذف حساب شخصي أو لوسيلة إعلامية، لا سيما وأنّ الدستور الصومالي يتضمّن عدة فقرات تنصّ على حرية المواطن وعدم الاعتداء عليه”. تقول المادة 18 من الدستور الصومالي إنّ “لكلّ شخص الحقّ في عرض آرائه والتعبير عنها وتلقيها ونقلها”، كما “تشمل حرية التعبير حرية الخطاب وحرية الصحافة وكل ما يندرج تحت الإعلام الإلكتروني والإنترنت”.
وفي مقابلة مع “سمكس”، يقول الأمين العام لـ”اتحاد الصحفيين الصوماليين“، سيد فارح نور، إنّ “اصدار الحكومة قرارات بحجب المنصّات بشكل عام، من دون توضيح وإعطاء تفاصيل، أمرٌ غير مقبول. هذا الإجراء يشجّع على الاعتداء على الصحافيين، تحت ذريعة مخالفة أوامر الحكومة”.
هذا ما حصل مع الصحافي الصومالي عبد الله أحمد مؤمن، الأمين العام لنقابة الصحفيين الصوماليين، والذي اعتقله جهاز المخابرات والأمن الوطني في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2022 على خلفية تصريحاته الإعلامية واعتراضه على خطوات الحكومة. وقد وجهت الحكومة الصومالية عدة تهم إليه من بينها معارضة قرارات الحكومة، والتحريض ضدّها، إضافة إلى الإخلال بالأمن القومي.
رفض عبد الله مؤمن جميع التهم المُوجهة إليه أمام محكمة الإستئناف في مقديشو، ولا تزال جلسات محاكمته جارية حتى الآن. وطالبت جمعيات دولية لحماية الصحفيين وحقوق الإنسان -من بينها لجنة حماية الصحافيين- الحكومة الصومالية بإسقاط جميع التهم الجنائية ضد عبد الله مؤمن وإخلاء سبيله على الفور.
تتنوع أساليب ملاحقة الناشطين/ات والصحافيين/ات في الصومال، من هجمات على حساباتهم/ن على وسائل التواصل، إلى اعتقالهم وسجنهم بتهمٍ مختلفة، من دون مراعاة الدستور الصومالي والقوانين. ولكن في حال تعسّفت الحكومة الصومالية في تطبيق القوانين، لماذا لا تسمع شركات التكنولوجيا صوت الصوماليين/ات؟