اكتشف الصحفي الاستقصائي المغربي عمر الراضي اختراق هاتفه ببرمجية “بيغاسوس” في يونيو/حزيران 2020، بعدما فجّر فضيحة أراضي “خدّام الدولة” التي كشفت عن استفادة حوالي 100 مسؤول مغربي من عقارات سكنية في ملكية الدولة بثمن رمزي. أدين الراضي في مارس/آذار الجاري بالسجن النافذ لمدة ست سنوات بتهمتيّ “التجسس” والاغتصاب”.
بعد أيّام قليلة من نشر الراضي لتحقيق “خدّام الدولة”، تمّ تعطيل المنصة الإلكترونية الحكومية الخاصة بخدمة المحافظة العقارية التي استخلص منها معلومات التحقيق، قبل أن يُعاد تشغيلها بعد بضعة أشهر إنّما مع تقييد حق الوصول إلى سجلات المحافظة العقارية مباشرة أو من الموقع الإلكتروني للمحافظة العقارية، حيث حُصر الاستحصال على المعلومات والبيانات بأصحاب الرسوم العقارية والأشخاص المصرّح لهم قانونيًا بذلك.
استثناءات تُعيق حق النفاذ إلى المعلومة
تتحكّم السلطات المغربية بنشر وإتاحة بعض المعلومات المتعلقة بمختلف الوزارات والإدارات العمومية. وبحسب أحمد البرنوصي، رئيس فرع المغرب بـ”منظمة الشفافية الدولية”، فإنّ السلطات “تتعمّد عدم نشر تلك المعلومات على المواقع الإلكترونية الرسمية للحكومة”، بهدف “إخفاء كلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى اكتشاف عمليات الاختلاس أو الفساد السائدة في بعض القطاعات الحكومية”.
صدر قانون الحق في الحصول على المعلومة في المغرب في فبراير/شباط 2018، ودخل حيّز التنفيذ في مارس/آذار 2020. يقول البرنوصي لـ”سمكس” إنّ هذا القانون “وُلد مشوّهاً” لعدّة أسباب، أهمها “القيود غير المبرّرة الواردة في المادة السابعة من القانون، والتي تستثنى نشر “كلّ المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وبأمن الدولة الداخلي والخارجي”، وهو الأمر الذي يمكن تأويله وفق مصالح وتوجهات السلطة. بالإضافة إلى ذلك، تقرّ المادة 29 من القانون بالمتابعة الجنائية لكلّ من استعمل أو أعاد استعمال مضمون بعض المعلومات الرسمية بهدف “الإساءة أو الإضرار بالمصلحة العامة”.
على الرغم من العراقيل الواردة في قانون الحق في الحصول على المعلومة ، فهو “لا يُطبّق على علّته”، وفق قول البرنوصي لـ”سمكس”. تُلزم المادة العاشرة من القانون كلّ المؤسسات الحكومية بنشر المعلومات التي في حوزتها – باستثناء تلك الواردة في قسم الاستثناءات – بواسطة جميع وسائل النشر الإلكترونية. ولكنّ بعض هذه المؤسسات لا تتقيّد بالمادة، كحال وزارة الصحة التي لم تنشر في موقعها الإلكتروني أيّ معلومة حول الصفقات العمومية التي أبرمتها مع بعض الشركات الخاصة أثناء فترة الطوارئ الصحية، ما دفع بـ”منظمة الشفافية الدولية” و”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” إلى التقدّم بدعوى قضائية ضد الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، ثمّة مجموعة من المؤسسات الحكومية لا تمتلك مواقع إلكترونية خاصة بها، مثل وزارة الداخلية التي تكتفي فقط بموقع فرعيٍّ عنها يتعلّق بـ”المديرية العامة للجماعات الترابية“.
الحق في الحصول على المعلومة وجدلية حريّة التعبير
الاستثناءات والعراقيل الواردة في قانون الحق في الحصول على المعلومة ليست وحدها ما يعيق عمل الصحافيين والباحثين، إذ أنّ الكثير منهم “لا يمتلك الخبرة التقنية للولوج إلى مجموعة من المعلومات والبيانات المتوفرة على الإنترنت لأنّ ذلك يحتاج إلى بحثٍ مكثّف”، وفقاً للصحافي صلاح الدين المعيزي، الخبير في صحافة البيانات.
