الانقطاعات المتكرّرة وعدم الاستقرار بين 20 و 21 تموز/يوليو 2017. (المصدر: BGP data)
على الرغم من انتقادات مجموعات حرّية التعبير والحقوق الرقمية، كـ IFEX وAccessNow، يبدو أن الحكومة العراقية تعتمد بشكل متزايد على حجب النفاذ إلى الإنترنت كتكتيك للتعاطي مع الشؤون الاجتماعية، السياسية، والأمنية. منذ بداية 2017 شهد العراق 25 حادثة حجب للإنترنت، 15 منها كانت خلال النصف الأول من العام لمنع الغش في الامتحانات. الاستمرار في هذه الممارسة أمر مقلق، خاصّة كون الحكومة أخذت بقطع الإنترنت بلا إنذارٍ سابق ودون أن تقلص مدّة هذه الانقطاعات. تبني الحكومة العراقية المتكرّر لهذا الأسلوب يظهر أن موقفها من الحريات على الإنترنت يسلك الاتّجاه الخاطئ.
كان من عادة الحكومة العراقية تحذير المواطنين قبل قطع الانترنت، لكن في 15 تموز/يوليو 2016، أثناء الاحتجاجات في بغداد قطعت الحكومة العراقية الإنترنت عن بغداد لمدة ثلاثة ساعات ونصف دون إعلانٍ مسبق. في 20 تموز/يوليو 2017، قطعت وزارة الاتصالات الإنترنت في منتصف الليل دونما تحذير. ورغم أنّ الحكومة لم تصرّح بسبب القطع، إلّا أنّه تزامن مع تكثيف من تبقّى من مسلّحي داعش في الموصل هجماتهم الانتحارية.
حتّى عندما قطعت الحكومة العراقية الإنترنت للمرة الأولى عام 2014، نتيجةّ لـ”الوضع الأمني الاستثنائي الّذي يمر فيه العراق،” -تلميح عن سيطرة تنظيم داعش على سامرّاء، الموصل، وجزء من كركوك، في حزيران/يونيو من ذاك العام- أعلنت الحكومة عن ذلك مسبقاً. ورغم أنّ ذاك الحجب كان فقط في خمسة محافظات، إلّا أنّه كان ذا نطاق أكثر شمولية من عدّة مرات لاحقة، كما في حالة طلب الحكومة حجباً جزئياً للشبكات الخاصة الافتراضية VPN، وقيّدت الوصول إلى عدّة مواقع تواصل اجتماعي. في حين تم نشر تحذير شامل وقتها، إلّا أنّ قطع الحكومة العراقية للانترنت يتكرّر مؤخّراً دون تحذير لأسباب لا تستدعي ذلك، ما يشير إلى انحدارٍ مغلق للحقوق الرقمية في العراق.
بالإضافة إلى ذلك، عكست الحكومة مسارها حيال تقصير مدة انقطاعات الانترنت الّتي تفرضها. أحدث انقطاعٍ للانترنت حصل خلال فترة امتحانات أواخر آب 2017، بطلب من وزارة التربية. وزارة الاتّصالات بيّنت أنّ انقطاعاً في خدمات الإنترنت سيحصل خلال الفترة بين 26 آب/أغسطس وحتّى 10 أيلول/سبتمبر 2017، بين الساعة السادسة والنصف وحتّى التاسعة والنصف صباحاً. شدّدت الوزارة على أنّه، ولمدة تسعة أيّام، سيكون هناك انقطاع كامل للخدمة.
في تمّوز 2015، قطعت وزارة الاتّصالات العراقية الانترنت أثناء امتحانات الشهادة الثانوية لمنع الغش، وأمرت كل مزودي الخدمات، ضمنهم مزودو خدمات 3G، بتوقيف خدماتهم ثلاث ساعات كل يوم طوال فترة الامتحانات الّتي دامت ثلاثة أسابيع. في أيّار 2016، تم توسيع قطع الخدمة ليشمل امتحانات المدارس الثانوية والمدارس العليا النهائية. اعترفت الحكومة بالأثر السلبي لهذه الانقطاعات الّتي تفرضها لمدّة ثلاث ساعات، وخفّضتها في بداية 2017، إلى ساعة واحدة. لكن في آب، عاودت قطع الإنترنت لمدّة ثلاث ساعات، ما يثبت أنّ الحكومة اختارت غض النظر عن تكلفة قطع الانترنت بشكل دوري.
“كان هناك قطع جزئي أو كلّي للإنترنت في 51 دولة في الأشهر العشرة الأولى من 2016 فقط،” أوردت منظّمة SMEX في تقرير لها العام الماضي، محذرةٍ أنّه “في أوقات التوتّر السياسي، قطع الانترنت قد يزيد من العنف وأعمال القمع وتجعل الوصول إلى الخدمات الأساسية والاتّصال مع من نحب أمراً شبه مستحيل.” إن بيئة الإنترنت لها أثر تحويلي على النظم الاقتصادية النامية والمتقدمة، فهي تخفض الحواجز أمام النشاط التجاري، تسهل النفاذ إلى أسواق جديدة، وتساعد المشاريع التجارية على دفع الكفاءة.
تقييد الاتّصال قد يعكس المفعول الإيجابي الّذي كان للإنترنت على الاقتصاد الأوسع. حتى التقطّعات الجزئية قد يكون لها آثار اقتصادية ملموسة. مثلاً، من الممكن أنّ تضعف خدمات البريد الإلكتروني، تمنع الوصول إلى معلومات ديناميكية عن الأحوال الجوية، وتعيق التجار الصغار والأعمال الأخرى من الوصول إلى الزبائن في مناطق أخرى ضمن الدولة أو عبر الحدود. من الواضح أن قرار الحكومة العراقية بقطع الانترنت، حتى ولو لثلاث ساعات، يؤثّر سلباً على المواطنين العراقيين.
الخسائر الاقتصادية الناتجة عن 22 انقطاعاً للإنترنت وقعوا بين تموز/يوليو 2015 وحزيران/يونيو 2016، تقدّر بأكثر من 209 مليون دولار. وبعيداً عن الاقتصاد، اعتماد العراق على قطع الانترنت، تهديدٌ للمؤسسات السياسية والاجتماعية في الدولة. خلقت الحكومة بيئة من المقبول فيها حجب الانترنت، والاستمرار في استخدام هذا التكتيك قد يكون له آثار جسيمة إذا اختارت الحكومة فعله بشكل اعتيادي لمواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية.
حدّ الوصول إلى الإنترنت -ولو كان لفترة قصيرة من الزمن- يهدّد حياة الناس ويفصلهم عن بعضهم البعض، يقوّض النمو الاقتصادي، ويقلّص الثقة في هذه الحكومة الّتي تتخذ خطواتٍ جسيمة وغير حكيمة كهذه. على الحكومة العراقية إدراك الانتشار الواسع لتبعات هذا القرار والسعي لإدارة التحديات الأمنية والسياسية دون تهديد الحقوق الرقمية للمواطنين ودون تعطيل حياتهم.