أطلقت منظّمة “سمكس” “منصّة دعم السلامة الرقمية” في شهر نيسان/أبريل 2020 بهدف مساعدة مُستخدِمي ومُستخدِمات الإنترنت والناشطين/ات والصحافيين/ات والمدوّنين/ات والمنظّمات المعنيّة بحقوق الإنسان الذين تعرّضوا لانتهاكات رقمية في البلدان الناطقة باللغة العربية. يتولّى فريق هذه المنصّة التعامل مع مجموعة واسعة من الحالات وتتبُّعها، بدءاً بالأجهزة المفقودة أو المواقع الإلكترونية المُعطَّلة وصولاً إلى الرقابة على الإنترنت والمضايقة أو التحرُّش ونشر المعلومات الشخصية الخاصّة على الإنترنت. وبالنسبة إلى إزالة المحتوى على منصّات التواصل الاجتماعي، نجمع المعطيات ونحلّلها من أجل اقتراح سياسات أفضل ترمي إلى حماية حرّية المُستخدِمين/ات في التعبير عن آرائهم/هنّ عبر شبكة الإنترنت.
منذ تمّوز/يوليو 2020، تُفرَز الحالات عبر المنصّة ونظامها الداخلي وفقاً للحالات الطارئة والقدرة الاستيعابية لفريق العمل من الساعة التاسعة صباحاً حتّى الثانية عشرة ظهراً، ولسبعةَ أيّامٍ في الأسبوع. يمكن للمتضرّرين/ات من أيّ انتهاكات رقمية التواصل مع “منصّة دعم السلامة الرقمية” عبر تطبيق “واتساب” أو عبر تطبيق “سيغنال” عبر إرسال تفاصيل الحالة مكتوبة بصيغة نصّ على الرقم (0096181633133) وعبر البريد الإلكتروني (helpdesk@smex.org). يمكنكم/ن زيارة الصفحة الخاصّة بـ”منصّة دعم السلامة الرقمية” للحصول على المزيد من المعلومات (smex.org/ar/helpdesk).
حالات انتهاك الأمن السيبراني
أصبحَ المشهد الرقمي محكوماً بشكلٍ متزايد بـ”شروط الخدمة” (Terms of Service) التي تفرضها كلّ منصّة، أو ما يُعرَف أيضاً بـ”معايير المجتمع” (Community Standards) التي تُنظِّم المحتوى المنشور على شبكة الإنترنت. كانَ الهدف في البداية إرساء مساحة آمنة ومفتوحة على شبكة الإنترنت، حيث يُتاح المجال للملايين من المُستخدِمين/ات بمشاركة المعلومات والوصول إليها بأقلِّ ضررٍ ممكن. لكنَّ هذه الأنظمة مُصمَّمة بالدرجة الأولى لاستيعاب سياقات محدّدة من دون فهم كافٍ للفوارق السياسية والاجتماعية والثقافية التي تتجاوز حدود البلد الأصلي. وفي الوقتِ نفسه، تُفرَض هذه المعايير عبر خوارزميات آلية تشوبها الأخطاء في معظم الأحيان. تؤكّد السجلّات بروز موجة متصاعدة من الرقابة على الأصوات الناقدة من منطقتنا على شبكة الإنترنت، نتيجة “الأخطاء المتعلّقة بإدارة المحتوى“، وهذا هو المجال الذي تُقدِّم فيه المنصّة أكبر قدرٍ من المساعدة. فبعد المعالجة، يجمع فريقُنا الحالات المُسجَّلة ويحلّلها للضغط من أجل اعتماد سياسات عادلة وملائمة للسياق بهدف الحدّ من تكرار هذه الخروقات.
لتتبُّع الحالات المختلفة، تستعين منصّة الدعم ببرنامج “زمّاد” (Zammad)، وهو حلٌّ مفتوح المصدر لدعم عملية إدارة البلاغات المقدّمة من قبل المستخدمين/ات، ويسمح للفريق برؤية البيانات التي جُمِعَت، مثل النوع والوتيرة والمنصّات التي تحصل فيها التهديدات أو الانتهاكات الرقمية.
