مضى شهر على حجب السلطات لتطبيق “تيكتوك” في الأردن، في حين تؤكّد الشركة الصينية أنّها تتواصل مع السلطات “للاستمرار بخدمة ملايين المستخدمين”، من دون أي تعليق مباشر أو علني على عملية الحجب.
بدأ حجب “تيكتوك” في الأردن بعد تظاهرات وإضرابات عدّة انطلقت في محافظة معان، جنوب العاصمة الأردنيّة عمّان، نظّمها سائقو الشاحنات احتجاجاً على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وشارك فيها أصحاب سيارات أجرة وحافلات عموميّة. وامتدّت الإضرابات لتشمل بعض المحال التجارية في مدن عدّة، قُتل خلالها ضابط وثلاثة من رجال الشرطة الأردنية.
أعلنت السلطات الأردنيّة في 16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي حجب منصّة “تيكتوك” مؤقتاً “بعد اساءة استخدامها وعدم تعاملها مع منشورات تحرّض على العنف ودعوات الفوضى”، بحسب بيان نشرته مديريّة الأمن العام الأردنيّة على صفحتها على موقع “فيسبوك”.
كما وحذّرت المديريّة أن وحدة الجرائم الالكترونية وفرق الجرائم الإلكترونية تتابع ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً فيما يتعلّق بخطاب الكراهية “والحضّ على التخريب والاعتداء على أجهزة إنفاذ القانون والممتلكات وقطع الطرق”.
عزل المتظاهرين عن العالم
منذ الأيام الأولى للاحتجاجات التي اندلعت في البلاد، بدأت أخبار متفرّقة تنتشر حول انقطاع الإنترنت وتوقّف منصّة “تيكتوك” عن العمل. تقول المتخصّصة بالتكنولوجيا الداعمة للحقوق الرقميّة راية شاربين، في حديث لـ”سمكس”، إنّ سكّان محافظة معان لم يعانوا من حجب “تيكتوك” فحسب، بل تعدّى الأمر ذلك ليصل إلى حجب الإنترنت بشكل كامل عن مدينتي معان والكرك خلال أوقات معيّنة من النهار، واستمرّ حتى 26 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وأضافت أن السلطات حجبت موقع وتطبيق “تيكتوك”، لا التطبيق فقط.
لعبت وسائل التواصل وتطبيق “تيكتوك” دوراً مركزياً في نقل أخبار الاحتجاجات والمظاهرات إلى مناطق مختلفة في البلاد وخارج الحدود. ويكشف ناشط ردني فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ”سمكس” لأسباب أمنيّة، أن “المواقع الإخباريّة في البلاد موالية بأغلبيّتها للسلطات المحليّة وتلعب دور الناطق باسمها، لذلك، لجأنا إلى تصوير مقاطع الفيديو ومشاركتها عبر وسائل التواصل، خاصة “تيكتوك” الذي يسهل انتشار وتناقل المحتوى عبره. حلولنا البديلة استفزّتهم (أي السلطات) ودفعتهم إلى قطع الإنترنت وحجب تيكتوك وبالتالي عزلنا عن العالم”.
وبالفعل، كان الصحافيون يتابعون آخر الأخبار والتطورات عبر “تيكتوك”، لا عبر وسائل الإعلام المحليّة، كما تؤكّد الصحافية سوسن أبو السندس، المقيمة في عمان، في تصريح لـ”سمكس”. تشرح أبو السندس أن “تيكتوك”، “باعتباره منصّة شعبيّة تقوم على الفيديو، يسهل استخدامه من قبل كافة الفئات التي ترغب بالتعبير عن رأيها”. وعلى الرغم من القيود التي تفرضها السلطات، يصرّ المستخدمون/ات على استخدام برامج الشبكات اللإفتراضيّة الخاصة (VPN) للتحرّر من حجب المنصّة ونشر مقاطع الفيديو التي يصوّرونها. وبدورها تؤكّد شاربين أنّ “تيكتوك” يتمتّع بشعبيّة كبيرة في الأردن ما جعل من المنصّة وسيلة بارزة استخدمها المحتجّون لنقل الأحداث والمتسجدّات عبر مقاطع الفيديو.
