تشرح هذه المدوّنة تأثير قطع الإنترنت على المجتمعات أثناء فترة الامتحانات في المنطقة الناطقة باللغة العربية. وننشرها كجزء من حملة “سمكس” للإضاءة على أضرار هذه الممارسة على الإنترنت والاقتصاد وحياة الناس.
منذ عام 2015، تعمد بعض الحكومات العربية إلى قطع الإنترنت خلال فترات الامتحانات للحدّ من تسريب المعلومات ومنع الغشّ. وعندما يحدث ذلك، تتوقّف أجزاء من شبكة الإنترنت أو تتوقّف الشبكة بأكملها عن العمل أو تتباطأ سرعة الإنترنت بشكل كبير، وهي ممارسة تُعرَف أيضاً بـ”إبطاء خدمة الإنترنت” (throttling). وبالرغم من عدم فعّالية هذه الممارسة، استمرّت الجزائر والسودان والأردن وسوريا بتطبيقها حتّى عام 2021. بالإضافة إلى الضرر الاقتصادي الكبير على المدى القريب والبعيد، على المجتمع على نطاقٍ واسع.
نظراً لأهمّية الإنترنت في معظم جوانب المجتمع الحديث، لم يعد من الممكن الفصل بين الجانبَيْن الرقمي والتناظري. نشهدُ تداخُلاً واسعاً بين العالم “المادّي” والإنترنت لدرجة أنَّ فقدان الاتّصال بالإنترنت، ولو لفترة وجيزة، يؤدّي إلى عواقب وخيمة على الأفراد. أصبحت حقوق الإنسان الأساسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاتّصال بالإنترنت في عصرنا الحالي، مثل حرّية التعبير والحقّ في الحصول على المعلومات. خلال السنوات الماضية، وخصوصاً في ظلّ وباء كورونا، باتَ التعليم والحقّ في العمل يزداد اعتمادها على الاتّصال بالإنترنت. ولذلك، علينا الآن أن نتعامل مع مسألة الاتّصال بالإنترنت باعتبارها عاملاً تمكينياً للحقوق وحقّاً من حقوق الإنسان في حدّ ذاتها.
في عام 2021، أحدثَ قطع الإنترنت خلال بالامتحانات خللاً كبيراً في المجتمع. في الجزائر، لم يتمكّن المواطنون ولم تتمكّن الشركات من الوصول إلى الإنترنت بسبب بطء الخدمة وقطعها خلال فترة الامتحانات التي استمرّت لأربعة أيّام. وتزعزعت الثقة نتيجة غياب المساءلة تجاه الحكومة وامتناعها عن الردّ على الشكاوى. في إحدى الإفادات، يصف عثمان من الجزائر معاناته اليومية في ظلّ قطع الإنترنت بالقول: “لم أستطِع إرسال واستقبال رسائل البريد الإلكتروني ومراجعة الدروس حول تقنيات التشبيك على منصّة تعليمية على الإنترنت. لقد ضيّعت اليوم بأكمله”. وفي السودان، استمرَّ قطع الإنترنت الكامل لمدّة أربع ساعات يومياً أثناء فترة الامتحانات التي استغرقت 11 يوماً: خلال هذه الساعات، تعذَّرَ على المواطنين الاتّصال بالإنترنت بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
يعرب محمّد عبد الله، الذي أنشأ تطبيقاً يساعد المرضى على الوصول إلى أقرب مستشفى، عن استيائه لـمنظّمة “سمكس” قائلاً: “نتلقّى معظم طلباتنا اليومية في الصباح. وفي حال قطع الإنترنت، يصبح الهاتف هو طريقة الاتّصال الوحيدة لدينا، فيضطرّ المُستخدِمون إلى الانتظار لوقت طويل، كما نخسر حوالي 20% من الزبائن الذين يرغبون في طلب سيّارة إسعاف أو طلب موعد من طبيب”.
يقول مُطوِّر مواقع إلكترونية مُقيم في العراق إنَّه لم يتمكّن من القيام بعمله، وتشتكي ممرّضةٌ في الجزائر من عدك تمكّنها من متابعة دروسها على تطبيق “زوم” مع أستاذٍ في مجالها، قائلةً في استبيان شاركته “سمكس”: “خسرتُ كلّ الاحتمالات لإعادة الدورات وكُنتُ فعلاً بحاجة لإكمال مشروعي لنهاية السنة الذي أعمل عليه منذ 4 أشهر، إضافةً إلى خسارة المال لأنَّني دفعتُ مسبقاً ثمن الدورات”.
يتحدَّث أستاذٌ للّغة الإنكليزية يُقدِّم دورات عبر الإنترنت، وهو أيضاً من الجزائر، عن خسارة مدخوله نتيجة هذا الانقطاع في الشبكة: “أحتاج إلى الإنترنت للقيام بمعظم أعمالي. لقد أثَّرَ قطع الإنترنت لمدّة أسبوع تقريباً على عملي. أتقاضى أتعابي عن كلّ ساعة عمل، لذلك خسرتُ كلّ مدخولي في ذلك الأسبوع”.
وفي سوريا أيضاً، انقطعت شبكة الإنترنت لمدّة أربع ساعات ونصف في اليوم خلال ثلاثة أسابيع. في هذا البلد الذي نزحَ الملايين منه بسبب النزاع المستمرّ، أصبحَ الاتّصال الثابت بالإنترنت أمراً ضرورياً بالنسبة لهم للتواصل مع ذويهم. وفي الأردن، حيث اقتصرَ التدخُّل حتّى الآن مبدئياً على تطبيقات المراسلة، لم يتمكَّن الكثيرون من التواصل بشكلٍ فعّال عبر وسائل الإنترنت خلال فترة الامتحانات، بالإضافة إلى الإبلاغ عن الانقطاعات وبطء الخدمة.
تشير إحدى الإفادات الواردة من الأردن عبر “تويتر” إلى أنّ “الاتّصال بالإنترنت غالباً ما يتعطّل أثناء امتحانات الثانوية العامّة، الأمر الذي يُخلِّف أثراً سلبياً. في أحيان كثيرة، ينفد رصيدي [الهاتفي] وألجأ إلى الإنترنت للتواصل مع عائلتي لمساعدتي أثناء الطوارئ. ولكنْ، لا تَصِل الرسائل الصوتية والرسائل النصّية عبر واتساب إلى [المُرسَل إليه] إلّا بعد ثلاث ساعات [من إرسالها أثناء فترات انقطاع الشبكة].”
يؤثّر قطع الإنترنت على المجتمع تأثيراً كبيراً ومتنوّعاً. فمن الناحية العملية، يحرم الناس من حقوقهم، مثل حرّية التعبير والحصول على المعلومات، والحقّ في التعليم والحقّ في العمل. ومن ناحية أخرى، يؤدّي إلى تزعزع ثقة الناس في خدمة الإنترنت لا سيما وأنّ الإنترنت غير الموثوق يثير علامات استفهام حول مركزيته.
نريد أن نسمع قصّتك. أخبرنا/ينا عن تجربتك مع حالات قطع الإنترنت في بلدك خلال الامتحانات في هذه الاستمارة.