يُبيِّن الرسم البياني الأوَّل عدد الحالات لكلّ منصّة، في حين يتتبّع الرسم البياني الثاني الفئات المختلفة التي تندرج ضمنها هذه الحالات، مثلاً: التنمُّر على الإنترنت، وخطاب الكراهية، والمضايقة أو التحرُّش على الإنترنت، وقمع حرّية التعبير. وكما يوضح الرسم البياني الثاني، ترتبط غالبية الحالات بتعليق الحسابات أو الأنشطة على وسائل التواصل الاجتماعي.
تجدرُ الإشارة إلى أنَّ المنصّة التي تُسجَّل فيها معظم الحالات هي “فيسبوك”، إذ أنَّها قناة اجتماعية شائعة في البلدان الناطقة بالعربية، يليها تطبيق “تويتر” و”انستغرام”. يُستخدَم موقع “فيسبوك” على نطاقٍ واسع في البلدان العربية لمشاركة الآراء السياسية والتعبير عنها، على عكس موقع “انستغرام” مثلاً الذي يُستخدَم عادةً لمشاركة المعلومات الاجتماعية/الشخصية. ويُستخدَم موقع “تويتر” أيضاً بالمستوى نفسه مثل “فيسبوك”، لكنَّ انتهاكات الأمن الرقمي أقلّ حدوثاً على “تويتر”.
بدأ موقع “فيسبوك”في الآونة الأخيرة يأخذ في الاعتبار الحقائق المعقّدة والمتعدّدة الجوانب لمُستخدِميه في البلدان الناطقة بالعربية. وما زالَ نهج الإِراف على المحتوى في هذا الموقع بحاجة إلى أبحاث مكثّفة حول خصوصيات كلّ بلد، لتقييم ما يتماشى مع معاييره المجتمعية وتحديد أنواع المحتويات التي قد تُعتبَر ضارّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ “معايير المجتمع” الخاصّة به والتي تتغيّر باستمرار هي معايير مُصمَّمة ومخصّصة لتتماشى مع القوانين ووجهات النظر الأميركية، وبالتالي يصعب على الناس في منطقتنا التعبير عن آرائهم بحرّية بدون اعتبار المحتوى الذي ينشرونه غير لائق.
جمع البيانات عن الحالات للدفع باتّجاه تغيير السياسات
تدعم “منصّة دعم السلامة الرقمية” بشكل أساسي الأشخاص العاديين والناشطين/ات عبر الإنترنت، كما نستخدمها لتوعية الجمهور حول انتهاكات الحقوق الرقمية في المنطقة. تُدرَس الانتهاكات التي ترد إلى فريق المنصّة، وتُقارَن عبر البيانات للتأثير في نهاية المطاف على شركات التكنولوجيا والدفع باتّجاه اعتماد سياسات شفّافة حول خصوصية البيانات وإدارتها. أمّا الحالات التي تُشكِّل تهديداً جسدياً وشيكاً للمُستخدِمين/ات، مثل نشر المعلومات الشخصية الخاصّة على الإنترنت والتهديد بالقتل وخطاب الكراهية مع التحريض على العنف أو الاعتقال الجسدي أو الاحتجاز، فتُعطى لها الأولوية القصوى.
في هذا السياق، تشير لوسي دومانيان، مديرة العمليات في منظّمة “سمكس”، إلى أنَّ مطالب “منصّة دعم السلامة الرقمية” بشأن الشفافية وحماية البيانات وحرّية التعبير عبر الإنترنت يجب ألّا تَصِل فقط إلى شركات التكنولوجيا، بل أيضاً إلى الحكومات والمنظّمات الإقليمية. وتشرح أنّه “يجب أن ندعو إلى تغيير السياسات على هذه المستويات الثلاثة. السؤال هو كيف يمكن التأثير والضغط من أجل تغيير السياسات على المستوى المحلّي إذا كانت الدولة لا تعمل بشكل صحيح؟ كيف يمكننا أن نُدافع عن الحقوق الرقمية إذا كانَ الضغط من أجلها خياراً غير واقعي في ظلِّ حكومةٍ غير مستقرّة؟”. في معظم البلدان الناطقة بالعربية، لا تضع الحكومات ضمن أولوياتها مسألة الأمن الرقمي والخصوصية الرقمية، حتّى أنَّ خروقات الأمن السيبراني تُرتكَب في أحيان كثيرة من قِبَل الدولة نفسها، سواء عن طريق الرقابة عبر الإنترنت أو عبر مقاضاة الناشطين/ات الذين يستخدِمون منصّات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم/ن المُعارِضة.