في المقابل، تقول رواية الأمن العام بأنّ “تيكتوك لم تتعامل مع إساءة استخدام المنصّة من قبل مستخدميها سواء بتمجيد ونشر أعمال العنف أو دعوات الفوضى”، إلا أنّ المديرية لم توضح ما إذا كانت قد تواصلت مع المنصّة.
ولكن في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام المحليّة، كشف وزير الاتصالات الأردني، فيصل الشبول، في الثامن من كانون الثاني يناير الجاري، عن “حوارات تقنيّة مستمرة وقائمة مع شركة “تيكتوك” لضبط المحتوى على المنصة” مشيراً إلى أن الحجب المفروض على المنصّة لن يُرفع خلال الفترة المقبلة “إلا إذا تمت الاستجابة لشروط ضبط المحتوى”. وأضاف “صاحب الحساب على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤول عن التعليقات”.
وأكّد وزير الاقتصاد الرقمي والريادة في الأردن، أحمد الهناندة، في 15 كانون الثاني/يناير الجاري، إنه لا جديد حول إعادة خدمات منصة “تيكتوك” للعمل في المملكة.
وبذلك، يستمرّ حجب “تيكتوك” حتى الآن في الأردن، وفق ما وثّقناه في الاختبار الذي أجريناه على مرصد مراقبة الشبكة “أوني” (OONI)، المتخصّص بكشف الحجب، من دون أيّ تعليق من الشركة الصينية على ما حدث حتى الآن.
وبعدما تواصلت “سمكس” مع “تيكتوك”، أكّدت الشركة بصورة غير مباشرة أنّ التطبيق محجوب، وكشفت أنّها تتواصل مع السلطات لإيجاد حلّ لذلك: “نعتقد أنه من خلال تواصلنا المستمر مع السلطات، يمكننا التوصل إلى قرار يسمح لتيكتوك بمواصلة خدمة ملايين المستخدمين/ات في الأردن الذين وجدواً مكاناً للتعبير الإبداعي على منصّتنا”.
وفي ردّها الذي وصلنا متأخّراً، بدا وكأنّ “تيكتوك” تقول للسلطات الأردنية إنّها تواظب على إدارة المحتوى، حيث أكّدت أنّها ستأخذ “الإجراءات المناسبة ضد المحتوى الذي ينتهك إرشادات المجتمع الخاصة بنا”. أضافت أنّتقرير تطبيق إرشادات المجتمع الخاص بنا أننا نزيل بشكل صارم واستباقي المحتوى المخالف لإرشادات المجتمع في الأردن”.
وفصّلت “تيكتوك” في ردّها “وفقاً لتقريرنا الأخير، تمت إزالة إجمالي 310724 مقطع فيديو في الأردن، 86.6% منها أزيلت قبل أن تحصل على أي مشاهدات”.
قرارات غير قانونية؟
أثارت القرارات المتعلقة بحجب تطبيق “تيكتوك” وموقعه تبايناً في الآراء حول قانونيتها، لا سيما وأنّها تحدّ من حرية التعبير للمواطنين. تقول المحامية إيناس زايد، المختصّة بالقانون الدستوري الأردني، لـ”سمكس” إنّ خطوات قطع الإنترنت وحجب “تيكتوك” قطعاً لا تتناسب مع الدستور والقانون الأردني، إذ أنّ الدستور الأدني كان واضحاً في نصّه المتعلّق بحرية الرأي والتعبير، وأنّ حدود تقييدها يجب أن تكون بموجب قوانين صادرة وليس بموجب قرارات صادرة عن السلطة التنفيذية”.
صادق الأردن على “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية” الذي شدّد على أنّ حرية الرأي والتعبير هي حرية مطلقة ولا يجوز فرض استثناءات عليها إلا بحدود ضيّقة، وتنوّه زايد أنّ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” (الذي يضمن هذا الحق) هو شرعة دولية لا يمكن نكرانها أو التذرّع بعدم انضمام الأردن إلى الدول التي صادقت عليها.