يعيد المعيزي ذلك في حديثه مع”سمكس” إلى “الرقابة الذاتية التي تلعب دوراً أساسياً في امتناع الكثير من الصحفيين على معالجة بعض المواضيع المتعلّقة بالمجال الأمني أو العسكري، أو حتى مناقشة النظام الملكي”.
مع ذلك، فإنّ ممارسة “حق الوصول إلى المعلومة مرتبط أساسًا بتوفّر حريّة الرأي والتعبير، كما يرى محمد العوني، المنسق السابق لـ“الشبكة المغربية للحق في الحصول على المعلومة”، والرئيس الحالي لـ”منظمة حريات الإعلام والتعبير”. ولتفادي مواجهة السلطة، يشرح العوني أنّه “يمكن أن يمتنع الصحافي أو الكاتب عن نشر بعض المعلومات المتوفرة لديه، والمتعلّقة بمواضيع سياسية حساسة”، حتى لا يتعرّض للضغوط والمضايقات التي قد تؤدّي به إلى المتابعة القضائية أو السجن.
سيادة حريّة الرأي التعبير والإقرار الفعلي بحريّة الصحافة هو الضامن الأساسي لممارسة حق الوصول إلى المعلومة، وهو ما “لا يتوفّر في حالة المغرب”، كما يقول البرنوصي. ففي المغرب، في الوقت الذي تُعلن فيه السلطات عن إقرار وتطبيق قانون الحق في الحصول على المعلومة، “تعمد إلى اعتقال الصحافيين الذين ساهموا في فضح قضايا الفساد السياسي والاقتصادي، وتتابع بعضهم قضائياً بهدف خلق حالة من الخوف العام”.
التهمة: نشر معلومات صحيحة!
في ديسمبر/كانون الاوّل 2019 أقرّت محكمة الاستئناف بالرباط حكمًا يقضي بالحبس 6 أشهر موقوفة التنفيذ و10 آلاف درهم (حوالي ألف دولار) غرامة بتهمة نشر “أخبار صحيحة” في حق 4 صحفيين نشروا فقرات من تقرير مسرّب للجنة تقصي الحقائق داخل مجلس المستشارين حول إفلاس الصندوق المغربي للتقاعد.
وفي واقعة مشابهة، كانت صحيفة “أخبار اليوم” المتوقفة عن الصدور كشفت في تحقيقها المؤرخ في 13 يونيو/ حزيران 2012 عن عَلَاوَات مالية غير قانونية كان وزير المالية الأسبق، صلاح الدين مزوار، يتبادلها مع نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة. وعوض أن يُفتح تحقيق إداري أو قضائي حول العلاوات غير القانونية التي كشفت عنها الجريدة، اتّهم القضاء موظفين اثنين بوزارة المالية بـ”تسريب الوثائق” التي كشفت عن العلاوات للصحافة، حيث قضت المحكمة ببراءة الأوّل وحبس الثاني بشهرين مع وقف التنفيذ.
تُواصل منظمات المجتمع المدني المطالبة بإلغاء القيود المفروضة على الحق في الولوج إلى المعلومة عبر الدعوة إلى إقرار قانون جديد، فيما يستمر تحدّي الصحفيين والمدونين والمبلغين عن الفساد لكلّ القيود التي تحدّ من حقهم في النفاذ إلى المعلومات والتبليغ عن الفساد، رغم الصعاب والمخاطر التي قد تواجههم، وفي مقدمتها السجن والمتابعات القضائية.
ومع ذلك، لا يمكن للفساد السياسي والاقتصادي والإداري السائد في المغرب أن يصمد مستقبلاً أمام “تشبّت عدد من المواطنين والصحفيين بحقهم في الحصول على المعلومة وممارستهم لهذا الحق، بالرغم من المضايقات والصعوبات التي قد تواجههم”، وفقاً للعوني.