على الرغم من ذلك، يستمرّ فريقُنا بالضغط من أجل الوصول إلى سياسات عادلة بشأن البيانات على الصعيدَيْن المحلّي والإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، تصبح البيانات التي تجمعُها منصّة الدعم أدلّةً ملموسة في حملات الضغط التي تهدف إلى الدعوة نحو تعزيز الشفافية من جانب المنصّات المدعومة من شركات التكنولوجيا وتلك التي ترعاها الحكومات المحلّية. على سبيل المثال، أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيين من سكّان حيّ الشيخ جرّاح في أيّار/مايو 2021، شهدَت الساحة الإلكترونية تضامناً غير مسبوق مع الفلسطينيين، حيث ندَّدَ الملايين بسياسات الاحتلال الإسرائيلي لناحية التطهير العرقي والفصل العنصري وانتهاكات حقوق الإنسان على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع الزخم الذي رافق الرواية الفلسطينية عبر الإنترنت، حُذف الكثير من المحتوى الذي نشره المُستخدِمون/ات وأُغلِقَت حساباتُهم/ن، لا سيما على “انستغرام” و”تويتر”، في محاولةٍ فاضحة للتعتيم على الفظائع التي ترتكبها إسرائيل. ولعبَت المنصّة دوراً حاسماً في توثيق الحسابات المعلّقة حيث دخلت منظّمة “سمكس”، إلى جانب منظّمات أخرى إقليمية ودولية تُعنى بالحقوق الرقمية، في مفاوضاتٍ حثيثة مع هذه الشركات لمساءلتها عن هذه الممارسات غير الإنسانية. واستخدمنا البيانات التي جُمِعَت لكشف النقاب عن شوائب سياسات إدارة المحتوى التي اتَّضحَ أنَّها متحيّزة ولا تُراعي السياق الفلسطيني.
السلامة الرقمية للنشطاء والصحافيين/ات في البلدان الناطقة بالعربية
تشكّل “منصّة دعم السلامة الرقمية” في منظّمة “سمكس” همزة وصل بين المجتمعات الناطقة بالعربية وشركات التكنولوجيا في الخارج. وتقولُ دومانيان حول هذا الموضوع إنّ “المساحة المدنية أولويتنا. لقد ساعدنا وخلال العامَيْن الماضيَيْن الكثير من المتظاهرين/ات في حماية بياناتهم/ن على الأجهزة الرقمية، وقدّما النصائح للصحافيين/ات والناشطين/ات حول كيفية تعزيز سلامتهم/ن الرقمية وحمايتها”.
وفي الوقت نفسه، يتواصل فريق المنصّة باستمرار مع شركات التكنولوجيا حول سياسات إدارة المحتوى وإزالة المحتوى في المنطقة. سمر الحلال، مسؤولة وحدة التكنولوجيا في منظّمة “سمكس” والمسؤولة عن متابعة الحالات الواردة إلى منصّة الدعم، توضح الأمر قائلةً: “عندما يتمّ إغلاق حسابات النشطاء مثلاً، نرفع القضية مباشرةً إلى الشركة، مثل فيسبوك أو تويتر. ونتبع هذا الإجراء فقط إذا كانَ الشخص ضمن قائمة أهدافنا: أيْ الصحافيون/ات والمدوّنون/ات والناشطون/ات”.