“ما جرى هو تقييد لتطبيق كان يّعبر الناس من خلاله عن آرائهم/ن بصورة طبيعية، وفي حال رُصدت مخالفة قانونيّة تمّت عبره، بإمكان السلطات تحويل المُخالف إلى القضاء. المنع الجماعي بهذه الصورة حرم أفراداً لا يبدون أصلاً آراءهم السياسية من حقّهم/ن في التعبير عن أيّ شيء، وليس عن قضية الإضرابات حصراً”، تضيف زايد.
تضييق الفضاء الرقمي
يتزايد اعتماد الناس على وسائل التواصل للتعبير عن آرائهم بسبب امتناع وسائل الإعلام التقليدية عن نقل أصواتهم، وهذا ما لحظته السلطات مما دفعها إلى التضييق على الفضاء العام المتبقّي كمتنفّس للمواطنين.
تشير أبو السندس إلى أنّ عملها الذي يتضمّن مهمّة رصد أداء وسائل الإعلام وكيفية تعاملها مع الإضراب الشاحنات الذي نُظّم في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أظهر غياباً شبه تام للتغطية الإعلامية ولدور الصحافة المحليّة في إيصال صوت المحتجّين والمتضرّرين من القرارات الحكومية الأخيرة. كما لوحظ غياب المراسلين/ات الميدانيين/ات والمصوّرين/ات الميدانيين/ات في بداية الأحداث، بحسب أبو السندس.
تزامنت مع إجراءات قطع الإنترنت وحجب “تيكتوك” موجة اعتقالات طالت مسؤولين وناشطين محليين، إذ اعتقلت الأجهزة الأمنية كلاً من رئيس بلدية معان الأسبق ماجد الشراري على خلفيّة اتهامه بـ”إثارة النعرات المذهبية والطائفية والحضّ على النزاع بين مكونات الأمة وبثّ خطاب كراهية”، والإعلامي والناشط السياسي خالد تركي المجالي على خلفيّة “منشورات وبتهمة التحريض والذم والقدح بواسطة وسائل الكترونية”، إضافة إلى الناشط علاء الملكاوي الذي كشفت زوجته أن سبب الاعتقال يعزد إلى منشور شاركه زوجها على موقع “فيسبوك”.
عام 2020، تسبّب حجب الإنترنت في الأردن بخسائر قُدّرت بحوالي 4.9 مليار دولار. فإضافة إلى ما يمثّله هذا القرار من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، يتسبّب قطع الانترنت بخسائر اقتصاديّة كبيرة في البلاد، ويحدّ من التقدّم في المجال الرقمي الذي تخطّط وتصبو إليه دول عربية عدّة، منها الأردن.
كما أثّر القطع سلباً على قطاع التعليم في مدينة معان، حيث كشفت مصادر لـ”سمكس” أنه وبسبب سوء الأحوال الجويّة، قررت جامعة الحسين بن طلال إعطاء المحاضرات عبر الإنترنت، لا حضورياً، إلا أن سوء خدمة الإنترنت وانقطاعها المتكرّر حال دون قدرة الطلاب على متابعة المحاضرات.
يقول الرئيس التنفيذي لمنظمة “سمكس” محمد نجم إنها “ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات إلى قطع الإنترنت متذرّعة بحججٍ واهية كالحدّ من الغش في الامتحانات. وقد تزايدت حوادث قطع خدمة البث المباشر، وحجب التطبيقات والمواقع الإلكترونيّة، وقطع الإنترنت في السنوات الأخيرة، كان آخرها في الأردن”.
“ينبغي لمنصة تيكتوك أن تتحمل مسؤوليتها كمنصة تتمتّع بإقبال كبير من قبل المستخدمين/ات، وأن توفّر خدمات إضافية لتفادي الحجب كتلك التي استحدثتها شركة “ميتا” (في تطبيقها واتساب)”، يضيف نجم.