وفي حين تأتي معظم الحالات من ناشطين/ات أو صحافيين/ات أو مُستخدِمي/ات الإنترنت المقيمين في لبنان، يُعالِج فريق المنصّة أيضاً الحالات من مصر وتونس وسوريا والكويت والمنطقة العربية بأكملها.
كيف تعمل منصّة الدعم الخاصّة بمنظّمة “سمكس”؟
عندما تتلقّى المنصّة محضراً عبر نظام “زمّاد”، يُصنِّفه مُعالِجو الحالات وفقاً للآلية التالية:
- تحديد المنصّة التي حدثت فيها المشكلة
- فرز المحاضر الواردة بحسب نوعها
بعد التحقيق، يُحدِّد منسّق المنصّة نوع البلاغ، سواء كان يندرج ضمن المشاكل التقنية أو الانتهاكات الاجتماعية.
وبناءً على التحقيقات والتصنيف، يُقرِّر منسّق المنصّة ما إذا كانَ سيتمّ رفع المسألة إلى الشركة المعنيّة أم لا. تُرفَع الحالات إذا كانَ المُستخدِم ضمن قائمتنا المُستهدَفة:
المدوّنون/ات
الصحافيون/ات
المُدافِعون/ات عن حقوق الإنسان
أعضاء المجتمع المدني
وسائل الإعلام البديلة
التجمّعات السياسية
الناشطون/ات
وتنطبق الاستثناءات إذا اعتبر المنسّق/ة، بحسب تقييمه/ا، أنَّ الموقف يُشكِّل “ضرراً في العالم الحقيقي”.
يُظهِر الرسم البياني (أ) البلاغات التي تندرج ضمن فئة المشاكل التقنية، لأنَّ الكثير من المُستخدِمين/ات يتّصلون بالمنصّة للحصول على نصائح حول الأمن الرقمي، مثل: “كيف يمكنني تقوية كلمة المرور الخاصّة بي؟” أو “كيف يتمّ تفعيل التحقّق بخطوتين (2FA) على موقع إنستغرام؟” وقد يتواصل آخرون مع المنصّة لطلب المساعدة من فريقنا للتدقيق التقني الجنائي لمعرفة ما إذا كانت أجهزتهم/ن قد تعرّضت للاختراق، وللتأكُّد من عدم وجود برمجيات خبيثة أُدخِلَت إليها عن طريق الخطأ أو عن قصد بهدف التجسُّس.
ماذا بعد؟
بالنظر إلى العالم الرقمي الحالي والفُرَص والتحدّيات الرقمية الجديدة التي يحملها المستقبل، تُعتبَر منطقتُنا بحاجة ماسّة إلى شبكة منسّقة من منصّات الرصد الرقمية التي تحمي حرّية التعبير وإبداء الرأي عبر الإنترنت.
ندعو “فيسبوك” و”تويتر” إلى التواصل مع منظّمات المجتمع المدني عند تطوير سياساتها، حتّى تكون مُدرِكة لتعقيدات منطقتنا وكيفية وضع سياسات لا تُجرِّم المحتوى الذي نعتبره جزءاً من خصوصيتنا الثقافية. على سبيل المثال، يحدث عدد كبير من حالات تعليق الحسابات بسبب استعمال كلمات معيّنة مرتبطة بسياقنا في اللغة العربية، مثل كلمة “شهيد” التي تعني “martyr” باللغة الإنجليزية.
في ضوء الرقابة العشوائية المماثلة من قِبَل مختلف شركات التكنولوجيا، هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات حاسمة: هل كلّ هذه الإجراءات هي في الواقع جزء من مخطّط أوسع لإسكات الأصوات في منطقتنا التي ينمو فيها شكل من أشكال الديكتاتوريات الرقمية؟ وفي حال كانَ هذا هو واقعنا، فأين نقطة التلاقي بين إدارة المحتوى وحرّية التعبير المقدّسة، إنْ كانا يلتقيان أساساً في عالمِنا؟
شاركت في كتابة هذه المقالة، نورهان قزق، محررة اللغة الإنكليزية مع “سمكس”.